من شدة ما استهانوا بك.. حشدوا لك كل مترديةٍ ونطيحةٍ وما أكل السبع.. زعموا أنهم يصلحوك_ تقرأ يُفككوك_ بل يجعلوك هباءً منثورا..
كان مشهد القاعة يومها سريالياً مضحكاً ومبكياً وعبثياً لأبعد مدى!! ترى كم من قائد عظيم في القوات المسلحة فاضت أعينه بالدمع يومها وقال يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسيا؟
أولئك الذين قاتلوا في أحراش الجنوب لتنام الخرطوم آمنةً مطمئنةً وهاهم يرون جيوش الغزاة المستحمرين محمولين على ظهور الناشطين والسفارات ويحتلون منصات القصر ويتصدرون المشهد في مقرن النيلين.
معليش يا جيش
بعد مائة عام من الدماء والتضحيات والشهداء الذين عطروا أرض هذا الوطن بدمائهم؛ جاء في آخر الزمن القميء هكس باشا وكتشنر وغردون والحاكم العام #فولكر ليصعدوا على جثة الوطن، لم يتغيب عن خشبة المسرح إلا غودفرى المشغول بأكل اللقيمات وشرب الآبري في مقاعد ستات الشاي ولولا لطف الله في حادث أول أمس كان سيصبح ثاني سفير أمريكي يقتل في الخرطوم!
جاء هؤلاء المستحمرون الجدد إلى المسرح كمؤلفين ومخرجين ومحاضرين.. تربعوا على سدة المنصة الرئيسية وفي الصفوف الأولى يحاضرون السودانيين كيف يصلحون (يفككون) جيشهم بعد مائة عام من الخبرات كان فيها هذا الجيش في خضم الحروب المتطاولة!! تصور.. أن الجيش الذي ساهم قادته في تأسيس كل جيوش المنطقة العربية وكانوا ولا يزالون أساتذة في كليات الجيوش العربية لم يجدوا من بينهم من يصلح لإصلاحه إلا المستحمرون ومن تبعهم بغير وطنية ولا إحسان.. لو أنهم اطلعوا على هياكل الجيش الجديدة التي صاغها قادة عظام لايزالون بالخدمة لعرفوا شيئاً عن تلك الخبرات التي يذخر بها الجيش ولما احتاجوا أصلا لهذا العويش الذي جمعوه ليفعلوا ما فعلوا.
معليش يا جيش
من شدة ما استهزأوا بك، حشدوا لك كل أعدائك في الداخل وبالخارج ليصلحوك.. كل الذين كانوا ضد الجيش وعملوا في الترتيبات الأمنية في نيفاشا وكانت مواقفهم ضد الجيش على طول الخط كانوا هناك في قاعة الصداقة عرفت اثنين، سايمون يازجي وكريس فولكهام والبقية لابد من شاكلتهم ترى من أتى بهم في أزقة نيفاشا ليمارس ذات الدور وهو إضعاف وتفكيك الجيش.
معليش يا جيش
قالوا إن مهمة الإصلاح الأمني والعسكري ليست نشاطاً سياسياً (الشفيع خضر والرشيد سعيد وليد حامد وعبد الله سليمان كانوا هناك بالقائمة وطبعا هؤلاء خريجو كلية ساند هريست العسكرية بانجلترا!!) أضف إليهم ثلاثمائة من الناشطين العاطلين عن العمل والخبرة والموهبة، حشدوهم في قاعة الصداقة لأجلك يومها، بينهم ثلاثة وعشرون معاشياً وخبراء لم يسمع بهم أحد،
قال الناطق الرسمي باسم العملية في النملية خالد سلك (إن عملية الإصلاح الأمني والعسكري جزء لا يتجزأ من الإصلاح السياسي والاقتصادي والحزبي والمؤسسي الشامل للدولة السودانية). وقال صديقي محمد عثمان ابراهيم لا فض فوه (العواطلية ديل ليهم أربع سنوات ماعندهم هيكل تنظيمي لأحزابهم ولا دستور حاكم ولا لوائح تنظيمية ولا رئيس ولا سكرتير ولا أمين خزينة ولا قيادة، ومع ذلك يعقدون الورش لتنظيم حكم السودان كله وكافة مؤسساته العسكرية والمدنية! طيب اول حاجة أعملوا ورش نظموا أنفسكم).
معليش يا جيش
أغلب الذين استنفروا وجمعوا ليصلحوك لم يقرأوا أو يكتبوا سطراً واحداً عن أي جيش، وليس لديهم أدنى فكرة عن تأسيس الجيوش وتفكيكها أو إصلاحها، لم يحضروا دورة تدريبية واحدة عن أي أمر عسكري، لا يعرفون ماهية العقيدة العسكرية، لا يعرفون حاضر ولا تاريخ الجيش السوداني ويملأون الطرقات بالهتاف الأجوف (ماعندنا جيش) هؤلاء هم أنفسهم من حشدوا هنالك ليصلحوا #الجيش ولم ينقص المشهد يومها إلا ظهور القونات ودسيس مان والجماعة التانين.. الله يكرم السامعين..
يا نفس جدّي فإن دهرك هازل.
هل شاهدتم ضابطاً عظيماً من الذين تخرجوا في أكاديميات الجيش أو من ذوي الخبرات ممن شارك في هذه المهزلة؟ لقد امتنع كل من احترم نفسه وتاريخه، عن المشاركة في المهزلة رغم الضغوط والوعود.. رفض عشرات القادة أن يكونوا خنجراً في ظهر الجيش رغم أنهم فصلوا وشردوا منه، يالهم من رجال لا يحملون ضغينة على جيشهم الذي رباهم رغم ظلم وجور قادته.
الغريب أن قادة الجيش هم من يقودونه للمقصلة!!
معليش يا جيش
هل تعرف يا جيش ماهو إحساس الشعب الآن؟ إليك ما يحس به.. للمرة الأولى يحس الشعب بأنه يتيم في موائد لئام.. كانت حين تدلهم الأمور وتحيط بالوطن الزعازع، يهرع الشعب لحضن الجيش، كان الغناء للجيش والبطولة في الكاكي كان الشعب مطمئناً بأن هناك من يحميه ويطمئنه مهما فعل الساسة بالبلاد من كوارث فهناك الجيش.. جيشنا جيش الهنا.
معليش يا جيش
نحس نحن المدنيون بالمهانة والصغار، ترى ماهو إحساس ضباط الجيش العظام؟ ما إحساس الذين ظلوا يفتخرون بأنهم خريجو عرين الأسود؟
ما إحساس الذين دفعو أعمارهم فداء لشرف العسكرية والوطن؟ ها قد جاء من يبصق على تاريخهم ويسفّه ويستهزأ بكل قيمة آمنوا بها، وضحوا بحياتهم لأجلها.
الآن ذات الجيش الكان (حارس مالنا ودمنا) عاجز عن أن يحمي عرينه نفسه.. عاجز أن يدافع عن شرفه وسط الخرطوم.. أي إحساس بالذعر هذا الذي ينتاب الشعب الآن؟
تسرح المليشيات وتمرح ويستولي الأجانب على منصات الندوات والطرقات يعبث الناشطون بالقضاء والنيابة وبالقانون والجيش حاميهم، ترى من يحمي الجيش من قادة الجيش؟!
معليش يا جيش
“غداً قد يساق قادتك مهطعين مقنعي رؤوسهم وأفئدتهم هواء ليبصموا على صك عارهم الإطاري ويسلموا الوطن للمجهول وأنتم تنظرون… ولكن لابأس أقدار الله ماضية.
غدا سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،
يوقد النار شاملةً،
يطلب الثأرَ،
يستولد الحقَّ،
من أَضْلُع المستحيل
ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس).. فوق الجباهِ الذليلة!.