مركز الجزيرة للدراسات يبحث الإجابة عن سؤال تداعيات وتحولات الحرب بالسودان

تقترب الحرب في السودان من عامها الثالث، فالمعركة التي بدأت في 15 أبريل/نيسان 2023 بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني نتجت عنها أثمان باهظة دفعها إنسان السودان قتلا واغتصابا وانتهاكات بلا حدود لحقوقه، ونزوحا إلى الخارج وتشردا في الداخل، وفقد فيها مقدراته العامة والخاصة، ونهبت وسائل إنتاجه، ويمكن القول إن حياته كلها توقفت فجأة.

وعلى خلفية هذه اللوحة الموغلة في الكآبة والمضرجة بالدماء والتي أسهم في رسمها فاعلون كثر، ثمة أسئلة عديدة تطرح عن الحرب وتحولاتها وتداعياتها.

وقد سعى مؤتمر لمركز الجزيرة للدراسات عنوانه “أفريقيا وتحديات الأمن والسيادة في ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة” لإجابة سؤال التحولات والتداعيات الخاصة بمشهد الحرب في السودان. وعقد المركز اليوم الأحد جلسة خاصة بالوضع في السودان حملت عنوان “الحرب في السودان: تحولات وتداعيات” أدارها الدكتور مدوخ العتيبي، أستاذ العلاقات الدولية بأكاديمية جوعان بن جاسم للدراسات الدفاعية في قطر، وشارك فيها مختصون بالشأن السوداني.

وتناولت الجلسة التي جاءت في اليوم الثاني للمؤتمر المشهد السوداني الراهن بوصفه مرآة لانهيار الدولة المركزية وتحولات موازين القوة في المنطقة. وانطلق النقاش فيها من تحليل ديناميات الصراع الداخلي وتفكك بنية السلطة وصعود الفواعل غير الرسمية.

وتعمق المتحدثون في دراسة التداعيات الإقليمية للأزمة السودانية، وهي تداعيات ممتدة من عمق الساحل الأفريقي إلى البحر الأحمر والقرن الأفريقي، حيث تتقاطع الجغرافيا بالأمن والاقتصاد.

وسعت الجلسة إلى تفسير كيف أعادت الحرب تشكيل شبكات النفوذ والموارد داخل السودان، حيث تحول الاقتصاد إلى ساحة تنافس قوى داخلية وخارجية. كما سعت إلى فهم منطق الحرب السودانية باعتبارها أزمة مركبة تجمع بين السياسي والعسكري والاقتصادي والإقليمي.

فالمحور الأول الذي كان بعنوان: السودان على مفترق الصراعات.. ديناميات القوة في ضوء تطورات الأزمة، فقد تحدث فيه المحلل السوداني أسامة عيدروس أستاذ الدراسات الإستراتيجية والأمنية. أما المحور الثاني وجاء بعنوان: شبح تقسيم السودان: تفكك السلطة المركزية وصعود الفواعل غير الرسمية، فقد تناوله بالشرح والتحليل الباحث السوداني المتخصص في الشؤون الأفريقية محمد تورشين.

وكان المحور الثالث وعنوانه: التداعيات الإقليمية لحرب السودان: من عمق منطقة الساحل إلى شواطئ البحر الأحمر والقرن الأفريقي، فقد تناوله بالشرح والتحليل الباحث والصحفي الإريتري المختص في قضايا القرن الأفريقي عبد القادر محمد علي.

وتحدث في المحور الرابع وعنوانه الاقتصاد في زمن الحرب.. إعادة تشكيل شبكات النفوذ والموارد في السودان تاج السر عبد الله محمد عمر الخبير في القضايا الجيوسياسية والعلاقات الدولية في منطقة القرن الأفريقي.

بدايات الصراع.. زيارة إلى التاريخ

 

قدم المحلل السوداني أسامة عيدروس أستاذ الدراسات الإستراتيجية والأمنية لمحة تاريخية عن جذور الصراع مشيرا إلى النخبة التي أنشأها الاستعمار لمعاونته في البداية وتولت لإدارة الدولة بعد الاستقلال عام 1956، بيد أنها سرعان ما دخلت في مرحلة من الانشقاقات والصراعات على السلطة، وفشلت في وضع الأسس والمبادئ التي تعين على تداول السلطة بشكل سلمي وسلس.

وأوضح أن هذا الأمر استمر حتى مع النخبة التي جاءت بعد الثورة التي أطاحت بالإنقاذ في ديسمبر/كانون الأول 2019، حيث لجأت بعد الإنقاذ لنفس النموذج الذي يحمي فيه السلاح الحكم المدني. فقوات الدعم السريع أعطيت أدوارا كبيرة وجرى تسليحها بمستويات عالية، خاصة خلال العامين اللذين سبقا الحرب، وهو ما قاد إلى الحرب.

وعن الأوضاع الراهنة في المشهد السوداني والسيناريوهات المحتملة أوضح أن الجيش السوداني ما يزال يحتفظ بقوته الضاربة وتماسكه فهو ما يزال لديه 19 فرقة تسيطر سيطرة تامة. وفيما يخص الدعم السريع فإنه ما يزال يتلقى الدعم الخارجي بشكل مطّرد، بيد أن الفظائع التي ارتكبها مؤخرا في الفاشر وغيرها أوجدت صحوة، وبرزت أصوات وأطراف إقليمية ودولية مهمة ترفض سلوكه، وتطلب بوقف أي دعم له، خاصة من الولايات المتحدة التي أصدرت عقوبات على الشركات التي تجلب المرتزقة من كولومبيا، وبريطانيا التي فرضت عقوبات على قيادات بارزة في قوات الدعم السريع.

تورشين: حرب غير تقليدية

 

من جانبه، تطرق الباحث السوداني المتخصص في الشؤون الأفريقية محمد تورشين إلى تفكك السلطة المركزية وصعود الفواعل غير الرسمية، وشدد على أن الحرب في السودان لم تكن حربا تقليدية، بل تحولت إلى حرب وجودية أسهمت بشكل كبير في انهيار وتفكك مؤسسات الدولة السودانية، خاصة في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، حيث تعطلت تقريبا كل مناحي الحياة، وتأثرت المقدرات الاقتصادية للدولة خاصة قطاعا الذهب والنفط.

وأوضح تورشين أن الحرب في السودان سمحت بصعود فواعل غير رسمية في المشهد السوداني، خاصة في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. وضرب مثلا بصعود سلطة وسطوة القبيلة التي أصبحت تؤدي أدوارا مكنتها من أن تكون ذات فعالية عالية.

الشريط الحدودي، موضحا أن البعد الخارجي مهم جدا في الصراع في السودان، وضرب أمثلة بما يتصل بتدفق السلاح والوقود والمقاتلين.

سوق للمقاتلين وساحة للتدريب

 

واختتمت الجلسة التي خصصها مركز الجزيرة للدراسات لمناقشة الشأن السوداني، بمداخلة مهمة للباحث والصحفي الإريتري المختص في قضايا القرن الأفريقي عبد القادر محمد علي، الذي تطرق للتداعيات الإقليمية للأزمة السودانية خاصة في منطقتي الساحل والقرن الأفريقي.

وأوضح أن الحرب في السودان أوجدت سوق عمل للمقاتلين القادمين من دول الساحل الأفريقي، كما أصبح الفضاء السوداني ساحة للتدريب للجماعات التي قدمت من دول الجوار للمشاركة في القتال.

وحذر من أن تحول الساحة السودانية لسوق للسلاح يمكن أن يعمق من الصراعات في الدول المحيطة به، خاصة وأن الكثير منها يعيش أزمات داخلية، ولم تمكنها هشاشتها من مراقبة حدودها، وضرب أمثلة بدول مثل إثيوبيا، جنوب السودان وتشاد.

واختتمت الجلسة بمداخلة الدكتور تاج السر عبد الله الذي ناقش المحور الرابع وعنوانه” “الاقتصاد في زمن الحرب.. إعادة تشكيل شبكات النفوذ والموارد في السودان”. وأوضح أن قوة الدولة السودانية تراجعت بسبب الحرب، وتعرضت للتهديد، بل أصبحت الدولة عاجزة عن التعاطي مع تحديات الحرب.

نقلا عن الجزيرة نت

Exit mobile version