عادل الباز
1
في مقال الأمس، تساءلت: من هم؟ ولماذا اندحروا؟ وكيف؟ وصنفتهم إلى ثلاث فئات وقلت إنهم جميعًا اندحروا بفعل الطمع والغباء والجهل! كيف الكلام ده؟ سنرى. في الحلقة الأولى نظرتُ في الفئة الأولى من المندحرين، واليوم ننظر في الفئتين الأخيرتين، وهما “قحت” و”كفيل المليشيا”. تعرفونه طبعًا!
2
العضو الثاني في نقابة المندحرين هم جماعة “تقدّم” أو (كوم الرماد أو سجمه). هؤلاء طمعوا في السلطة كاملة، سلطة ستُحرس بقوات الدعم السريع، وبذلك يتخلصون – أو يتوهمون أنهم يتخلصون – من سطوة جيش الكيزان!!. الدعم السريع يوفر لهم أداة سلطوية قاهرة يمكنها أن تصفي لهم خصومهم الإسلاميين دون أن يدفعوا هم الثمن أو يكونوا مسؤولين عن جرائمها، وبذلك يحققون رغبة كفيلهم الخارجي. إضافة إلى ذلك، يمكنهم تصميم فترة انتقال سرمدية! يمكرون ويمكر الله، وهو خير الماكرين.
ذلك بالطبع جهل وغباء بطبيعة المليشيا، إذ اعتقدوا أن المليشيا ستترك لهم الدولة يديرونها بمزاجهم ويجعلون من أفرادها (الأشاوس) خدمًا تحت سلطتهم، يأمرونهم فيطيعون. وهذا جهل بطبيعة المليشيا؛ فهي، على توحشها، خائنة لكل عهد وميثاق. خانت وغدرت بكل من وثق بها، من البشير إلى البرهان، بل وغدرت بـ”قحت” نفسها حين انقلبت عليها في 2021. فما الذي يجعلها تكون وفية لـ”قحت”، خاصة أن “قحت” تأتي إلى شراكة الخيانة هذه مفلسة، لا بندقية تتكئ عليها، وليس بحوزتها أموال ، وتجربتها القصيرة والفطيرة في الحكم فاشلة، وعلاقاتها الخارجية لا يُعوَّل عليها، كما ثبت لاحقًا. هل في تاريخ العالم الثالث تجارب خضعت فيها البندقية لترهات الساسة؟! طمعت “قحت” في السلطة بغير استحقاق، وجهلت طبيعة المليشيا، وعجزت عن فهم ما يُعرف في علم السياسة بموازين القوى.
3
المندحر الثالث هو الكفيل الخارجي، الذي صوّرت له أحلامه أنه قادر على السيطرة على السودان بانقلاب واحد، وفعل كل الممكن والمستحيل لتحقيق هدفه. زوّد المليشيا بكل ما تحتاجه لانقلابها وأكثر، ابتداء من كافة أنواع الأسلحة، مستجلبًا الخبراء الأجانب والمرتزقة لتشغيلها، ثم أسس لها الغرف الخارجية لإدارة المعركة، واشترى بعض دول الجوار للمساندة وسرعة الاعتراف بالانقلاب، ثم وفّر للمليشيا إمبراطورية إعلامية هائلة، صرَف عليها ملايين الدولارات. لم يُقصّر الكفيل في أي شيء سوى أنه عانى من نفس الثلاثية القاتلة: الطمع، الجهل، والغباء.
4
طمع الكفيل في احتكار ثروات السودان المهولة وأراضيه الخصبة، وما في باطنها وظاهرها من ذهب وفضة، كل شيء كان مغريًا للسيطرة على دولة بحجم السودان. طمع الكفيل في خيرات أراضيها وموانئها وأسواقها المفتوحة وخيرها العميم المتدفق الذي يغري كل مغامر بالسيطرة عليه. طمع الكفيل في ثروات السودان، واستهان بقدرات الجيش، وجهل بواقع المليشيا وما تمثله، وموقف الشعب السوداني منها قبل الانقلاب وبعده. وظن أنه بالمال يمكن أن يشتري كل شيء في السودان. جهل مركب بطبيعة الشعب السوداني. كل ذلك قاده لدفع المليشيا لارتكاب حماقتها ثم الاصطفاف بجانبها، حتى وهي ترتكب الإبادة الجماعية. جهل الكفيل أيضًا أن في السودان أشياء لا تُشترى، أولها الكرامة… ويبدو الآن أن الكفيل أدرك ذلك بعد وقوف الشعب السوداني، رغم كل ما حاق به من دمار، رافضًا كل المبادرات التي تعيد أوباش المليشيا إلى صفوفه. هكذا فقد الكفيل، بجهله وطمعه وغبائه، الشعب السوداني، كما فقد مصالحه. اندحرت المليشيا وصعدت أسهم الإسلاميين في عين الشعب، وذلك هو الخسران المبين. ولله عاقبة الأمور.