الأحداث – آية إبراهيم
مطلع العام الجاري استعرض تلفزيون السودان القومي إستناداً على إحصائيات لمنصات إعلامية تشادية مستندة بدورها على إحصائيات لمؤسسات دولية حول مشاركة مرتزقة أجانب دفعت بهم مليشيا الدعم السريع للقتال في صفوفها في حربها وتمردها ضد القوات المسلحة السودانية منذ أبريل العام الماضي ما أدى إلى تورط عدد من الدول في الأزمة السودانية حيث سقط في الحرب الحالية آلاف القتلى منهم.
إتهام مليشيا
ووفقاً للإحصائيات فإن دول كل من تشاد ، النيجر ، أفريقيا الوسطى، جنوب السودان، الصومال، نيجيريا الكنغو واليمن وليبيا والإمارات تورطوا بمرتزقتهم في حرب السودان حيث قتل عدد من المرتزقة المنتمين لهذه الدول، بينما هنالك آخرون مفقودون.
وكثيراً مايتهم قادة الجيش السوداني مليشيا الدعم السريع بالإستعانة بمسلحين من دول أجنبية، مثل النيجر وتشاد وغيرها، وهو حديث جرى كثيراً على لسان قائد الجيش، الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، ومساعده الفريق أول ركن ياسر العطا، حيث يعد التشاديون أهم العناصر الوافدة للعمل العسكري لأسباب منها التداخل القبلي وتقارب العادات والثقافة المشتركة مع غربي السودان وسهولة الحركة والتسلل إلى السودان ووجود حواضن إجتماعية.
هزيمة أخلاقية
ويرى د. الرشيد محمد إبراهيم أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية أن قضية المرتزقة في الحرب ظلت ملازمة لمليشيا الدعم السريع حتى قبل إندلاع الحرب ومادار من لقط حول عدم أهلية بعض أفراد المرتزقة وأن ليس لديهم الرقم الوطني كما أن عمليات التجنيد التي كانت تتم خارج إشراف هيئة التدريب والعمليات ربما أدت إلى القصور وأن الدعم السريع ظل يعاني من مشكلة هوية بتبعيته مرة للمخابرات ومرة أخرى إلى رئاسة الجمهورية.
وقال محمد إبراهيم لـ(الأحداث) إن قضية المرتزقة تعاظمت عقب الحرب التي ماكان لها أن تمتد وتأخذ هذا الوقت لولا أن المليشيا أخذت ببعض الإستشارات من جهات خارجية على رأسها دولة الإمارات وفاغنر في الدخول لمنازل المواطنين، ونوه إلى أن الضربة الأولى التي وجهها الجيش قضت على معظم القوة الصلبة للمليشيا لذلك لم تكن لديهم خيارات في الاستمرار بالحرب غير الاستعانة بالمرتزقة الذين لايعبأون بالقتال وقواعده وحتى بالمناطق الاستراتيجية التي يمكن أن تشكل أولوية بالنسبة لعمليات المليشيا وأنهم يركزون على مناطق الغنائم بالتالي يصعب ضبطهم ومحاسبتهم وبدلاً أن يكون المرتزقة ذات أثر مفيد في عمليات المتمردين صاروا عبئاً عليهم حتى على مستوى السلوك والانتهاكات والجرائم التي ترتكب وأصبحوا حمولة قاسية على المليشيا، وأشار إلى أن المرتزقة يحتاجون إلى تقييم بعد مرور عام على التمرد، مبيناً أنهم خصماً على المليشيا لأنهم لم يحققوا انتصارات بعد توسعات الجيش وامتداداته، وقال إن الجرائم التي ارتكبت من قبل المرتزقة تمثل خصم وهزيمة أخلاقية في حد ذاتها.
قادة مرتزقة
وخلال الأيام الأولى لتمرد مليشيا الدعم السريع على القوات المسلحة السودانية نشر الجيش عبر منصات إعلامية تابعه له فيديو يظهر فيه من قالت إنه قائد “حركة مظلوم” التشادية، حسين الأمين جوجو، وهو يقاتل في صفوف مليشيا الدعم السريع في الخرطوم، بعدها ظهر القائد الميداني الذي يدعى “جلحة” في صفوف المليشيا والذي أشارت تقارير إعلامية إلى أنه كان ضمن القوات التي تقاتل في ليبيا.
مغامرة مليشيا
ويبتدر القيادي بحركة العدل والمساواة حسن إبراهيم حديثه بالقول: لا شك أن المغامرة التي قامت بها مليشيا الدعم السريع وبحكم سياسة الجنجويد المعروفة والتي نفذتها في دارفور منذ العام 2003 – 2004م وهي سياسة مبنية على حرق وسلب ممتلكات المواطنين والمدنيين العزل بالتالي هذه الحرب كانت أمر جذب واستقطاب لكل المجرمين المرتزقة في دول الجوار الأفريقي وأيضاً من الدول التي لها ارتباطات قبلية مع المليشيا ما أدى لدخول الآلاف في حرب السودان.
وأشار إبراهيم لـ(الأحداث) إلى أن الفظائع التي حدثت بحق النساء والأطفال ومنازل المدنيين نتاج طبيعي لأعمال المرتزقة الذين وفدوا من كل حدب وصوب، وقال إن المشكلة الكبرى ليست فقط في التدمير الذي حصل على أيدي المرتزقة المليشيا لكن أيضاً هؤلاء المرتزقة سيشكلون عبئاً أمنياً واقتصادياً في مستقبل الدولة السودانية خاصة أن عدد منهم جاءوا نتيجة للإغراءات التي قدمتها لهم المليشيا في أن السودان سيكون أرض الميعاد والوطن البديل لهم، وأنهم سيكونون وراثة بعد إبادة من يسمونهم بدولة 56 والفلول.
رصد تجنيد
وفي شكوى السودان ضد الإمارات لمجلس الأمن الدولي حول مشاركتها في الحرب بالبلاد ودعمها للمليشيا كشفت مستندات عن رصد مجموعة تقوم بتجنيد المقاتلين من تشاد لصالح مليشيا الدعم السريع في أغسطس من العام الماضي على رأس هذه المجموعة حمدان جبريل الملقب (جوكيكى) وهو عقيد سابق بقوات الدرك التشادية والذي يقوم بتجميع الشباب من مناطق التعدين شمال تشاد في منطقة كوري ويعاونه في ذلك “خليل عسولة” وهو تاجر إبل يصدرها إلى ليبيا وحسن صوت المحاميد الذي يقوم بجلب الشباب من مناطق أراضا وبلتين، وحسن رنقو الذي يستقطب الشباب من منجم الثمانين داخل ليبيا ويتم نقل المجندين في مجموعات صغيرة عبر موقف أدري بأبشي ويتم استقبالهم في الجنينة من قبل المدعو محمد سعيد أبو السعود الذي يسكن بالجنينة، كما تم رصد تحرك عدد 28 فرد من المجندين من مناطق كالييت وأراضا لصالح قوات التمرد خلال سبتمبر من العام الماضي أي بعد شهر من عملية الرصد الأولى حيث تم تفويج المجموعة من ترحيلات وادي فيرا بموقف أدري بمدينة أبشي لصاحبها حسن أملس ودخلت المجموعة الحدود عبر منطقة الطليحة ومنها إلى الجنينة حيث يتم تنظيمهم والدفع بهم إلى الخرطوم للمشاركة في العمليات من ضمن قادة المجموعة “الماهري محمد بربوج”، أعقب ذلك تحرك 89 فرداً حسب الرصد وتم تجنيدهم لصالح مليشيا الدعم السريع حيث تحركت المجموعة من موقف أدري بمدينة أبشي على أن تدخل للسودان عن طريق قرية الطليحة ومنها إلى الجنينة حيث يتم إستقبال المجموعة من قبل محمد سعيد أبو السعود أحد عناصر التمرد بالجنينة وبعد ترتيب وضعهم يقوم بإرسالهم إما إلى الخرطوم أو نيالا.
ظاهرة تاريخية
ويشير الخبير العسكري عمر أرباب إلى أن ظاهرة الإرتزاق في الحروب تاريخية في الحروب الداخلية أو الخارجية، وقال كانت تعرف بمصطلح الكسابة أو الغنامة.
ولفت أرباب في حديثه لـ(الأحداث) إلى أن الظاهرة مستمرة وظهرت بصورة أكثر في حرب 15 أبريل بإعتماد ذات المنهجية في الاستعانة
بالمرتزقة مقابل أن يكتفوا بالغنائم وما يمكنهم أن ينهبوه من المواطنين أو مؤسسات الدولة إذ ليس بالإمكان توفير مرتبات ثابتة لهم أو مستحقات مابعد الخدمة، وقال إن معالجة الظاهرة لا تتم إلا في إطار شامل ببناء جيش وطني وقوات منتظمة تبتعد من تسليم السلاح لأي قوات أخرى من أجل تحقيق مكاسب عسكرية وسياسية.
مصادر مرتزقة
وكشفت تقارير صحافية في وقت سابق عن إبرام مليشيا الدعم السريع اتفاقاً لتجنيد وتدريب المليشيات والجماعات المرتزقة، شملت التدريب على الطيران الحربي بالتعاون مع حفتر الذي سعى لامتلاك سلاح طيران فعال في المنطقة للعمل معه داخل ليبيا، وجلب طيارين سابقين مرتزقة من عدة بلدان أفريقية وأوروبية.
وقالت إن مليشيا الدعم السريع سعت إلى تدريب عناصر لها في روسيا وإثيوبيا وليبيا تحت إشراف إماراتي كامل، وكانت الملحقية العسكرية الإماراتية وشركة فاغنر تقوم بكل الإجراءات المطلوبة في السودان في الفترة من 2019، وأن متدربي المليشيا على الطيران التحقوا بمعسكرات جنوب روسيا تملكها وتديرها مجموعة فاغنر، وتم تدريب آخرين في إثيوبيا.
وأشارت إلى أن أبوظبي هدفت من تدريب المليشيات والمرتزقة إلى تجهيز ما بين 20 إلى 40 ألف مقاتل على مراحل تمتد لأربع سنوات تكون لهذه المجموعات تحت إسم الدعم السريع قوات برية ضاربة من أكثر من 200 ألف مقاتل، بجانب قوات مدرعة وقوات جوية وقوات خاصة.
اعتراف مليشي
وتعترف مليشيا الدعم السريع باستعانتها بمرتزقة لمساندتها في تمردها ضد القوات المسلحة السودانية وذلك من خلال نشرها مقاطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي لمقاتلين في تشاد والنيجر يعلنون دعمهم لها، ومايعضد ذلك ماصرح به رئيس بعثة يونتاميس السابق في السودان فولكر بيرتس بأن عدد المرتزقة الذين جاءوا من مالي وتشاد والنيجر بدعم من قوات الدعم السريع لا يستهان به، وما أفاد به شهود عيان في الخرطوم بسماعهم مقاتلين من مليشيا الدعم السريع يتحدثون الفرنسية ما يشير إلى أنهم أجانب.
عوامل ارتزاق
بالمقابل عزا الخبير الأمني والاستراتيجي اللواء أمين إسماعيل وجود مجموعات من المرتزقة في صفوف الدعم السريع لعاملين الأول مادي بحت، وقال هنالك استنفار في الدول المجاورة للسودان أن الحرب في السودان من أجل المال بالتالي يمكن أن تعطي أموالا بالدولار ويتم عبرها التجنيس والانتداب.
وأشار إسماعيل لـ(الأحداث) إلى أن العامل الثاني يتمثل في حوجة من قبل الدعم السريع للمرتزقة في اتجاهين فيما يلي تغطية النقص في القوة البشرية بعد أن تم تدمير الكتلة الصلبة للدعم السريع في الأشهر الأولى للحرب بولاية الخرطوم والحوجة الثانية في بعض التخصصات النادرة التي تحتاج لمهارة مثل القناصة، المدفعيات، الراجمات، إدارة المسيرات، المعلومات الاستخبارية وإدارة غرف السيطرة، موضحاً أن الحوجة للمرتزقة إزدادت بصورة كبيرة خاصة أن الاستنفار المحلي لم يكمل النقص سواء كان في القوى البشرية أو التخصصات النادرة والتي تحتاج لمهارة.