لماذا يستهدفوننا…؟

علي عسكوري

٣ مايو ٢٠٢٤

 

في العام ٢٠٠١ وبعد هجمات سبتمبر خرج الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الإبن على العالم وطرح السؤال التالي: لماذا يستهدفوننا؟   ثم تطوع بالإجابة عليه: “إنهم يستهدفون أمريكا لأنها واحة الديمقراطية وأرض الحريات والأحلام إلخ…” أو هكذا… تلك إجابة فيها كثير من تزوير الحقائق ومغالطة الواقع وغرور وغطرسة معروفة عند الأوليغارشي الذي يحكم أمريكا ويسيطر على العالم،  رغم ذلك تبقى الحقيقة أن ذلك الفهم هو ما تعتقده النخبة الحاكمة في امريكا، التي نالت مجموعة من الإرهابيين من أمنها وأثارت غضبها فنهضت بأساطيلها وبوارجها تلاحقهم حول العالم وما انفكت.

القطب العالمي الآخر روسيا يرى أنه مستهدف وأن الغرب يتربص به من خلال محاولته ضم أوكرانيا لحلف شمال الأطلنطي الخ… إيران ترى أنها مستهدفة وكذلك العراق والصين وإسرائيل وسوريا واليمن والصومال والكوريتين إلخ.. حتى بدأ العالم وكأن الجميع يستهدف الجميع..!

وإن فهمنا أن الاستهداف بين الدول الكبرى ناتج من التنافس على النفوذ والهيمنة والسيطرة، فكيف نفهم استهداف بلادنا..؟

 

إن فهمنا لدوافع استهداف بلادنا وإيجاد الإجابة الصحيحة عليه هو ما سيضع حداً للاستهداف..! وكما يعلم المختصون لا توجد طريقة لعلاج المرض قبل تشخيصه وتحديد طبيعته، فكلما كان التشخيص دقيقاً وصحيحاً كلما كانت فرصة تحديد طبيعة الداء أسهل وأوضح وبالتالي تمكن الطبيب من وضع العلاج الناجع للمرض..!  هذه قضية يفهمها الأطباء تماماً وتمثل ركن الزاوية في مهنتهم. فلا وصفة دواء دون تشخيص، يصح ذلك أيضاً في السياسية.

وقعت بلادنا منذ الاستقلال في حلقة الاستهداف الدولي من أجل النفوذ والسيطرة والموارد، وللأسف ظلت قياداتنا المتعاقبة تتعامل مع أمر الاستهداف وكأنها بمنجاة منه أو تنحو لاستبساطه أو إنها قادرة لوحدها على رده، أو أحياناً تتعامل بسذاجة أن الاستهداف غير موجود أو أنه مؤقت وسيتلاشي أو يذهب مع الريح وسيكون بوسعنا مواصلة حياتنا كما نريد، نأكل (القراصة والعصيدة وملاح أم تكشو) ونردد أشعار الهمباتة وجلالات الإسلاميين أو شعارات اليسار الرومانسية ونعتقد أن ذلك كاف لرد الاستهداف عن بلادنا أو إن صياحنا كاف لردع المتطاولين علينا.

بعض القوم يعتقد طالما إننا دولة (ذات سيادة) فعلى العالم أن يتركنا في حالنا لنفعل ما نريد في البقعة من الأرض التي نعيش عليها..! هذا الفهم الساذج هو ما أوردنا المهالك وشرد مجتمعنا حول الأرض، وذهب ثلث أراضي بلادنا والحبل على الجرار.

ليس تفكيك الدول او الامبراطوريات أمر جديد في تاريخ البشرية. ففي القرن الماضي تم تفكيك أربعة امبراطوريات، الانجليزية، الفرنسية، العثمانية، الروسية، كما تم تفكيك يوغسلافيا وذهبت ريحها وأصبحت عدة دول، كما تم الاعتراف بدولة تيمور الشرقية وخرجت من اندونيسيا، وكذلك خرجت أريتريا من أثيوبيا وخرج جنوب السودان من السودان، كما خرجت جمهورية أرض الصومال عن دولة الصومال فلا استطاعت الصومال إعادة ضمها ولا اعترف بها العالم وهكذا أصبحت تمثل وضعاً شاذاً في جغرافية العالم.

 

ذكرنا ذلك لتذكير الناس أن الصراع السياسي على الموارد وعلى النفوذ جزء أساسي من حقائق حياة البشر وأننا جزء من المجتمع الإنساني ونعيش على أرض بها الكثير من الموارد خاصة المياه  والأراضي الزراعية وأن العالم يحتاج لتلك الموارد. ونحن – وبالرغم من تطاول العقود- فشلنا في استغلالها بقدراتنا الذاتية كما أننا لم نسمح ولم نشارك العالم معنا في تطويرها كل هذا ونتوقع أن يظل العالم ينظر إلينا وينتظر ونحن في شجار وفوضى وحروب لا تنته!

يقول الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو أن مشكلة الصراع على الموارد بدأت بعد اكتشاف الزراعة وإنتاج المحاصيل، وأن الصراع على الارض تحديداً بدأ عندما سور (بتشديد الواو) أحد الناس أرضاً ووقف عليها وأعلن أنها ملكة لوحده دون الآخرين، وهكذا بدأ تسوير واحتكار الأرض من قبل البشر، ثم اكتشف الإنسان أنه محتاج أن يدافع عن حيز الأرض التى أعلن أنها ملكه، فجاء بأولاده ثم أقربائه ثم القبيلة الخ ونشأت فكرة المدافعين عن الأرض وتطورت عبر الحقب إلى أن تكونت الدول والامبراطوريات وأصبحت لها جيوش تدافع عنها وتهاجم الدول أو المجتمعات الأخرى لتستولى على ما عندها.

أثبتت هذه الحرب ما هو معروف في الصراع الإنساني بالضرورة أن الصراع البشري في جوهره هو صراع بقاء، والبقاء والاستمرارية يعتمدان بصورة كاملة على الحصول على الموارد.

 

يخطىء من يعتقد أن العالم سيتركنا لحالنا لنفعل ما نريد ونحن نمتلك الأراضي الزراعية الشاسعة والمياه والذهب إلخ. الاعتقاد الساذج بأن العالم سيتركنا لحالنا وأن بوسعنا أن نفعل ما نريد في الحيز الجغرافي الذي نعيش عليه هو ما أوردنا ما نحن فيه من خراب وتشرد وحالنا يغني عن سؤالنا.

والحال كذلك يبقى السؤال الجوهري الذي يجب أن يسأله كل منا لنفسه هو: لماذا نحن مشردين في الأرض وفي بلادنا ما يكفي لإعاشتنا – ربما بكثير من الرفاهية – وإعاشة شعوب أخرى كثيرة؟

والإجابة عندي بسيطة… وهي اننا شعب لا يمتلك رؤية لتطوير بلاده ولا يعرف ما هو دور العالم في تلك الرؤية (التي لم نتفق عليها بعد)! وطالما ظللنا نتردد يمينا ويسارا أو ندور في حلقة مفرغة سيجد العالم نفسه مضطراً لوضع رؤية لنا وسيفرضها علينا (willy – nilly). فما أكثر الجنجويد والمرتزقة في العالم، وما أكثر ممولي الحروب فالطامعين كثر والتنافس حاد والضحية شعبنا.

 

أكثر ما يغري ممولي الحروب للدفع والتمويل هو ان أي مبالغ يخسرونها سيكون بوسعهم تعويضها من موارد بلادنا متى ما دانت السيطرة لهم فالموارد وفيرة بما يكفي لتعويض أي قدر من الخسائر. ولذلك سيكونوا دائماً على استعداد للدفع والتمويل. وإن قضينا على جنجويد اليوم لن يعجزهم استئجار جنجويد آخر وهكذا ففي بلادنا ما يغريهم لفعل ذلك.

إن هذه الحرب اللعينة يجب أن تكون قد ايقظتنا من غفوتنا أو نومنا أو سبهلليتنا الممتدة وعلينا أن ننتبه ونركز في أخطائنا ونبحث عن الخلل في مجتمعنا وفي دولتنا ونسأل أنفسنا لماذا نحن بدون أصدقاء..؟

علينا، ولكي نكف مجتمعنا وبلادنا كل هذه الشرور والدماء أن نركن العاطفة والحماس جانباً ونستخدم عقولنا منطلقين من حقائق الواقع وأوضاع مجتمعنا ودولتنا.

ولكي تتوقف هذه الحرب وربما القادمات علينا أن نتوصل لصيغة عملية تمكننا من التعايش مع العالم… فواقع الحال يقول إننا لسنا في وضع يمكننا من فرض إرادتنا أو خياراتنا على العالم..! لقد تسببت الحرب في تشريد مجتمعنا وضربت تماسكه وربما ذهبت ريحه وخسرناه؛ ولولا صمود القوات المسلحة والمستنفرين لخسرنا الدولة أيضاً. ترى هل وعينا الدرس!

الآن بوسعنا اختصار هذا المقال الطويل في سطر واحد هو أننا في خلال ما يقارب السبعين عاماً رغم أننا دولة غنية بالموارد لم نكن مفيدين لأنفسنا ولا للعالم بل كنا عالة على العالم نتسول قوتنا، وهذا وضع يصعب الدفاع عنه.

بالطبع هنالك ما نتمناه لبلادنا ومجتمعنا ولكن ليس بوسعنا إدراكه أو تحقيقه حالياً بضربة لازب، وهنالك ما نكره ولكن ليس بوسعنا تجنبه وبعض الشر أهون من بعض كما يقولون.

رحم الله ابو الطيب:

ومن نكد الدنيا على المرء أن ترى

عدواً لك ما من صداقته بد

 

إن الخطأ القاتل الذي وقع فيه اليمين واليسار وما بينهما هو اعتقادهم القديم أن بوسع الشعب السوداني محاربة الامبريالية منفرداً..! هذا الفهم عند اليسار واليمين على حد السواء حمل (بتشديد الميم) البسطاء من مجتمعنا فوق ما يطيقون حتى أصبحوا نهباً للمسغبة والتشرد والبؤس.

والعاقل من اتعظ بغيره وفي التاريخ البعيد والقريب عبر لمن أراد أن يعتبر!

 

هذه الارض لنا

Exit mobile version