مذبحة السودان هي ثمن سباق استعماري جديد على أفريقيا

حرب وحشية تخدم اليوم طموحات قوى خليجية ودول صاعدة تتنافس للسيطرة على الموانئ والذهب والنفوذ
هناك نمط مروّع لطريقة انكشاف الفظائع.
تبدأ أولاً بالتحذيرات — التي غالبًا ما يتم تجاهلها — بأن شيئًا فظيعًا يحدث. ثم تظهر تقارير متفرقة تصف أهوالًا يصعب تصديقها. ومع مرور الوقت، تتحول الشهادات الفردية إلى سيل مستمر لا يمكن تجاهله. وأخيراً تأتي الصور والأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو على وسائل التواصل — وكل قطعة تؤكد ما لا يمكن تخيله.
وهكذا الحال في مدينة الفاشر السودانية.
فبعد أن اقتحمت قوات الدعم السريع المدينة يوم الأحد، انقطع الاتصال بالمدنيين، ولم يعد أمام المراقبين سوى صور الأقمار الصناعية وتسجيلات نشرها المهاجمون أنفسهم.
وذلك وحده يكفي.
تُظهر صور الأقمار الصناعية بقع دماء وأجسادًا فوق الرمال حول المدينة، بينما تعرض مقاطع فيديو جنودًا مسلحين داخل مستشفى منهوب تعج أروقته بالجثث. يُطلق الرصاص من مسافة صفر على رجل جريح، ثم تتحول الكاميرا إلى فناء ممتلئ بالجثث.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، قُتل 460 مريضًا ومرافقًا في مستشفى النساء والولادة السعودي بالفاشر. ووصف اتحاد الأطباء السودانيين المكان بأنه “مسلخ بشري”.
يقول ويل براون، محلل الشؤون الأفريقية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية:
“ما حدث في الفاشر يشبه اقتحام جيش جنكيز خان لمدينة محاصرة وذبح سكانها.”
وهذا أشد وقعًا عندما نتذكر أن الفاشر كانت يومًا مقصداً لزعماء العالم — كولن باول، كوفي عنان، ديفيد كاميرون، جاك سترو، وبالطبع جورج كلوني — الذين زاروها وأدانوا إبادة الجنجويد قبل عشرين عامًا.
تلك الميليشيات تطورت إلى قوات الدعم السريع اليوم.
وهذه المرة لا أحد يأتي لإيقافهم.
تكرار للإبادة.. بأدوات حديثة
يقول أحمد سليمان من تشاتام هاوس إن مجزرة الفاشر تجسد نمط الحرب بين الدعم السريع والجيش منذ 2023: حرب بلا قواعد، دون حماية للمدنيين أو أسرى. كما أنها تكرار مرعب لإبادة دارفور في 2003 — نفس الجنجويد، نفس الضحايا، فقط السياق مختلف.
تؤكد شينا لويس من منظمة أفاز:
“هذه ليست تجاوزات فردية. إنها سياسة منهجية.”
وبالفعل، كشف شهود في مجزرة مخيم زمزم قرب الفاشر في أبريل أن قوات الدعم السريع قالت علنًا إنها ستقوم بـ“تنظيف الفاشر من الزغاوة”.
ليست حربًا داخلية فقط — بل حرب بالوكالة
هذه ليست حرب أفارقة ضد بعضهم، بل حرب وكالة تشارك فيها قوى الشرق الأوسط.
•الجيش السوداني مدعوم من: مصر، إيران، تركيا وربما السعودية وقطر.
•بينما تحظى قوات الدعم السريع بدعم الإمارات، رغم نفيها المتكرر.
الأمم المتحدة وصفت التقارير عن دعم إماراتي بأنها “موثوقة”.
صحيفة وول ستريت جورنال نقلت عن أجهزة أمريكية أن الإمارات كثفت دعمها بطائرات مسيرة صينية وذخيرة.
يبدو أن خطوط الإمداد عبر ليبيا وتشاد والصومال كانت استعدادًا لهجوم موسع بدأ بالفاشر.
يقول خبير سوداني:
“الإمارات لا تشرح استراتيجيتها — وكأنها تفعل ذلك للمتعة.”
لكن هناك دوافع واضحة:
•مواجهة الإسلاميين في السودان
•مصالح الذهب والموارد
•الأمن الغذائي — السودان سلة غذاء محتملة للخليج
•طموح لبناء منطقة نفوذ تمتد من ليبيا إلى البحر الأحمر ووسط أفريقيا
الإمارات اليوم أحد أكبر المستثمرين في أفريقيا، بـ 110 مليار دولار.
وشركة موانئ دبي تدير أو تطور موانئ في دول عدة على البحر الأحمر والمحيط الهندي.
غياب الغرب عن “الاندفاعة الجديدة نحو أفريقيا”
المشهد اليوم يشبه “تدافعًا استعماريًا جديدًا” نحو أفريقيا — ولكن هذه المرة من قوى متوسطة وليست القوى الغربية التقليدية.
في التسعينيات أو العقد الأول من الألفية، كان من المستحيل تصور إبادة جماعية دون ضغوط في لندن وواشنطن.
أما اليوم: لا أحد يتحدث عن التدخل الإنساني.
يقول براون:
“لم يعد ذلك حتى ضمن النقاش السياسي.”
ورغم امتلاك الغرب أدوات ضغط — مثل إيقاف بيع السلاح للإمارات — إلا أن التركيز منصب على غزة وأوكرانيا والصين.
إلى أن يتحرك العالم، سيستمر القتل.
Exit mobile version