السودان والخروج من النفق .. نحو سياسات اقتصادية ومالية لما بعد الحرب الجزء (2)

بروفسور أحمد مجذوب أحمد
السياسات الاقتصادية كل متكامل وجسم لا يقبل النقص والتشوهات، فهي لا تسير برجل واحدة كما لا تتكامل رؤيتها بعين واحدة .. هي تكمل بعضها وتسد ثغرات الوطن فى كافة جوانبها، ولست فى مقام تفصيل ذلك وبيان كيف أن عدم تنسيق السياسات سيؤدي لا محالة إلى عكس ما تخطط له الأجهزة.
ونبدأ، دون توسع، فى ذكر هذه السياسات وفقاً لدائرة الاختصاص ومحل ومستوى المسئولية على النحو الاتى؛
1) السياسات المالية:
لا بد لنا أن ندرك أنه وبعون الله تعالى وبعزيمة القيادة السياسية والتنفيذية لا يبقى مستحيلاً تحت الشمس ،فكم من أمة نهضت باعتمادها على مواردها وحسن إدارتها وحشد الدعم والتأييد السياسي للخطط المطروحة من مواطنيها ، ونحن ندرك أنه إذا تعلقت همة امرئ بالثريا لنالها ، ولنا فى انتصارات حرب الكرامة خير دليل وبرهان على ما فى أهل السودان من عطاء.
كذلك لا جدال فى أن الموارد المالية هى المفتاح الأساسي لتحقيق النهضة الاقتصادية ، وأن توفيرها يحتاج لجهد واسع وسياسات مالية يتوفر لها دعم مجتمعي مماثل لما قدمته حملات الاستنفار . وتواصل قوى مع العالم الخارجى الحر (دول ومنظمات) والاستفادة من القوى الاقتصادية الناشئة التى انطلقت بقوة مثل تجمع البريكس (BRICS) ، يستند ذلك على تنسيق مرتب مع القطاع الخاص الداخلي والخارجي أيضاً، بتشجيعهما للمساهمة فى تمويل خطة الاعمار عن طريق حزمة سياسات تعزز الثقة بين الحكومة والقطاع الخاص.
والسياسات المالية التى نقترحها تشمل:
1. حشد الموارد المالية وترشيد الانفاق، ورفع كفاءة الانتفاع منها بتقليل الهدر المالي.
2. توسيع المظلة الضريبية وإدخال مزيد من الممولين فى قائمة الوعاء الضريبي ، وفرض فئات ضريبية واقعية لا تعسف فيها ،
3. تقوية نظام المعلومات المالية ليس فيما يلي معاملات الحكومة وإنما كل النشاط المالي في الاقتصاد ، بحيث يختفي الاقتصاد غير المنظم (Informal sector) فلا يقف هذا على إنشاء وتطبيق النظام التقني المالي فحسب ،وإنما لابد من بناء وتأسيس قناعة لكافة المتعاملين فيه (ترغيباً وترهيباً) .4. تنشيط تحصيل الإيرادات الحكومية من كافة الممولين بالفعل الايجابي وترسيخ قناعة أن هذا الالتزام فوق أنه التزام ديني وأخلاقي فهو جزء من واجبات المواطنة.
5. فرض ضريبة جديدة للاعمار على المقتدرين من كافة المقيمين داخل السودان والسودانيين بالخارج.
6. تطبيق سياسة شد الأحزمة على البطون بأن تخفض الحكومة الانفاق العام في المجالات التى ليس لها علاقة بالإعمار .
7. إعادة برمجة سداد الديون الخارجية باتفاقات ثنائية وبما لا يرتب أى التزام خارجي من جراء إعادة البرمجة .
8. توسيع دور القطاع الخاص فى إدارة وتقديم بعض الخدمات والأنشطة والأعمال بما يخلق فرصا جديدة فى التوظيف وبما لا ينشئ التزامات جديدة على الحكومة، مثل صيغة المشاركة مع القطاع الخاص (PPP) ونظام البناء ونقل الملكية (BOOT) وسياسة المشغل الخارجى (out sourcing policy)9. تأسيس صناديق إعمار بالجنيه وبفئات متعددة تمكن كل مواطن من المساهمة في برامج الإعمار ، وتوجه حصيلتها لتمويل برامج الإعمار ، على أن تتمتع هذه الصكوك بمرونة تمكن حاملها من استخدامها في ضمانات التمويل ، كما يمكن للحكومة إصدار صكوك مرتبطة بإقامة مشروعات معينة وفق صيغ المقاولة فى التنفيذ والمضاربة فى التمويل (تجربة صكوك صرح بوزارة المالية عام 2006) ،
وتفصل هذه السياسات وتحدد مسؤولية كل مستوى حكومي أو قطاع خاص. حتى تسهل المتابعة والتقييم وتتحقق الكفاءة والكفاية.
2) السياسات النقدية والتمويلية:
تكاد تكون السياسات النقدية والتمويلية هى وأي الأمر ، لأنها تتعلق مباشرة بمؤسسات التمويل، وهى تنقسم إلى محورين ، أولهما السياسات الكلية للبنك المركزي ، والتي تأتي أهم مكوناتها فيما يلى:
1. تحقيق الاستقرار الاقتصادي بالمحافظة على سعر الصرف.
2. خفض التضخم
3. تحقيق معدل نمو
4. تحديد نسبة الزيادة فى عرض النقود الملائمة للنشاط الاقتصادى (M2 / M1) والضرورية لتحقيق هدف إيقاف التدهور وتنفيذ برامج الإعمار.
5. تقوية وتطوير الجهاز المصرفي التحاري والمتخصص تقنيا وتنظيميا وموارد بشرية وقدرات تمويلية.
6. تأسيس وتطوير علاقات خارجية مصرفية ومالية مساندة للأولويات خاصة مع المؤسسات والمنظمات الاقتصادية والمالية العالمية والعربية
7. تطوير قطاع التأمين بالتنسيق مع الجهات الأخرى.
8. رعاية وتأسيس صناديق الإعمار مع الجهات المختصة.
9. توسيع نشاط التمويل الاصغر وتوجيهه وفقا أولويات برامج الإعمار
3) سياسات خاصة بالجهاز المصرفى:
(تظل مؤسسات الوساطة المالية تقوم بأدوار مهمة فى كافة النظم الإقتصادية خاصة بعد التطورات التى تمت فى التقنية المالية وتحقيق الشمول المالي في الدول المتقدمة – وبعض الدول النامية – مما جعلها تساهم بكفاءة فى النهضة التى حدثت فى هذه الدول.)
إدراكا لهذا الأمر ظل النظام المصرفي السوداني محل اهتمام من كافة الحكومات من أجل أن يحقق الأهداف المرجوة منه ، ولم تخل سياسة من سياسات البنك المركزى أو وزارة المالية إلا وأشارت إلى إصلاح وتطوير النظام المصرفي غير أن هذا الجهاز ظل يواجه تحديات متنوعة ومتجددة تقتضي حزمة من السياسات تبدأ بمعالجة تحديات الجهاز المصرفى التي تشمل :
1. تضاؤل دوره فى التنمية الاقتصادية بسبب ضآلة رؤوس أموال المصارف ، مما أضعف قدرته في المساهمة فى تمويل القطاعات الحيوية (الزراعية والصناعية) فلم يتمكن من تخصيص التمويل الكافي والمناسب لهذه القطاعات
2. تركز نشاطه التمويلي فى المجال التجاري قصير الأجل،
3. إرتفاع تكلفة التمويل مقارنة بأسواق التمويل فى النطاق الإقليمى،4. ارتفاع تكلفة تشغيل المصارف ، أدى إلى ضعف معدلات الأرباح السنوية التي يحصل عليها المصرف حيث تضاءلت نسبة حصة حملة أسهم هذه المصارف فى الربح، التي بلغت فى بعض الحالات صفر أو بالسالب ، إذا قورنت بمعدلات التضخم فى العملة السودانية وربحية القطاعات الأخرى.
5. ضعف الانتشار الجغرافى وتغطية كافة مناطق النشاط الاقتصادي، (بما يعرف بمشكلة الشمول المالي) بالرغم من أن بعض المصارف حققت انتشارا جغرافيا واسعا إلا أنه لا زال البون شاسعا بين ما هو واقع وماهو مستهدف ، حيث لازال السودان فى ذيل الدول من جهة معيار الشمول المالى،
6. ضعف شراكات الجهاز المصرفى الخارجية ، بما يمكن المصارف من الحصول على تمويل لبرامج التنمية بآجال متوسطة.
لهذا فإن على البنك المركزي أن يتبنى سياسات لإصلاح الجهاز المصرفي، لمعالجة مظاهر الخلل التى أشرت لها.
كما ينبغي على البنك المركزي أن يواجه تحدياته الداخلية وتحديات الجهاز المصرفي الموروثة على حد سواء،،
ونقترح ما يلى :
1. تطوير وتحسين قدرات البنك المركزي الرقابية وملاءمة سياساته مع أهداف خطة النهضة الاقتصادية، وفقا لما أشرت له سابقا.
2. إلزام المصارف بزيادة رؤوس أموالها مباشرة بطرح أسهم جديدة أو عبر سياسة الاندماج أو بالسياستين معاً مدعومة ببرنامج إعلامي مركز يسعى لتصحيح الصورة الذهنية لأداء المصارف، مما يشجع على الاكتتاب فى الأسهم المطروحة .3. تطوير النظم الداخلية ، خاصة نظم التقنية المالية وتطبيقها فى كل الاجراءات الإدارية والمحاسبية والمصرفية،
4. تقليل رسوم خدمات التقنية بما يشجع العملاء على استخدام كافة كروت وبطاقات ووسائل الائتمان،
5. التوسع فى تقديم منتجات مصرفية تلبي احتياجات عملاء المصارف وحاجة النشاط الاقتصادى.
6. تطوير النظم الادارية لتتناسب مع نظم التقنية وسياسة الانتشار الجغرافى مع تبسيط الاجراءات واعتماد نظم المراجعة التقنية ، والاستفادة من مزايا النظام التقنى الذى يخفض من التجاوزات المالية ويضمن تسلسل الاجراءات ويسد الثغرات.7. رفع كفاءة المورد البشري ، لأنه يمثل الأداة المفتاحية لتحقيق الكفاءة والنجاح ليس فى إطار المعرفة المصرفية المحلية وإنما يستوعب التجارب العالمية ويواكب التطورات فيها ، ويستفيد من فرص ومجالات التعاون المالي والمصرفي والتقني الخارجى .
8. تحسين كفاءة نظم تقليل مخاطر الإستثمار الداخلى والخارجى ،بما يشمل تنويع المحافظ التمويلية،من حيث الآجال والأسواق والقطاعات والعملات ،وتحسين كفاءة ادارات الاستثمار فى تحليل دراسات جدوى المشروعات ومتابعة المتغيرات الداخلية والخارجية المؤثرة على الاستثمار .
9. استقطاب وزيادة الودائع الإدخارية والاستثمارية والجارية، بالانتشار الجغرافى واستحداث نظم لجذب المدخرات بإنشاء المحافظ وصكوك الاستثمار ورفع كفاءة التشغيل لتحقيق عوائد مجزية لأصحاب الودائع .10. اعطاء أولوية لجذب المدخرات بالعملات الاجنبية باستحداث نطم إدخار وصيغ استثمار مرنة ومجزية تحقق الربحية والسيولة المنتظرة من اصحاب الودائع.
11. إعطاء أولوية لتمويل الصادرات ومن قبل ذلك تمويل مدخلات القطاع الإنتاجي الموجه للصادر والعمل على ضمان كفاءة المصدرين لاستدامة واستقرار أسواق الصادرات السودانية
نقلا عن موقع “المحقق”