تقرير – أمير عبد الماجد
منذ البداية كان واضحاً أن المبادرات التي طرحت كلها لم تنجح لان الجيش السوداني ومجلس السيادة الذي يمثل القيادة السياسية للبلاد لديهم مبررات للرفض.. كل مبادرة من أول جمع القائد العام بقائد المليشيا التي كونت لها لجان بالاتحاد الافريقي مرة والايقاد مرة والمفاوضات التي دعت لها دول كثيرة مثل يوغندا وكينيا وليبيا وغيرها كلها فشلت لان الجيش رفضها والقائد العام لديه ملاحظات حولها، لذا ولان الولايات المتحدة تعلم أن المليشيا ستسارع لاعلان موافقتها على التفاوض كما اعتادت كل مرة لانه المخرج الوحيد أمامها الان بعد حالة التشظي التي دخلت فيها وانشغالات العالم بأزمات كبرى تتسارع أحداثها فقد اتجهت عبر ممثلها الخاص توم بيرييلو إلى النقطة التي يمكنها انجاح المفاوضات وهي ضمان مشاركة الجيش وحتى تضمن مشاركته ابتعدت عن لغة التهديد التي اعتادتها امريكا مع الأنظمة في السودان بعد أن جربها وزير الخارجية انتوني بلينكن مع رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش ولم تنجح بل أن الجيش خرج يؤكد أن أحداً لن يقوده إلى خيارات لا يريدها تحت التهديد.
دق طبول
ولان أمورا كثيرة تضغط على الولايات المتحدة كالتوسع الروسي الاستراتيجي في افريقيا والبحر الأحمر والانتخابات الامريكية والحرب التي تدق طبولها الان في الشرق الاوسط كان لابد لامريكا أن تغير نهجها وتلجأ إلى لغة مختلفة بالنظر إلى أنها لاتملك أوراقا تجعل قادة الجيش يمتثلون لاوامرها.. هذه المرة لم يغضب توم بيرييلو عندما رفض البرهان لقاءه على طائرته في مطار بورتسودان بل خرج مؤكداً أنه يقدر موقف البرهان الذي قال إنه يتواصل معه باستمرار، ولم يمسك وزير الخارجية الامريكي بلينكن ليملي أوامره على البرهان بل ليناقشه حول أهمية وجود الجيش لانجاح المفاوضات وهو أمر رد عليه البرهان بضرورة أن تسبق المباحثات لقاءات بين المسؤولين السودانيين والامريكيين لمناقشة شواغل السودان وهو ما حدث إذ أعلنت الخارجية الامريكية أن وفدا منها سيلتقي مسؤولين سودانيين للتشاور بشأن مفاوضات سويسرا، كما أعلنت أن الدول التي تشارك بصفة مراقب لن تكون جزءاً من الوساطة، بل ستساهم في وقف الحرب مايشكل انتقالاً امريكيا من مربع الاملاء إلى مربع التشاور وربما الإعلان عن مواقف جديدة بدأنا نسمعها على لسان المبعوث الامريكي الخاص توم بيرييلو الذي أكد في تصريحات له على موقع “إكس” أنه متفاءل بمشاركة الجيش السوداني في محادثات سويسرا لإنهاء الحرب في السودان والتي حدد لها الرابع عشر من أغسطس الجاري، وقال إن مشاركة الأحزاب السياسية والمجموعات المدنية غير مطروحة في محادثات سويسرا بسبب فصل المسار السياسي عن المسار العسكري وهو موقف الجيش منذ البداية، وأشار إلى أن محادثات سويسرا ستبنى على اتفاق جدة باعتباره الأساس لمنبر سويسرا، وقال إنهم قضوا ثلاثة أشهر للتنسيق مع الأطراف في المنطقة والإقليم والطرفين بصورة مباشرة، وتابع “مشاركة الجيش في المحادثات تعد ضرورية لأن الدعم السريع لا يمكن التعويل عليه لنقل المساعدات الإنسانية”، فهل تغيرت استراتيجية امريكا في نظرتها للصراع أم أنها مناورة لحمل الجيش على الجلوس لطاولة المفاوضات؟.
تحرك الرمال
يقول ياسر حسن عثمان عريفي الذي عمل لفترة في الخارجية السودانية وكانت له علاقة بملفات ذات صلة بالامريكيين إن الأمر حمال أوجه لان امريكا استراتيجيا تعلم أن وجود المليشيا على كرسي حكم السودان أمر يهدد مصالحها في المنطقة لان الامر لايرتبط فقط بصراع الموارد بل بالاستراتيجية الكلية للمنطقة التي تتحرك الرمال تحتها الان بفعل الدخول القوي للدب الروسي هذا أمر تنظر له امريكا بحزبيها كأمر مهم جدا، وعلى الجهة الأخرى يعلم الديمقراطيون أن معركة الانتخابات ضد ترامب تحتاج إلى نجاحات حقيقية على الأرض في وقت تشتعل فيه أصابع الحزب في الشرق الأوسط والبحر الأحمر وافريقيا وغيرها وهي أمور لها تأثيرها على الانتخابات لان الحزب الديمقراطي يعلم أن معركته من أجل وصول كاملا هاريس إلى منصب الرئيس تحتاج إلى نجاحات حقيقية لم ينجح بايدن في تحقيقها، لذا هم يسابقون الوقت الان لانجاز تحولات في الشرق الأوسط والبحر الأحمر والسودان عبر إيقاف الحرب في غزة وضمان تحرير الرهائن الاسرائيليين مهما كان الثمن وبايقاف الحرب في السودان ومنع روسيا من التمدد أكثر، لذا ستتغير اللهجة حاليا لانهم يعلمون أن العقبة الوحيدة أمامهم هي رفض الجيش والشعب السوداني خلفه، لو قدموا للجيش تطمينات وادانوا الدعم السريع علنا وعبروا عن الشعب السوداني لربما مهدوا الطريق أمام المفاوضات التي ستجري تحت ضغط عنيف يبدأ بتحرك المحكمة الجنائية ويستمر لكل الكروت التي يمكن استخدامها لايقاف الحرب والترويج إلى أنهم نجحوا في ايقافها وأوقفوا توسع روسيا، واضاف “هي مناورة لكن يمكن للمفاوض السوداني تحويلها إلى مكاسب لانهم يدركون الان أن الجيش زاهد في التفاوض وهو يتقدم على الأرض والتحولات التي تحدث في الاقليم والعالم ليست في مصلحة المليشيا”.
إدارة ملفات
ويمضي د. مامون الخبير استاذ العلاقات الدولية للقول إن الجيش أثبت أنه أكثر قدرة على إدارة ملفاته من الأحزاب السياسية، إذ نجح في الضغط على الإدارة الامريكية وجعلها تغير طرق تعاملها معه ومع الأزمة السودانية بغض النظر عن كونها موقف استراتيجي أم مناورة، في الأخير نجح في فرض شروطه، إذ ها هي منصة التفاوض تؤكد أن المفاوضات ستؤسس على ماتم الاتفاق عليه في منبر جدة ولن تناقش قضايا سياسية والامارات مراقب فقط وليست منخرطة في الوساطة، وستناقش امريكا قبل المفاوضات شواغل السودان وكلنا شاهدنا مدعي المحكمة الجنائية وهي يؤكد أن الدول التي دعمت الحرب ستطارد من قبل المحكمة وهو تغير مهم وحيوي وجه رسالة واضحة للنظام في الامارات الذي أعتقد أنه يراقب الان هذه التطورات بعين ويخشي تطورات الحرب حوله في الخليج بالعين الأخرى”.