بروكسل تتخبط مع تصاعد الحرب في السودان واندلاع موجة جديدة من الهجرة

الأحداث – وكالات
قوارب قادمة من شرق ليبيا شكّلت أكثر من 90% من عمليات العبور غير القانونية للمتوسط بعد أن أعاد زعيم الحرب في بنغازي علاقاته مع المتمردين السودانيين.
أظهرت البيانات أن حالات العبور غير النظامي من تونس وليبيا انخفضت بنسبة 59% إلى 66,766 في عام 2024، ما دفع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني والاتحاد الأوروبي إلى التفاخر بنجاح سياسة ضبط الهجرة الأوروبية.
لكن الآن، يشعر قادة الاتحاد بالذعر من تصاعد عمليات العبور غير القانوني من شرق ليبيا، والتي يُلقى باللوم فيها على التوسع الروسي وتحالفه مع شخصيات بارزة في نظام اللواء خليفة حفتر ببنغازي. لكن الواقع أكثر تعقيدًا؛ إذ تدفعه الحرب السودانية التي امتدت إلى شرق ليبيا ومثلث حدودي مع مصر.
هذا العام، أعاد حفتر العلاقات بين ميليشياه، التي يسميها “الجيش الوطني الليبي”، وميليشيا قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، لفتح طريق تسليح من الإمارات إلى شمال دارفور. ومنذ عام تحاول قوات الدعم السريع السيطرة على الفاشر، عاصمة إقليم دارفور.
تقارير أممية متكررة أفادت بأن الإمارات دعمت جيش حفتر وقوات حميدتي بالأسلحة واللوجستيات ضمن شبكة مصالح تجارية في المنطقة.
تسيطر قوات حفتر وحميدتي أيضًا على جزء كبير من إنتاج وتجارة الذهب من شرق ليبيا وغرب السودان. هذا التعاون دفع الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان للتراجع في معركته للاحتفاظ بالفاشر ومناطق محيطة بها.
أصبحت المعارك في المثلث الحدودي بين ليبيا والسودان ومصر شديدة لدرجة أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي جمع بين حفتر والبرهان في اجتماع سري بالقاهرة مساء 30 يونيو، بحسب موقع “ميدل إيست آي” اللندني.
كان هم السيسي الرئيسي هو منع انتقال الحرب السودانية إلى مصر، وتعزيز موقف حليفه البرهان. وتدعم مصر وتركيا وإيران والسعودية قوات الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع، رغم أن الإمارات، الداعم الأساسي لحميدتي، تُعد أكبر مستثمر أجنبي في مصر.
في هذا السياق الإقليمي المتوتر، يظهر مسؤولو بروكسل وكأنهم “أرانب مصدومة أمام الأضواء”، ما زالوا مهووسين بحصص الهجرة، وعاجزين عن تقديم أي حل دبلوماسي لأزمة السودان. ويكتفون الآن بالتعاون مع عصابات إجرامية تتظاهر بأنها خفر سواحل لمنع الهجرة من شرق ليبيا.
وفي رسالة تم تداولها بين الحكومات قبيل قمة قادة الاتحاد الأوروبي في 25 يونيو، أشارت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى بيانات من “يوروستات” تظهر أن 93% من حالات العبور غير القانوني في النصف الأول من 2025 جاءت من ليبيا، مع زيادة بنسبة 7% في مسار البحر المتوسط الأوسط، وزيادة بنسبة 173% في الوافدين إلى اليونان من شرق ليبيا.
في النصف الأول من 2024، بلغ عدد القادمين عبر البحر من طبرق إلى جزر اليونان الجنوبية مثل غافدوس وكريت 2297. أما في 2025 فقد تجاوز العدد 7300.
قالت فون دير لاين: “بالنظر إلى الوضع الراهن، ولاحتمال استخدام الهجرة كأداة سياسية، علينا التفاعل مع مختلف الجهات الفاعلة على الأرض”، مشيرة إلى “التداعيات الجيوسياسية لتطورات ليبيا على الاتحاد الأوروبي”.
وأضافت: “فيما يخص الهجرة، نحتاج إلى الحفاظ على التعاون الوثيق والاستمرار في تقديم الدعم المالي والعملياتي للسلطات الليبية، خصوصًا في عمليات البحث والإنقاذ”.
تطالب المفوضية الآن بمزيد من الدعم للسلطات الليبية، بما في ذلك خفر السواحل (راجع: العدد 66 – 8: “بروكسل تنفق المليارات على السيطرة على الهجرة في غرب أفريقيا”). وهذا يمثل تحولا كبيرًا، حيث كانت المفوضية قد صرّحت سابقًا أن خفر السواحل الليبي مخترق من قبل عصابات إجرامية، ما يثير تساؤلات حول استمرار دعمه.
الالتزام الأول هو مهمة “دعم إدارة الحدود الأوروبية المتكاملة في ليبيا”، التي تم تمديدها لعامين إضافيين حتى 30 يونيو 2027، بميزانية تقارب 52 مليون يورو (60 مليون دولار).
مقابل هذا الدعم، سيكون للاتحاد الأوروبي “الحق في الإصرار على تعزيز إدارة الحدود، ومكافحة تهريب المهاجرين، وتنظيم تأشيرات العمل والتنقل إلى أوروبا، وضمان الحماية والعودة الطوعية من ليبيا إلى بلدان الأصل”.
من المتوقع أن يزور مفوض الهجرة الأوروبي ماغنوس برونر – المحافظ النمساوي – مسؤولين في شرق وغرب ليبيا خلال الأسبوع المنتهي في 5 يوليو، ضمن مساعي الاتحاد لتوسيع التعاون بشأن ضبط الهجرة. وأفاد برونر بأن المهاجرين المحتملين “تلقوا تشجيعًا” من حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس وحلفاء حفتر في الشرق.
ليبيا والجزائر هما الدولتان الوحيدتان في شمال أفريقيا اللتان لا تملكان اتفاقيات “نقد مقابل هجرة” مع الاتحاد الأوروبي، ويرجع ذلك في حالة ليبيا إلى غياب حكومة فاعلة. وفي 27 يونيو، وصف برونر الحكومة في طرابلس بأنها “مريبة إلى حد ما”، لكنه أشار إلى أن الاتحاد الأوروبي ليس أمامه خيار سوى التعامل معها.
تعقد الوضع أيضًا بسبب الوجود الروسي في شرق ليبيا، واتفاقية بحرية مثيرة للجدل بين حكومة طرابلس وتركيا. وأشار وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني إلى خطط روسية لنقل قاعدة بحرية من سوريا إلى شرق ليبيا، محذرًا من “تأثير مزعزع للاستقرار في كامل المتوسط”، وتداعيات متزايدة على تدفقات الهجرة.
كما قال إن ذلك “سيجعل من الأصعب تحقيق وحدة في ليبيا”. وأعربت مالطا وإسبانيا عن تحذيرات مماثلة بعد ملاحظتهما نقل روسيا لمعدات من قاعدتي حميميم وطرطوس إلى قاعدة الخادم الجوية قرب بنغازي.
وُقّع الاتفاق البحري في نوفمبر 2019 بين تركيا وسراج (رئيس حكومة الوفاق آنذاك)، ويحدد “ترسيمًا دقيقًا وعادلًا للمناطق البحرية في المتوسط”، متجاهلاً جزيرة كريت اليونانية. وقد وقّعت اليونان وقبرص اتفاقيات مع شركات طاقة كبرى مثل إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية للتنقيب قربها.
وفي أكتوبر 2022، تم تمديد الاتفاق بمذكرة تفاهم جديدة منحت تركيا حقوقًا في استكشاف النفط والغاز في المياه الليبية والمناطق الداخلية.
قبيل قمة بروكسل، أعلنت الحكومة اليونانية نشر فرقاطتين وسفينة بحرية ثالثة قبالة سواحل ليبيا. وكانت قد أعلنت سابقًا أنها لن تدعم أي اتفاق سلام في ليبيا ما لم يتم إلغاء الاتفاقيات مع تركيا.
وأعلن المجلس الأوروبي أن مذكرة التفاهم بين ليبيا وتركيا “تنتهك الحقوق السيادية لدول أخرى، ولا تمتثل لقانون البحار، ولا يمكن أن تنتج عنها آثار قانونية تجاه دول ثالثة”.
وردًا على ذلك، رفضت لجنة النازحين واللاجئين في البرلمان الليبي انتقادات الاتحاد الأوروبي للاتفاق، كما انتقدت تصنيف الاتحاد لليبيا كـ”دولة عبور أولوية” للهجرة، واعتبرت موقف الاتحاد “تبسيطًا ظالمًا لمعاناة الشعب الليبي”.