الأحداث – عبدالباسط إدريس
أزاح السفير الروسي لدى السودان الستار عن عمل جار لادخال المتطرفين إلى الحرب فى السودان من قبل اميركا لاطالة أمد الصراع لتجد موطئ قدم للتدخل العسكرى بزعم ضرب مواقع الارهاب..فهل يشكل ذلك تحولا فى مسار الحرب بما يعنى كسب الجيش السودانى جولتها الأولى؟ وما تأثيرها على الأمن الوطني والاقليمي؟
خطط الغرب:
سفير روسيا لدى السودان أندرية تشيرنو قال في مقال استعرض فيه استهداف وخطط اميركا ودول الغرب للسودان واشعال الحرب فيه، وأضاف” حسب الخطة، اعلان المجاعة فى السودان وفتح الحدود بالقوة، كضرورة للتوريد غير المنضبط لتشكيلات داعش ،كما كان يمارس فى سوريا، ومايلى هو اطالة حتمية للصراع مع تدفق المتطرفين من جميع أنحاء الساحل إلى السودان، يجب أن يكون الوضع النهائي فى أفضل التقاليد الامريكية هو القصف لبؤر الارهاب الدولي على مثال الفلوجة والرقة والموصل حيث مات عشرات الالاف من المدنيين ولم يهزم داعش”.
تهيئة المسرح:
يكشف حديث سفير روسيا عن حدة الصراع بين بلاده والصين من جهة واميركا والاتحاد الاوروبي من جهة أخرى، صراع مسرحه افريقيا حيث الموارد الواعدة والسودان في قلب هذا الصراع، بعد أن عجزت اميركا واوروبا في وقف الزحف الروسي الصينى وتموضعهما في قلب القارة واتجاههما لإقامة علاقات راسخة مع بلدان القارة، وبروز تيارات إفريقية أكثر استقلالية استطاعت التمرد على الدول الغربية فعمدت اميركا واوروبا لإغراق المنطقة فى نزاعات مسلحة لافساد تموضع روسيا والصين بالمنطقة إلى حين الانتهاء من شواغلهم المهمة مثل أوكرانيا وإيران وحزب الله وغزة، ومن ناحية أخرى تشكل كسب الجيش السودانى الجولة الأولى للحرب بعد ان أبطل إنقلاب حميدتي الذي أريد عبره السيطرة على السودان باقل كلفة ممكنة واخراجه من دائرة التنافس مع الصين وروسيا لصالح اميركا وحلفاءها في المنطقة، وعملت على تهيئة مسرح الأحداث ، بالتركيز على الأزمة الانسانية عبر الضغط الإعلامى وإثارة وجود متطرفين يقاتلهم الدعم السريع – فى اشارة قلقة – لانفجار المقاومة الشعبية المساندة للجيش.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي النور أحمد النور ل(الأحداث) إن محاولات ربط الجيش والمستنفرين بالتطرف في الخطاب الإعلامي للمتحدثين باسم مليشيا الدعم السريع يستهدف لترسيخ الاتهام رغم ضعفه وتهيئة المناخ لاستجلاب متطرفين من دول الساحل الأفريقي، ويضيف النور أن هذه الخطوة ستؤدى حال حدوثها إلى تهديد أمن السودان والمنطقة في القرن الأفريقي غربا إلى الساحل الأفريقي شرقا..
والراجح أن الجهات التى ترعى مليشيا الدعم السريع وتقدم لها الدعم العسكري والدبلوماسي والغطاء الأمني وراء هذا المخطط الذي أشار إليه السفير الروسي.
يد طويلة :
بالمقابل تمتلك الأجهزة الأمنية السودانية يد طويلة وقدرات كبيرة في مكافحة الارهاب، وقد تجلى ذلك من ملاحقة خلايا الارهاب بالداخل وتفتيت نشاطها بجانب التعاون الاقليمي والدولي على نحو جعل السودان واحد من أهم الدول الشركاء في الحرب على الارهاب وجعلت منه فاعل اقليمي لا يمكن تجاوزه في هذا المجال وهو ما أكدته تقارير المخابرات الامريكية والاقليمية والمؤسسات المعنية بمكافحة غسل الأموال والاتجار بالبشر.
تحركات خفية :
وتبدو محاولة ادخال المتطرفين لايجاد مبرر يجعل من التدخل العسكري الامريكي او الاقليمي ليست جديدة ، ورغم سحق الجيش لمخطط الاستيلاء على السلطة وقتل الالاف من المرتزقة الاجانب الذين تم جلبهم عبر مليشيا حميدتي في معارك غزو البلاد الا أن المبعوث الامريكي توم بيرييلو كشف عن ما يدور وراء الكواليس من خطط بديلة، وفي لقاء مسرب جمعه مع عدد من السودانيين في نيروبي أجاب خلالها عن سؤال حول ما اذا كانت بلاده ستتدخل عسكريا بانه يستبعد ذلك لكنه بالمقابل كشف عن نقاشات مستمرة تجرى في أروقة الاتحاد الافريقي والهيئة الحكومية للتنمية (ايغاد) وذلك ” للعب دور أكبر لحماية المدنيين من الصراع”، مؤكدا أن بلاده ودول الاقليم تدعم تلك الخطوات ، وحذر المبعوث الاميركي من عواقب جسيمة للحرب في السودان على دول المنطقة التي بدأت فعليا التأثر بها – حسب قوله-.
ما وراء الحديث:
يكشف حديث المبعوث الامريكي عن مشاورات اقليمية كثيفة تجرى بعلمهم بشأن السودان ومن وراء ظهر حكومته، وهي مشاورات ربما تزيح الستار عن طبخة تعد على نار هادئة وفقا لسيناريو تدخل دولي يعتمد على تدخل عبر المنظومة الافريقية باسناد من بعض الدول الخارجية بما في ذلك دول شبه إقليمية ، فالتدخل عسكريا يحتاج إلى مشروعية دولية عبر قرار يصدره مجلس الأمن لكن المجلس نفسه حتى الان غير مؤهل للنظر فى القضية السودانية إذ قال في أول جلسة انعقاد دعت لها بريطانيا بعد اندلاع الحرب إن ما يجرى في السودان نزاع داخلي، اي انه نزاع بين الجيش وفصيل تمرد عليه ، فالحرب التي اندلعت حتى الان غير مهددة للأمن والسلم الدوليين، لكن المجلس قد أحال الأمر للاتحاد الافريقي والمبادرات الدولية للمساهمة فى حل الأزمة ، وبناء على مداخل افريقية خاطئة بحسب الحكومة السودانية التي ترى ان الاتحاد الافريقي انحاز للمليشيا المتمردة وعمل على فرض حلول دون اجراء مشاورات معه ، وعلق الاتحاد الافريقى عضوية السودان بعد اجراءات الجيش في 25 أكتوبر ، وعملت مؤسساته على اعداد خارطة طريق بمشاركة دول ومؤسسات من خارج البيت الافريقى ما دفع السودان لعدم التعامل معها.
تراجع دبلوماسي :
تشير هذه التحركات التي تجرى على المسرح الافريقي وبادوات ووسائل إقليمية إلى حجم التراجع الدبلوماسي السوداني، فالسودان والى وقت قريب كانت الدول الافريقية وبخاصة دول الساحل الافريقي منها تمثل له المجال الحيوى وحائط صد ودفاع أول وقد تجلى ذلك في مساندة الدول الافريقية لكافة قضايا، مثل المحكمة الجنائية، رفض العقوبات التي تفرض عليه واسترداد ملفه في أكثر من أزمة من مجلس الأمن إلى البيت الافريقى والموافقة على المشاركة في بعثة يوناميد بجانب الفاعلية في فهم قضاياه من خلال النخب السياسية الافريقية عبر ما عرف بمجلس الأحزاب الافريقية.