صدقت أستاذ مزمل أبو القاسم

السفير عبد الله الأزرق

 

لا ينكر إلّا مكابر ما قدَّمه جيشنا من تضحيات عظام في التصدي لمليشيا أولاد زايد وظهيرها قحت وهم يغدرون بالسودان.

كفى الجيش فخراً أن ارتقت أرواح قادته فداءً لشعبه ووطنه.

ومن سمات بل فوائد، هذا الغدر أن وحَّد الشعب خلف قواته المسلحة فجاد بكل ما يملك تقديراً لتضحياتها الجسام.

ويكفي أن نذكر أن كرام المواطنين حفروا خندقاً بعمق أربعة أمتار وعرض ستة أمتار يمتد من غرب محافظة مروي إلى ما بعد الدبة بطول 200 كيلومتر . تبرعوا بالآليات والوقود والغذاء، ولم يكلفوا الجيش مليماً واحداً.

 

وفي كل مكان بالسودان اندفع الشباب للتدريب للمقاومة حتى ضاقت بهم الساحات. جاءوا ألوف إثْرَ ألوف. بكل حماس الشباب واندفاعه وعنفوانه. مستشعرين الخطر الذي يحيق بالوطن. وما زال أكثرهم في انتظار السلاح لشهور ممتدة.

 

وفي القضارف اشترى الكرام السلاح وتبرعوا بأعداد وفيرة من البكاسي وشوّنوا الجيش بالمؤن والغذاء.

وفعلت مثلها عديد المدن.

 

والجيوش تحتاج لسند الشعوب دائماً.

 

وقد أثبت المتطوعون في المقاومة صدقاً في لقاء العدو وأبلوا أحسن البلاء في قوات العمل الخاص وفي غيرها.

 

والجيوش بطبيعتها ثقيلة الحركة، وتقاتل وفقاً للأسس العلمية التي تعلَّمها ضباطها في الكليات، كما أنها تحسب تحركاتها بدقة لتجنب الخسائر وإيقاع أكبر الخسائر بالعدو. لذا  لابد لها من اكتمال عدتها وعتادها، ولا تحتمل نقص “صامولة”، وإن فقدتها فتتوقف إلى أن يتم  “الاستعواض”.

 

وذلك بعكس المقاومين المتطوعين، كما ثبت في كل حروب الدنيا، وجربناها نحن في السودان في هذه الحرب وفي حرب الجنوب. لذا تعتمد الجيوش على أمثال هؤلاء المغامرين، من رجال المقاومة وأولئك الذين يحسنون حرب العصابات.

 

من ناحية أخرى، تشن عصابة أولاد دقلو حربها مدعومة بمدد الإمارات بالمرتزقة والعدة والعتاد والمال. وهي تخوض حرب بلا قوانين وبلا قواعد وبلا أخلاق. لذا قتلت قبل أسبوع 14 من الشباب في قرية الحُرقة، وقتلت 8 من الشباب بالأمس في قرية ود المنير؛ وهي تنهب وتغتصب وتدمر الخاص والعام من الممتلكات.

وثبت أن نيران العصابة القذرة لا يطفئها إلّا غضب هؤلاء المقاومين لسرعة حركتهم وفدائيتهم ومجازفاتهم.

 

ولعل أخطر ما في الحروب هو التعود على مآسيها، لأن ذلك يطفئ نار الانتقام من عدو غاشم.

 

ومن أسف أن شيئاً من ذلك التعود بدأ يسري في أوصالنا. وما كان ذلك ليكون لولا أن القيادة قتلت جذوة ذلك اللهيب المقاوم بالتباطؤ في تسليحه، رغم جاهزيته للفداء والتضحية.

 

وعجبت أن يضطّر أعضاء اللجنة العليا للمقاومة الشعبية بالجزيرة للذهاب للبرهان يستجدونه السلاح للمقاومة. كأنه لا يدري ما حاق بالناس في الجزيرة، ويحتاج أن تُشدَّ له رحال المستجدين تذكِّره!!!

 

ومبعث عجب ثانٍ أن البرهان ورفاقه يبشروننا لأسابيع أن الحسم سيتم، ولكننا نرى جعجعة ولا نرى طِحْنَا. هذا رغم الألوف من الجنود الذين يحيطون بالجزيرة مرتكزين شهورا، يقولون إنهم جاهزون، وإنهم في انتظار تعليمات التحرك التي لا تصدر!!!

 

لقد كتبنا وكتب آخرون كُثُر، آخرهم كان الأستاذ مزمل أبو القاسم متسائلين عن من يَئدْ المقاومة الشعبية بعدم تسليحها. ولا زال السؤال يُلِح على الإجابة.

ولو ناراً نفخت بها أضاءت

ولكن أنت تنفخُ في رماد؛ وهذا ما أخشاه أستاذ مزمل.

 

ما يجري يعطي انطباعاً  كأنّ القيادة تستمع للعدو، وتضرب صفحاً عمّا نقوله نحن أنصار الجيش، الذين نَعُدّ أنفسنا ناصحين أمناء، ونفعل ذلك بكل تجرد، لا نبتغي إلّا نصرة وطنٍ واحدٍ ليس لنا سواه. والله على ما نقول شهيد. ومن ثم فهذه أغرب قيادة!!!

 

ويبدو أن البرهان ورفاقه لا يدركون أن هذا  “الطناش” وهذا التجاهل لنداءات وطنيين، لن تكون عاقبته خيراً لا لهم، ولا للوطن.

 

كيف لي أن أقتنع بصدق الفريق ياسر العطا وهو يعلن أن الدولة مختطفة ومُكبّلة بعناصر من الجنجويد والقحاتة في مرافقها الحيوية، ثم لا يفعل شيئاً لإزالة القيود التي تكبل الدولة. هذا علماً أنه شخصياً كان مسؤولاً عن لجنة التمكين التي مكّنت لهذه العناصر في مرافق الدولة. يبدو أن ياسر العطا يخدرنا بخطاب عاطفي شعبوي لا أكثر!!!.

 

وكيف نثق أن القيادة جادة في استنفار المقاومة الشعبية ثم لا تسلحها لشهور، بل يصرح الفريق الكباشي بما يفتُّ في عضدها ويضعف معنوياتها!!!.

 

وأنّى لنا أن نثق في القيادة والجنود مرتكزين لشهور وجاهزين للتحرك نحو مدني وقرى الجزيرة والتعليمات لا تصدر لهم!!!

 

ولي وطنٌ آليت ألّا أبيعه

وألّا أرى غيري له الدهرَ مالكا

عهَدْتُ به شرخَ الشبابِ ونعمةً

كنعمةِ قومٍ أصبحوا في ظِلالِكا

فقد ألفَتْهُ النفسُ حتّى كأنّه

لها جسدٌ إن بانَ غُودِرْتُ هالكا

وحبّبَ أوطانَ الرجالِ إليهمُ

مآرِبُ قضّاها الشبابُ هُنالكا

Exit mobile version