الأحداث – عبدالباسط إدريس
عند اندلاع الحرب في السودان ذهبت مواقف حكومة جنوب السودان لدعم السلطة وإظهار مساندة الجيش السوداني لكن ثمة غموض اكتنف موقف جوبا مؤخراً، ضبابية موقف جوبا من الحرب الدائرة في السودان طرحت تساؤلات باعتبار أن جنوب السودان أقرب دولة إلى السودان ويمكنها المساهمة في حل الأزمة السودانية.
علاقة غير ثابتة:
تتسم العلاقة بين السودان وجنوب السودان، بأنها غير ثابتة أو متقلبة، برغم الجهود التي بذلتها حكومتي البلدين، فمنذ انفصال الجنوب، شهدت العلاقات مواجهات عسكرية مباشرة في منطقة هجليج وأبيي المتنازع عليها، لكن جهوداً إقليمية أفلحت وقتها في دفع حكومتي البشير وسلفاكير لمفاوضات مباشرة أفلحت في اتفاقا للتعاون في أديس أبابا، أدى لتهدئة الخلافات لكنه أبقى على القضايا الأساسية بالنسبة للبلدين من دون حلول نهائية، وشهدت فترة ما بعد الاتفاق هدوء على الحدود والبالغ طولها نحو مليوني ومائتي ألف كيلو متر كأطول حدود للسودان مقارنة بجواره، وفي مطلع العام 2019 احتضنت الخرطوم محادثات جنوب سودانية معقدة بعد اندلاع الحرب بين الرئيس سلفاكير ورياك مشار، توجت بتوقيع اتفاق سلام جنوب السودان في الخرطوم بحضور جهات إقليمية ودولية عديدة.
بالمقابل استضافت جوبا محادثات السلام بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة في دارفور التي أفضت لتوقيع اتفاق سلام جوبا، الأمر الذي مكن الحركات المسلحة من الحضور للسودان والمشاركة في الحكم الانتقالي.
موقف جوبا من الحرب
بعد اندلاع الحرب في السودان في منتصف أبريل من العام الماضي، ذهبت مواقف جوبا تجاه الوقوف مع القوات المسلحة فى مواجهة تمرد قائد مليشيا الدعم السريع حميدتي، وشارك الرئيس سلفاكير في قمة القاهرة لرؤساء دول جوار السودان، وكان جزء من البيان الختامي المؤكد لدعم دول الجوار لمؤسسات الدولة الشرعية في السودان وضرورة عدم تدخل أي طرف خارجي في الأزمة، بعدها غيب منبر دول الجوار واغتيلت مساعيه للحل في مهدها ولم يفلح وزراء الخارجية المكلفين بعقد اجتماع وضع آليات حل الأزمة السودانية في عقد ذلك الاجتماع.
وانتقلت جوبا المحتفظة بعضويتها في الإيقاد لاجتماعات رؤساء الإيقاد، المنبر الذي وصفته الحكومة السودانية بالانحياز للمليشيا المتمردة، ووصف بأنه محاولة جادة بالوكالة عن آخرين لاغتيال منبر جدة بالذهاب إلى منبر جديد لتخليص المليشيا من ورطة التزامها على بنود جدة الأولية والقاضية بخروجهم من منازل المواطنين والأعيان المدنية لاستئناف بقية أجندة المحادثات.
احتواء توتر
تقول مصادر مطلعة ل(الأحداث) إن قلقاً قد انتاب حكومة جوبا بعد خطاب بعثت به وزارة الطاقة والنفط السودانية أخطرت فيه نظيرتها بتوقف انسياب نفط جنوب السودان نتيجة للأضرار التي ألحقتها المليشيا المتمردة بخط ومحطات النفط.
ويشكل النفط شريان رئيسي لتغذية الخزانة العامة في جوبا حيث يتم سحبه وتكريره ونقله إلى موانئ التصدير عبر المنشآت والموانئ السودانية نظير حصول السودان على رسوم عائدات نقل وتكرير نفط الجنوب.
وفي منتصف مارس الماضي قال وزير مالية جنوب السودان أوو دانيال في مؤتمر صحفي إن إيرادات بلاده من النفط الخام تضاءلت لأن الحرب في السودان أدت لتعطل خط الأنابيب، وأوضح الوزير أن موظفي الحكومة لم يتقاضوا أجورهم لستة أشهر لأسباب منها تراجع إيرادات النفط.
فى السياق قالت مصادر مطلعة ل(الأحداث) إن نائب رئيس مجلس السيادة زار جوبا، وبحث مع الرئيس ميارديت التباين في علاقات البلدين بما في ذلك مخاوف جوبا من استطالت توقف تدفق خام النفط، والأسبوع الماضي زار عقار ميناء بشائر لتصدير النفط، وأكد خلال لقائه مسؤولي الميناء توفير الحكومة لكافة احتياجات إعادة استئناف النفط، وتوقع معالجة الخطوط في غضون ستون يوماً.
ملف أمني شائك
وكشفت الحرب في الخرطوم والجزيرة عن مشاركة مليشيات جنوب سودانية مسلحة تقاتل إلى جانب مليشيا الدعم السريع، وفي السياق قال الخبير الأمني يوسف مصطفى ل(الأحداث) إن مرتزقة من جنوب السودان شاركوا بالهجوم على سلاح المدرعات ومعارك جنوب الخرطوم والجزيرة، وقال يوسف إن حكومة الجنوب بموجب التزاماتها الإقليمية كعضو في منظومة الأمن الأفريقي وآلياتها مطالبة بالتحقيق والتعاون مع أجهزة الأمن السودانية لتجفيف منابع تدفق المرتزقة من بلادها والمشاركة في القضاء عليهم بموجب التزامها الإقليمي بمحاربة القوى السالبة والمتمردة والمجموعات الإرهابية.
بالمقابل يقول الخبير المختص في الشؤون الأفريقية عباس محمد أحمد ل(الأحداث) إن موقف جنوب السودان على المستوى الرسمي مر بتحولات أساسية نتيجة للتدخلات الخارجية في الصراع الحالي في السودان.
ويضيف عباس “بعد أن كان الموقف الرسمي يدعم موقف الحكومة أو بالأحرى قوات الشعب المسلحة أصبح هذا الموقف يتغير لصالح ممارسة نوع من الضغط غير المباشر على موقف القوات المسلحة من خلال توظيف جنوب السودان كورقة مهمة في هذا الإطار”.
وتابع عباس “هناك الموقف غير الرسمي والمتمثل في تدفق المقاتلين المرتزقة نتيجة توظيف شبكات القوات غير الرسمية والمليشيات التي يعج بها جنوب السودان والتي أصبحت إحدى محددات العلاقات بين البلدين راهناً ومستقبلا”.
يمكن تفسير أسباب تغير موقف جنوب السودان – والحديث لعباس- إلى كونه بلد نشأ نتيجة تدخلات خارجية مكثفة وتديره نخب هشة أمام إغراءات الخارج وهو ما يتسق مع طبيعة التدخل الخارجي في السودان حالياً.
الإمارات على الخط :
منذ سقوط البشير تزايد الاهتمام الإماراتي بجنوب السودان، وبعد شهر واحد على سقوط نظام البشير وجه بن زايد دعوة رسمية للرئيس سلفاكير للتباحث حول العلاقات الثنائية، وقالت مصادر ل(الأحداث) إن الإمارات تحاول السيطرة على مداخل ومخارج الاقتصاد في السودان والجنوب، وأشارت إلى أن دعوة الرئيس كير سبقتها دعوة أحزاب وحركات سلام جوبا وأعقبتها دعوة عبدالعزيز الحلو.
ويثير تغلغل الامارات قلقاً سودانياً من شن حرب اقتصادية تنتهي بمواجهة مسلحة بين الخرطوم وجوبا بعد أن اتهمت الخرطوم أبوظبي رسمياً بدعم مليشيا حميدتي.
وخلال الأيام القليلة الماضية أبرمت الإمارات اتفاقية (النفط مقابل النقد) مع حكومة جنوب السودان، وأفادت وسائل إعلام أن أبوظبي ستمنح جوبا 13 مليار دولار، وذلك بعد أن وافقت شركة معروفة على نطاق ضيّق يديرها شخص على صلة قرابة بعيدة بالعائلة الحاكمة في الإمارات، على إقراض جنوب السودان 12 مليار يورو (12.9 مليار دولار) مقابل سداد المبلغ بالنفط، ما يجعلها إحدى أكبر صفقات النفط مقابل النقد على الإطلاق، وأحدث تدخل من هذا النوع في دولة أفريقية تواجه تحديات جمة.
وقال موقع “أخبار السودان” إن الصفقة ستمكن الإمارات من الحصول على النفط بسعر مخفض لمدة تصل إلى عقدين. وبموجب الاتفاقية، ستبيع جنوب السودان النفط بسعر يقل عن السعر المرجعي العالمي بمقدار 10 دولارات للبرميل.
لكن إلى الآن لم يصدر عن السودان أي تعليق رسمي بشأن التداعيات المحتملة لهذه الصفقة وأثرها على اتفاقية نقل النفط الموقعة مع جنوب السودان.
جوبا تدرك العواقب:
الكاتب الصحفي النور أحمد النور من جانبه يستبعد استخدام جوبا في لعبة حرب الوكالة على السودان، ويقول ل(الأحداث) “من الصعب استخدام جوبا الرسمية ضد السودان لأنها تدرك أن الخرطوم قادرة على إيذائها في حال وضعت نفسها تحت خدمة جهات معادية للسودان.. كما أن لديها مصالح مع الخرطوم لا يمكن أن تفرط فيها سواء تصدير نفطها عبر أراضيه أو حركة البضائع والسلع السودانية التي تعتمد عليها خمس ولايات جنوبية متاخمة للسودان وبها كثافة سكانية وبعيدة عن الحدود اليوغندية التي تدخل عبرها السلع إلى جنوب السودان.
ونسبة للأوضاع الأمنية الهشة ووجود حركات ومجموعات مسلحة لا تسيطر عليها الحكومة في جوبا يمكن أن تستخدم كما في بعض فصائل المعارضة الجنوبية التي تعمل كمرتزقة مع مليشيا الدعم السريع، ولا يستبعد أن تكون قيادات أو مسؤولين في جوبا يمكن أن تتعاون مع أعداء السودان.
الإيقاد ثاني مرة
ينتظر أن تنتقل رئاسة مجموعة دول الإيقاد إلى جنوب السودان رسمياً في شهر يونيو القادم، وكان السودان قد اعترض على نقل رئاسة اللجنة من الرئيس سلفاكير إلى الرئيس الكيني، وأعلن تجميد عضويته في المنظمة، ويبدو في هذا الصدد أن الإيقاد تحاول إحياء دورها من جديد ، إذ تزامن مع المتغيرات الأخيرة في مواقف جوبا تعيين الإيقاد للجنوب سودانب لورانس كورباندي، مبعوثاً خاصا للإيقاد إلى السودان.
والتقى السكرتير التنفيذي لإيقاد ورقني قبيهو بمقر المنظمة في جيبوتي، لورانس، مرحبا به رسميا لدوره الجديد حيث تمت مناقشات مفصلة حول الوضع الحالي في السودان.
وأكد السكرتير التنفيذي التزام الإيقاد بتعزيز التقدم والسعي إلى إيجاد حل سلمي للصراع في السودان، الذي استمر للعام الثاني مما تسبب في معاناة لا يمكن تصورها للشعب السوداني.