الأحداث – عبدالباسط إدريس
انطلقت بالعاصمة المصرية القاهرة، صباح السبت، فعاليات مؤتمر الحوار السوداني كأكبر تجمع لعدد كبير من القوى السياسية والمدنية ورموز المجتمع السوداني، (الأحداث) رصدت وقائع اليوم الأول للمؤتمر الذي يأمل السودانيين في أن يوقف نزيف الدم السوداني ويكتب نهاية للحرب المستمرة في البلاد لأكثر من عام.
المكان والتنظيم:
ينعقد المؤتمر في العاصمة الإدارية الجديدة بالقاهرة بتنظيم دقيق وحضور نوعي، وانطلقت البداية بصورة غير تقليدية لطبيعة المؤتمرات، والإشارة للحضور المحكم تعني أنه ينبغي أن يكون مؤتمر عمل حقيقي يفضي لنتائج ربما تنتظرها مصر وبعض الأطراف الدولية لاتخاذ الخطوة المقبلة، وفي اختيار المكان أرادت مصر الإشارة إلى صرح جديد من صروحها التنموية والإنشائية الحديثة، فالمنطقة بالإضافة إلى أنها صممت كمنطقة جذب استثماري بمواصفات عالمية هي أيضاً واحدة من القلاع الحصينة التي استضافت شخصيات ورموز عالمية ورؤساء على مستوى عالي، وشهدت استضافة لقاءات وقمم وفعاليات إقليمية ودولية مهمة.
الفكرة والتنفيذ:
تفيد متابعات (الأحداث) أن فكرة تنظيم المؤتمر نبعت من السفارة المصرية في بورتسودان وقدمها السفير هاني صلاح لوزارة الخارجية المصرية، حيث نشط السفير ومدير إدارة السودان بالخارجية المصرية السفير حسام زكي في الإعداد لها بعد أن تلقيا موافقة وتشجيع الوزير السابق سامح شكرى.
وأجرت القاهرة الرسمية لقاءات عديدة مع كافة القوى السياسية والعسكرية قبل إطلاقها.
تهدف الخطوة لمعالجة الإشكال الذي واجه منبر جدة من خلال إصرار بعض الأطراف الداخلية والخارجية لربط وقف الحرب بالعملية السياسية ومحاولة فرض مجموعة سياسية واحدة هي جبهة تقدم لتمثل رؤيتها المسار السياسي، برغم طبيعة منبر جدة المخصص أصلاً لوقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية والعسكرية وتمرير المساعدات الإنسانية، وربما تهدف القاهرة لتوظيف علاقتها الوطيدة بكافة الأطراف السودانية وفهمها العميق لطبيعة الأزمة الماثلة لتسهيل عملية ترتيب المسار السياسي، بتوليفة من أكبر كتلة مدنية مع مراعاة الحساسية العسكرية في بورتسودان وملاحظات ومآخذ بعض القوى الإقليمية والدولية النشطة في مسار الحرب على السودان.
حضور ومصالحة:
طغى على الحضور والمشاركة القوى السياسية العلمانية بجانب حزبي الأمة والاتحادى، وغابت قوى سياسية أخرى لم توجه لها الدعوة من بينها الأحزاب والفصائل الإسلامية، وبدت اللوحة كأنها مصالحة وتصحيح مواقف متبادلة ما بين الحكومة المصرية والقوى السياسية العلمانية، حيث شهدت العلاقة بينهما توترات وقطيعة عقب اندلاع ثورة ديسمبر، حيث اتهمت قوى الحرية والتغيير مصر بالوقوف ضد التحول المدني الديمقراطي، وبتوجيه من بعض السفارات بالخرطوم بعد التغيير، خرجت تظاهرات مسيسة أمام السفارة المصرية.
وكانت تسريبات عديدة قد نقلت عن الرئيس السيسي شعوره القلق بخطورة الحملات المنظمة بعد الثورة التي طالت القوات المسلحة السودانية، ونقل عنه القول بعد عام من الثورة إن الجيش السوداني لا ينفصل عن الجيش المصري وأن بلاده ترفض إحلال المليشيات محل الجيش السوداني.
وعلى ذلك ظلت قوى التغيير فى السودان رافضة لأي دور مصري وتم إبعادها من التنسيق الإقليمي والدولي حول السودان وهو مادفع السفير هاني صلاح ليقول من الخرطوم إن بلاده ستتدخل لاجل ما يجمع بين البلدين من قضايا وتاريخ مشترك، متهماً جهات لم يسمها فى ذلك الوقت بالتحريض على إبعاد مصر، وكانت قوى الحرية والتغيير رفضت آخر مؤتمر دعت له مصر قبل الحرب من أجل التوافق، إذن مصر تريد القول إنها مع قضايا الشعب السوداني وأن انطلاق أي مرحلة جديدة سيكون من نقطة مابعد عام 2019، وبهذا تستعيد علاقتها مع قحت وتقدم وكثير من النخب المؤيدة لرؤيتهما السياسية وفي ذات الوقت تعود كعاصمة ضاجة بالفعل السياسي السوداني وما يتمخض عنه بعد أن حاولت أثيوبيا لعب هذا الدور في ظل توتر العلاقة بين مصر والأحزاب العلمانية في السودان.
نجم المؤتمر :
اكتسب مؤتمر الحوار السوداني بعداً إعلامياً؛ واهتماماً كبيراً من مشاركة وزير الخارجية المصري الجديد السفير بدر عبدالعاطي الذي شكل حضوره وكلمته أول اطلالة رسمية له بعد نقله لمنصبه الجديد قبل يومين، وكانت الصحافة العالمية قد تناولت بكثافة ما إذا كانت مصر ستجرى تغييراً على سياستها الخارجية في أعقاب أضخم تعديل وزاري وإداري تشهده البلاد، لكن الوزير عبدالعاطي وظف خطابه بالكامل بشأن المناسبة، وجاءت إشاراته للخارج في إطار مناسبة الحوار السوداني، ويكشف ذلك عن تقيد الوزير بضوابط مهنية ومؤسسية تجسدت فى خطابه واختيار كلماته بدقة وعناية.
خطاب وحضور:
مثل اختيار السياسي البارز الشفيع خضر لالقاء الكلمة الافتتاحية إنابة عن الأحزاب والقوى المدنية السودانية دلالة على ما يحظى به الرجل من قبول واحترام، وقد كان الشفيع نجماً لفعاليات اليوم الأول وتركزت كلمته بالجلسة الافتتاحية حول عدة نقاط هامة أبرزها الإعراب عن شكره مصر لدعمها للسودان وللاخذ بزمام المبادرة لتنظيم هذا اللقاء الأول من نوعه منذ اندلاع القتال في السودان.
وقال الشفيع خضر إن السودان وفي صباح كل يوم دام من الحرب ظلوا ينتظرون القوى السياسية والمدنية علها تفك شفرة توافقها حول رؤية موحدة لكيفية إسكات البنادق والانتقال بالبلاد إلى مربع السلام والتحول الديمقراطي وفق مسار ثورة ديسمبر .
ولأنها لابد أن ترتقى وتعمل بجدية واخلاص لمنع انهيار الدولة السودانية ولتتماهى مع مطالب شعبها في وقف الحرب ورتق نسيجه وإكمال مسيرة ثورته.
وأضاف الشفيع : “الشعب السوداني لاينتظر ولن يقبل أن نغرق في مناقشاتنا في هذا المؤتمر فى تكرار ماظلت تتبادله القوى السياسية بتنابز بالقاب كثيرة”، وتابع: ” بل يتوقع أن يسعى المؤتمرون جميعاً لمضاعفة المشتركات ومواصلة سبر غور المختلف حوله وألا تبدأ المناقشات من الصفر وانما تبنى على ماسبقها من سمنارات وورش عمل” .
ونبه الشفيع إلى أن المؤتمر باعتباره ضربة البداية ليس من المتوقع أن يحسم المؤتمر كل القضايا المختلف حولها من أول وهلة، مشيراً إلى أنها قضايا تحتاج إلى إعداد ذهني وسياسي وسط الفصائل المختلفة المكونة للقوى السياسية والمدنية السودانية.
رسائل مصرية:
وزير خارجية مصر بدر عبدالعاطى قال في كلمته إن بلاده ومنذ اندلاع الأزمة بادرت مصر باستقبال مئات الالاف من السودانيين الذين انضمو إلى مايقرب عن خمسة ملايين مواطن سوداني يعيشون فوق الأراضي المصرية.
وأكد الوزير عبدالعاطي أن مصر ستستمر في بذل كل ما في وسعها، بالتعاون مع كافة الأطراف لوقف نزيف الدم السوداني الغالي.
وشدد وزير الخارجية المصري على أن المحافظة على مكتسبات الشعب السوداني والمساعدة في تحقيق تطلعات شعبه التي عبر عنها الملايين من أبنائه خلال ثورته المجيدة والعيش فى وطنه بأمن وسلام وعدالة.
وكشف وزير الخارجية بصورة غير مباشرة عن حلول تعمل عليها بلاده لتجاوز أزمة إيصال المساعدات الإنسانية عبر معابر تعترض عليها الحكومة السودانية ربما، وقال إن مصر تعمل على تسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية، المقدمة من الدول المانحة للسودان، عبر الأراضي المصرية بالتنسيق مع الوكالات والمنظمات المعنية.
وأكد وزير الخارجية المصري أن آي حل سياسي حقيقى للازمة في السودان لابد وأن يستند إلى رؤية سودانية خالصة تنبع من السودانيين أنفسهم ودون إملاءات أو ضغوط من أي أطراف خارجية اياً كانت وبتسهيل من المؤسسات الإقليمية والدولية الفعالة وعلى رأسها الاتحاد الافريقى وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة والدول الصديقة.
ونبه الوزير عبدالعاطى إلى أن النزاع القائم في السودان قضية سودانية خالصة وأي عملية سياسية مستقبلية ينبغي أن تشمل كافة الأطراف الوطنية الفاعلة على الساحة السودانية دون اقصاء وفي إطار احترام سيادة السودان ووحدة أراضيه وعدم التدخل في شأنه الداخلي.
وقال وزير الخارجية المصري إن الحفاظ على الدولة ومؤسساتها التي تعد العمود الفقرى والأساس الراسخ لوحدة وبناء وحماية الدولة وشعبها، مشدداً على أن الحفاظ على هذه المؤسسات هدف أساسي، وضمانة كبيرة للحفاظ على الدولة السودانية وأمنها القومي وحماية شعبها.
ولفت عبدالعاطى إلى أن وحدة القوات المسلحة السودانية لها أهمية بالغة أثبتتها التطورات الجارية لدور هذه المؤسسة فى حماية السودان ووحدته.
أبرز الحضور
ومن أبرز الشخصيات التي كانت حضوراً في المؤتمر من القادة السياسيين نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار، جعفر الميرغني نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة، مني أركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان، مبارك الفاضل رئيس حزب الأمة، التجاني السيسي، عبدالله حمدوك رئيس الوزراء الأسبق، فضل الله برمة رئيس حزب الأمة القومي، عمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني، المبعوث الأمريكي الخاص للسودان توم بيرييلو.