ملاحقة مليشيا الدعم السريع أمام القضاء الدولي.. من أجل العدالة أم التعويضات؟

الأحداث – وكالات
شرعت السلطات العدلية في السودان بإعداد ملفات قانونية بشأن جرائم وانتهاكات مليشيا الدعم السريع، المتعلقة بتدمير البنى التحتية والمؤسسات العامة ونهب ممتلكات المواطنين، وذلك بهدف ملاحقة قيادات وعناصر القوات من أجل توقيفهم ومحاكمتهم، وللحصول على تعويضات وجبر ضرر المتضررين.

ويعتقد خبراء قانونيون أن المهم للدولة والمواطنين هو الحصول على التعويض الذي يمكن أن يتحقق عبر اتفاق بإنشاء صندوق دولي، وهذا ما يختصر عامل الوقت وتعقيدات القضاء الدولي بشأن الوصول إلى أموال المتهمين.
وكان رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان قد أصدر قراراً في 11 أغسطس 2023 بتولي النائب العام رئاسة لجنة لحصر “جرائم الحرب وانتهاكات وممارسات قوات الدعم السريع”، وتضم اللجنة ممثلين لوزارة العدل والجيش والشرطة وجهاز المخابرات والمفوضية القومية لحقوق الإنسان.

وشمل القرار تكليف اللجنة باتخاذ كافة الإجراءات القانونية لمواجهة قيادات وأفراد الدعم السريع داخلياً وخارجياً، وكل من يثبت تورطه بالاشتراك أو التحريض أو المعاونة.

وتكشف مصادر عدلية للجزيرة نت أن اللجنة المشكلة قبل نحو عام حصرت آلاف الجرائم والانتهاكات، وتلقت شكاوى من المواطنين الذين تضرروا من قوات الدعم السريع، سواء بالقتل أو بتدمير منازلهم أو بنهب ممتلكاتهم وأموالهم ومنشآتهم الاستثمارية.

وأوضحت المصادر -التي طلبت عدم الكشف عن هويتها- أن النيابة أصدرت لائحة اتهام بحق أكثر من 130 شخصاً، من قيادات عليا وميدانية ومسؤولين في القوات، قالت إنهم ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد السودانيين، من بينهم قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، ونائبه و3 من أشقائه.

ويحفظ القانون الدولي الجنائي حق ضحايا الجرائم بالتقاضي، والمطالبة بمعاقبة من يرتكبون انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، إلى جانب حقهم في التعويض عمّا أصابهم من أضرار، حيث يمكن أن يتحقق ذلك عبر المحاكم التي لديها اختصاص بالقانون، أو عبر اتفاقات دولية، أو من خلال المحكمة الجنائية الدولية، وفقاً للمصادر العدلية.

وتبين المصادر ذاتها أن المجتمع الدولي يمكن أن ينشئ محاكم دولية بشأن جرائم الإبادة والحرب، كما حدث في يوغسلافيا أو رواندا، أو محاكم مختلطة بالتنسيق مع الدول المعنية كما حدث في لبنان وسيراليون، وذلك للتغلب على مشكلة التمويل.

وأعلن النائب العام رئيس “اللجنة الوطنية لجرائم الحرب وانتهاكات قوات الدعم السريع المتمردة” ياسر بشير البخاري عقب لقاء مع عضو مجلس السيادة إبراهيم جابر الاتفاق على تسريع إجراءات التحري وتقديم المتورطين بالجرائم للمحاكمة.

وذكر أن لجنته أطلعت عضو مجلس السيادة على نتائج مشاركتها في اجتماعات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، وعرضها الجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، كما أطلعته على سجل انتهاكاتها.

من جانبه ذكر وزير العدل معاوية عثمان، خلال زيارة إلى القضارف، الأربعاء، أن اللجنة أكملت ملف رصد مخالفات وجرائم انتهاكات قوات الدعم السريع، ودونت بينات قوية تخص جرائم الحرب، “شملت القتل، والنهب، والاغتصاب، وتخريب ممتلكات الدولة”، توطئة لتقديمها للعدالة الدولية.

وشهدت مقرات النيابة العامة بالقضارف خلال الأسابيع الماضية ازدحاماً كبيراً من المواطنين، وبصفة خاصة النازحين من ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار، وذلك بغرض تدوين اتهامات تخص الجرائم التي تعرضوا لها في ولاياتهم، “تنوعت بين السرقة، والنهب، والاغتصاب، والقتل، والضرب، والترويع” حسب وزير العدل.

خيارات العدالة
يرى المحامي السوداني والأمين العام المساعد لاتحاد المحامين العرب طارق عبد الفتاح أن أمام الحكومة السودانية طريقان للعدالة بشأن جرائم قوات الدعم السريع، وهي إما العدالة الانتقالية عن طريق “الحقيقة والمصالحة”، أو اللجوء للتقاضي الدولي لمعاقبة مرتكبي الجرائم والحصول على تعويضات وجبر ضرر المواطنين.

وفي حديثه للجزيرة نت يقول المحامي إن الحكومة أو أي مواطن سوداني يمكنه أن يلجأ للشكوى لدى أي محكمة لديها اختصاص بالقانون الدولي، في الولايات المتحدة أو في دول الاتحاد الأوروبي، كما حدث مع سوريين جرت محاكمتهم في ألمانيا بارتكاب جرائم في بلادهم، أو فلسطينيين دونوا اتهامات في بريطانيا ضد مسؤولين إسرائيليين.

ووفقاً للمحامي فإن الحكومة يمكن أن تطالب بتعويضات عن تدمير البنيات التحتية والمؤسسات والمستشفيات والجامعات، أو جبر ضرر مواطنين وتعويضهم، كما فعلت الولايات المتحدة عندما اتهمت السودان بالتورط في تفجير السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام عام 1998 حيث أدان القضاء الأميركي الخرطوم قبل أن تلغي محكمة الاستئناف القرار، ورغم ذلك سددت حكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك 335 مليون دولار لتعويض أسر الضحايا.

ويعتقد الخبير القانوني أن هناك طريقا آخر سيختصر الوقت ويتجاوز التعقيدات القضائية في الوصول إلى أموال المتهمين لتعويض الدولة والمواطن، وهو “الاتفاق الدولي” بعد وقف الحرب، بإنشاء صندوق دولي يساعد في إعادة إعمار بنية الدولة ومؤسساتها وجبر ضرر المواطنين.

من جهته، يقول المحامي الفاضل أحمد المهدي إن “تمرد الدعم السريع يعتبر جريمة، وحميدتي اعترف في خطاباته بانتهاك القانون وإثارة الفوضى والتخريب والنهب والاستباحة الشاملة، على الرغم من أن قواته نشأت بحسب قانونها لمعاونة القوات المسلحة”.

ويعتقد المحامي في تصريح للجزيرة نت أن “إعلان الدعم السريع السيطرة على مدن أو مواقع كانت آمنة، والانفلات الأمني والنهب الممنهج، إلى جانب الحبس القسري والتعذيب، أمور أدت إلى وقوع جرائم وانتهاكات بحق المواطنين، ينبغي أن تكون عليها محاسبة قانونية أمام القضاء الوطني أو الدولي”.

وتتحمل قيادات الدعم السريع المسؤولية عن كل الانتهاكات التي حدثت على يد قواتها والمرتزقة الأجانب الذين جلبوهم، ولكن حل القوات بمرسوم من رئيس مجلس السيادة يوجب أن تكون القضايا ضد أشخاص بعد انتهاء الوجود القانوني للقوات، وفقاً للمحامي.

Exit mobile version