الأحداث – وكالات
كانت إسراء البالغة من العمر 32 عاماً تحتضن إبنها المولود حديثاً، تحت القصف وإطلاق النار. عندما اندلعت الحرب في السودان في أبريل 2023، كانت تحاول الوصول إلى عيادة صحية لعلاج طفلها الذي كان يعاني من التهابات وصعوبات في التنفس. لكن مع إغلاق الطرق بسبب القتال، لم تتمكن الأم الشابة من الوصول إلى العيادة وتوفي ابنها بين ذراعيها.
ظروف قاسية:
عندما حملت مرة أخرى في أغسطس من العام الماضي، كانت تلاحقها مخاوف فقدان طفل آخر. قالت إسراء لصندوق الأمم المتحدة للسكان، وهو وكالة الأمم المتحدة للصحة الجنسية والإنجابية “كنت أحلم دائماً بأنني سأفقد هذا الطفل أيضاً”.
مع تفاقم الأزمة في السودان وانتشار أمراض مثل شلل الأطفال والكوليرا، أصبح الوصول إلى الرعاية الصحية أحد أصعب التحديات لسكان الخرطوم. معظم المرافق الطبية أُجبرت على الخروج من الخدمة بسبب التدمير والنقص الحاد في الإمدادات.
قالت إسراء: “لا يوجد سوى مستشفى أمومة واحد يعمل في الخرطوم”. وأضافت: “من الخطر للغاية التحرك في المدينة – إحدى جيراننا ماتت في طريقها إلى المستشفى”.
خلال الحرب، اضطرت إسراء وعائلتها إلى الانتقال بشكل متكرر، حيث كانت المناطق الآمنة في يوم ما تصبح مميتة في اليوم التالي. وفي النهاية، وجدوا مأوى في مركز إيواء مزدحم مع آخرين نازحين من الخرطوم.
حالة من انعدام الأمن عمت الخرطوم، التي كانت أكبر مدينة في السودان، وتضم الآن مناطق شاسعة تشبه مدن الأشباح. كانت الظروف سيئة للغاية في المراكز التي تم إنشاؤها للأشخاص الذين أُجبروا على ترك منازلهم: الازدحام الكبير والأساسيات الصحية الضرورية مفقودة في معظم الأحيان. كما أن الطعام أصبح نادراً بشكل متزايد، مما جعل الكثيرين يقاتلون ضد الجوع الشديد في وقت يواجه فيه السودان أسوأ مستويات من انعدام الأمن الغذائي الحاد على الإطلاق.
قالت إسراء: “كنت في الشهر الخامس من الحمل عندما وصلت إلى المركز”. وأضافت: “بالنسبة لي، كان الأمر أشبه بالانتقال من قبر إلى آخر. كنا نتوقع باستمرار حدوث شيء سيء. لم يكن للأمل مكان في قلوبنا”.
وسط هذه الظروف القاسية، وصلت فرق الصحة المتنقلة المدعومة من صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى المركز لتقديم خدمات الصحة الإنجابية والحماية للنساء والفتيات اللواتي يعشن هناك. أوضح محمد حسن نحات، منسق الفريق، “أن الفرق المتنقلة تلعب دوراً حيوياً في منع وفيات الأمهات، حيث تقدم مجموعة شاملة من الخدمات الطبية في المناطق المتأثرة بالحرب في السودان”.
تلقت إسراء رعاية ما قبل الولادة والمغذيات الدقيقة من الفريق، الذي كان يقوم بزيارات منتظمة لرعايتها ورعاية النساء والفتيات الأخريات في المركز. قالت: “لم يساعدوني فقط في الرعاية الطبية، بل أعطوني أيضاً شعوراً بالأمان والأمل الذي لم أشعر به منذ شهور”.
أنجبت إسراء طفلاً ذكراً بصحة جيدة، بمساعدة الفريق المتنقل. “ولدت في مركز الإيواء. لقد اهتموا بي وبالطفل – حتى إنني سميته محمد تيمناً بالطبيب الذي ساعدني”.
نشر صندوق الأمم المتحدة للسكان 56 فريقً ًصحيًا متنقلاً عبر 11 ولاية في السودان، حيث يقدمون خدمات الصحة الجنسية والإنجابية وحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي.
استشارات طبية:
منذ اندلاع النزاع في أبريل 2023، أجرت الفرق – التي تضم أطباء وصيادلة وفنيي مختبرات وعلماء نفس وقابلات – أكثر من 150,000 استشارة طبية.
على الرغم من أنهم ينقذون الأرواح ويقدمون الرعاية الطبية الوحيدة التي حصل عليها الكثيرون، إلا أن العاملين في المجال الإنساني مثل الأخصائية الاجتماعية نسرين كمال عبد الله يشعرون بأنهم يرغبون في تقديم المزيد لهذه المجتمعات.
قالت نسرين لصندوق الأمم المتحدة للسكان: “الوقت المتاح في العيادة لم يكن كافياً لعلاج الجميع – يجب أن نزور كل مجتمع بشكل متكرر للوصول إلى المزيد من الناس وتقديم رعاية مستمرة”. وأضافت: “معظم النساء اللواتي قابلناهن ولديهن مشاكل نفسية توقفن عن علاجهن لأنهن لا يستطعن تحمل تكلفة الدواء”.
الوصول إلى المجتمعات تعد قدرة الفرق على التنقل أمراً بالغ الأهمية لزيادة الوصول إلى الخدمات الحيوية في المناطق النائية، ومنع وفيات الأمهات بسبب الولادة غير الآمنة والحمل عالي الخطورة. كثيراً ما يعني نقص وسائل النقل أن الكثيرين لا يستطيعون الوصول إلى مركز صحي في الوقت المناسب – أو على الإطلاق.
في المتوسط، تغطي الفرق ثلاث مواقع مختلفة في الأسبوع، وتقضي يوماً إلى يومين في كل منها، بناءً على حجم المجتمع واحتياجاته.
قال الدكتور نحات: “على الرغم من أنني لم أغادر الخرطوم خلال الحرب وواصلت العمل في مستشفياتها، إلا أن هذه التجربة كانت مختلفة”. وأضاف: “وصلت إلى مناطق بعيدة وتواصلت مع أشخاص لم أصل إليهم من قبل. كان ذلك دافعاً معنوياً كبيراً لهم أن يعرفوا أن هناك منظمات تهتم بهم ولا تتركهم خلفها”.