كرار التهامي
بين فرط إعجابي به وشدة حزني عليه ،،
ثلاث محطات تساقطت بعد الرحيل
المحطة الأولى
انسربت وقتها بين الصفوف المحتشدة في المدرجات الشمالية في إستاد الخرطوم كان ذلك قبل عقود طويلة واسرعت نحو بوابة الملعب لمقابلة ذلك الفارس الأسمر الذي اشعل حناجر الجماهير بالهتاف والتصفيق اعترضت طريقه وهو يتجه نحو الملعب انحنى بأدب لجبر الخاطر ورد ذلك الإعجاب بكل احترام واعتذر لانه كان يستعد للتسخين قبل ان يدلف إلى داخل الملعب كانت الهتافات تصم الآذان لم يكن مالوفا ان يخرج مشجع صغير من المدرجات ويقف امام لاعب يركض ليدخل في المستطيل الاخضر لكن وانا في عمر بكير في بدايات الثانوية كان همي ان اخبر أصحابي انني صافحت قاقارين قبل ان يدخل الملعب كانت تلك الجائزة الكبرى التي تباهيت بها كثيرا فيما بعد ،، ،، لم أره مرة أخرى إلا في الصحف الرياضية الغابرة حتى هاجر ليكتب اسم السودان في دفتر الرياضة كما سطره في دفتر الدبلوماسية
المحطة الثانية
هو نفس ذلك الرجل الانسان ذو الاخلاق الرفيعة والمقام المهنى المحترم والتعليم العالي المستوى و الذي كانت تنداح شهرته تتعاظم سيرته و نرى صورته كل يوم في الصحف الرياضية وعندما ارجع البلد ارى صورته معلقة في النادي الرياضي والاماكن والمحلات التي يتجمع فيها الشباب و وكنت أتعمد زيارة محل الفاضل احمد عبدالله ود الكردي فترى على الجدار صورة صديق منزول يصافح منصور رمضان وصورة لعثمان الديم بزي الهلال المخطط الشهير ثم صورة جكسا في تلك اللقطة المقصية الشهيرة ثم صورة الهدف الغالي الذي احرزه قاقارين في تونس على ما اذكر او غانا في المباراة النهائية وكان سببا في احراز السودان البطولة الأفريقية الوحيدة،،، ذلك الهدف الذي قال عنه طارق ذياب مهاجم تونس الشهير والمتألق في ذلك الزمان” “انه هدف برشا صعب”
كان علي يتمتع بحضور ذهني داخل منطقة العمليات وهي العلامة الفارقة بين القدرة على احراز الاهداف الصعبة والفشل في ذلك كان قاقارين يتمتع بهذه الخاصية فهو ليس صانع ألعاب بل هو رامي القوس الأشهر في ميادين الكرة السودانية
مرت مياه كثيرة تحت الجسر واندفعت ايام العمر إلى النهايات المحتومة وزحفت السنوات تحصد الشباب والامال الكبيرة التي بدات كالشمس الغاربة في الافق البعيد وبدا القدر بخطف الأعمار ويبدل الاحوال التقيت وقتها مع السفير قاقارين في براح العمل الرياضي المرة الاولى في بيت الامين البرير ،، كانت سفينة الهلال تتأرجح في ذلك الوقت سعى قاقارين في صبر ودبلوماسية لاقناع (غارزيتو ) بانهاء ضغوطه على الهلال وعمل مع الادارة علي حل مشاكل المحترفين الذين بداوا شبه ممتنعين عن اللعب ومعنوياتهم منخفضة كان الهلال كله في حيص بيص
بعد عام من ذلك اللقاء وجدت نفسي زميلا معه في مجلس ادارة واحد قلت له ممازحا “اتلاحقت الكتوف يادكتور كنا نركض وراءك لنشرف بالسلام عليك والان اصبحت انا رئيسك “. يضحك علي قاقارين باخلاقه السمحة وطيبته التي تمتزج بكلامه الهاديء الرزين وتوطدت بيننا العلائق خلال رفقتنا في مجلسين للهلال وانعقدت بيننا صداقة خاصة ندخل الاستاد سويا ونخرج سويا ونقضي أوقات عامرة سويا في بيته وفي بيتي وكثيرا عند اصدقائه واهله وصهره الذائع الصيت الأستاذ كمال افرو
وعندما تأزمت حالة الهلال الإدارية ووصلت إلى طريق مسدود تعرض الهلال للانهيار اداريا وفنيا و اعتصمت الجماهير غاضبة بالنادي ومنعت الادارة من الدخول في ظاهرة غريبة على
الثقافة الرياضية في السودان،، تكونت خلية ازمة عملت ليلا ونهارا في حديقة (الإسكلا )فيما يشبه اللقاءات السرية والمحجوبة عن الصحافة قادها معنا السفير علي قاقارين عضو مجلس الادارة وقتها ومحمد عثمان الخليفة والوزير الطيب حسن بدوي وشخصيات قانونية ورياضية اخرى كانت الاجتماعات تنعقد على مدار أسبوعين بدون توقف طرق فيها الناس كل الجوانب القانونية التي يمكن ان تجد منفذاً لتفكيك ازمة الهلال خاصة ان وضع النادي بدأ ينعكس على الحالة الامنية العامة مما حدا بالوزير اتخاذ القرار في التاسع من يوليو عام ثلاثة عشر وألفين بحل مجلس الادارة و وعين لجنة تسيير من الضباط الثلاثة برئاستي وعضوية محمد المامون عبدالمطلب وهاشم ملاح اللذَين استقالا لاحقا،،، كان السفير علي قاقارين رسول خير في كثير من قضايا الهلال حتى وهو خارج مجلس الادارة مما ساهم في إنقاذ موقف الهلال في تلك الايام والذي زاملنا فيه الاخوان المهندس التجاني والمرحوم فوزي المرضي والجنرال حسن محمدصااح والسادة وآخرين ولم يغيب علي قاقارين يوما من المشاركة بالرأي والوقت والعلاقات الطيبة مع الآخرين
المحطة الأخيرة
بعد سنوات طويلة هيأ لنا الاخ الرشيد علي عمر فرصة اللقاء في محلة بمدينة بدر لنحضر مباراة الهلال والشباب والتقيت بصديقي مرة اخرى كان في كامل صحته ووسامته وروحه المرحة اتفقت معه ان نحضر المباراة القادمة كلمني هاتفيا لاحقا واعتذر عن الحضور قال انه مصاب ببرد خفيف ذلك الأمر الذي تطور فيما بعد إلى رحيل ابدّي من هذه الفانية لكنه اتصل ليطمنا على مستوي الهلال وحظوظه الكبيرة في المراحل القادمة وشجعنا على الاستمرار في مبادرة دعم الهلال التي ابتدرها الاخ الرشيد ،،،،،ذهبت اليه في المستشفى كان صبوحا مبتسما وكان يتعافي بصورة طبيعية سافرت وتركته على هذه الحالة المتحسنة داعيا له بشفاء لايترك سقما إلى جاء الينا الخبر بفجيعة رحيله في الطريق الذي ستسير فيه كلنا
اللهم اغفر واصفح عنه وباعد بينه وبين فتنة القبر واجعله قبره روضة عليه واجعله مستبشرا بلقائك لا إله إلا أنت الغني عن التعذيب الغفور لمن ينيب ،سبحانك اللهم ربنا أفتح له أبواب رحمتك و حسن عفوك و فضلك ورأفتك عليه ، اللهم أكرمه بدعائنا له و قبلها رحمتك التي لا نهاية لها.