علي عسكوري
*تابعت بفخر شديد إنفعال الشعب التلقائي الذي تلى إنتصار الجيش في مدينة سنجة والقرى والمناطق من حولها وكذلك ما حدث عند تحرير مباني الإذاعة والتلفزيون في فبراير الماضي.
*أينما حل ضباط وجنود الجيش خرجت الجماهير في تلقائية آنية تستقبلهم بالاحضان ودموع الفرح والهتاف والزغاريد والذبائح في تجسيد حقيقي لشعارها المحبب (جيش واحد… شعب واحد).
*لا شك أن الجيش الآن يجسد إرادة الشعب (ما عدا القحاتة والمرجفين وخاتفي لونين أو من قال عنهم المسيح عليه السلام بثمارهم تعرفونهم).
*وحدة الشعب و تجسيد إرادة الأمة بهذه الدرجة لم تحدث طوال تاريخ الحروب الكثيرة في السودان, لقد كان هنالك دائما شبه انقسام أو تفاوت بين الناس في الحروب السابقة التي خاضها الجيش خاصة حرب الجنوب، أما الآن فهنالك اجماع تام والتفاف كامل من الشعب مع قواته المسلحة, وإن كان لهذه الحرب أي فائدة فهي هذه الوحدة بين الشعب وبين قواته المسلحة بصورة تخيف الصديق قبل العدو.
*هذه الوحدة وهذا الالتفاف غير المسبوقين في تاريخنا، يلقيا بمسؤولية ضخمة على قيادة الجيش وعلى الضباط والجنود الذين يستشهدون دفاعا عن سيادة وكرامة وعزة الأمة, عليهم أن يتذكروا دائما أن شعبهم يستحق الحياة ويستحق الدفاع عنه والاستشهاد حماية لكرامته وعزته.
*لقد أذلت المليشيا الشعب وفعلت به الأفاعيل وداست على كرامته وانتهكت عرض فتياته ونسائه وفعلت ما فعلت دون وازع، ولذلك فالجيش مناط به استعادة تلك العزة والكرامة وليس فقط هزيمة المليشيا وسحقها, استعادة كرامة الأمة ليست مهمة الجيش وحده بل مطلوبة منا جميعا مثقفين ومفكربن ووطنين للعمل بيد واحدة بكامل الهمة والعزيمة لتحقيق مطالب الشعب في العزة والكرامة وتضميد كبريائه الجريحة وانتشاله من ربقة الفقر والتخلف, بلادنا ( حدادي مدادي) تسعنا وتسع الملايين معنا، فلماذا نتشرد في الأرض.
*هذه الوحدة يجب أن تمكننا من أن نرتق المعالي مهما كانت التكاليف والتضحيات، فالأمم لا تبنى ولا تنهض بالكسل والاتكالية والسبهللية و الطبطبة والتربيت و (والمعلشة) و التراخي, إنما تبنى بالعزيمة والاصرار والعمل الجاد وحكم القانون والعدالة والمساواة والابداع والابتكار الخلاق, لكل ذلك يجب توظيف هذا التلاحم وهذه الوحدة لإشعال فتيل النهضة والتقدم لشعبنا, نهضت الأمم الأخرى لأنها كرست وقتها للعمل وليس للمجاملات الاجتماعية او الهتاف الاجوف الذي لا ينتج قمحا ولا لبنا للأطفال.
*نعلم من التاريخ ان التفاف الشعب مع الجيش هو سر انتصار الشعوب, ولذلك سعت الامبريالية واذيالها ووكلائها الاقليمين منذ البدء لدق اسفين بين الشعب والجيش حتى تعزل الجيش عن الشعب، ثم عملت وسعت لتفكيكه علنا لتسهل لها عملية التهام بلادنا واستعمارها لنكون شعبا بلا سيادة ولا كرامة يحكمنا جهلول عنطيز كل مؤهلاته انه كان تاجر حمير فاشل، ثم تحول لاحقا لقاتل ولص ينهب موارد البلاد حتى بني لنفسه واسرته واتباعه من القحاتة امبراطورية ضخمة لم يعرفها تاريخ السودان. لقد ارادت الامبريالية واذيالها ان نكون مهزلة ومسخرة واضحوكة بين الشعوب فما استطاعوا ولن يستطيعوا..! الآن علموا ان لبلادنا جيش وشعب مستعدان لتقديم كل التضحيات وبذل الغالى والنفيس والمهج والأرواح للدفاع عن عزة وكرامة بلادهم وسيادتهم على أرضهم.
*أكدت الحرب فيما اكدت للعالم اننا امة تليدة تلد نساؤها الفرسان كما يلد الجنجويد الصوص والقتلة.
*نعلم من التاريخ أيضا أن توحد الشعب خلف الجيش يفعل ويحقق المعجزات.
*توحد الشعب الفيتنامى (ما عدا عملاء امريكا) خلف ثوار (الفايت كونج) وأعلن رفضه لتقسيم بلادهم إلى شمال وجنوب ونازل الاستعمار الفرنسي ودحره بعد تضحيات ضخمة, وعندما قعقت له اكبر امبراطورية في التاريخ (امريكا) بالسلاح وغزت بلاده باكثر من (500) ألف جندي مزودين بأحدث الأسلحة والطيران وغيرها، لم ينكسر ولم يشتك من كل المآسي والتشرد والمعاناة، بل واصل نضاله ونازل الامبراطورية رغم جرائمها الغير مسبوقة في حقه فدحرها هي الاخرى وخرجت تجرجر أذيال الهزيمة أمام العالم.
*توحد الفيتناميون خلف ثوار الفايت كونج، حفروا المخابي تحت الارض حماية لهم من قنابل النابالم ومن
القذف الجوي غير المسبوق بطائرات الB- 52
واستبسلوا وما ابقوا، فدحروا امريكا واذيالها دون اى مساومة على بلادهم وعلى وحدتها وسيادتها.
*ولكي يعلم القارىء فظاعة وتدميرية تلك الحرب التي قاومها الشعب الفيتنامي، اذكر إننى قرأت في أحد الكتب أن ما استخدمتة امريكا من متفجرات لإخضاع الفيتناميين وهزيمهتم يساوي عشرة أضعاف كل المتفجرات التي استخدمت في الحرب العالمية الثانية. ذلك تقدير الامريكان انفسهم. لم يبق لامريكا في ترسانتها العسكرية سلاح لم تستخدمه لكسر مقاومة الفيتناميين ودفاعهم عن وطنهم، سوي استخدام السلاح النووى، ولم يكن ذلك ممكنا لانتفاء اعتداء الفيتناميين عليها.
*رغم كل ذلك دخل الفايت كونج وجيش فيتنام الشمالية (سايغون) عاصمة فيتنام الجنوبية (وقتها) في 30 أبريل 1975 وحرروها، وهرب الامريكان والكثير من عملائهم الفيتناميين في يوم مشهود! (راجع اليوتيوب)!
*كانت الوحدة والاستبسال والتصميم الصلد والعزيمة التى لا تتزحزح حول سيادة بلادهم سر انتصار الفيتناميين. هز ذلك الانتصار العالم من اقصاه الى اقصاه واكد للعالم ان ارادة الشعوب لا تقهر مهما كانت نوعية السلاح وقوته التدميرية.
*لكم تمنيت أن يدرس (بتشديد الراء) تاريخ الفيتناميين وإنتصارهم الملىء بالتضحيات والبطولات والاستبسال لابنائنا في المدارس حتى يعلموا كيف دافعت الشعوب الاخري عن بلادها، بدلا عن هذا التاريخ المزور الذى يدرسونه الآن.
*دون شك، حققت لنا هذه الحرب اللعينة وحدة وطنية شاملة افتقدناها منذ الاستقلال.
*ومما تعلمنا من قاعات الدرس فإن الوحدة ومضاء والعزيمة هما المكون الاساسي للنهضة وهما شرط مسبق pre- requisite لها
*السؤال المهم الان: كيف سنوظف هذه الوحدة وهذا التلاحم لنهضة شعبنا الذى اذلته مليشيا مجنونة..؟
هذا هو السؤال الجوهري الذى يواجهنا جميعا، جيشا وشعبا ومفكرين ومثقفين وكتاب. ذلك هو التحدى.
*يدرك كل ذي بصيرة ان هذه الحرب وفرت لنا – دون قصد- فرصة تاريخية، لنجمع شعث شعبنا ونضعه على طريق النهضة.
*لن يكون لهذه الوحدة والانتصار الماثل اى معني ان لم نشمر عن ساعد الجد ونضع شعبنا على طريق للنهضه والانطلاق ونوظف هذه الطاقات المستنهضة ونضعها في الطريق الصحيح، ولنا من الكفاءات والخبرات والموارد ما يكفي.
*تحدى البناء والنهضة اصعب بكثير من تحديات الحرب، الآن توفرت لنا اهم مقوماته… الوحدة.. فهل نهتبل الفرصة ونضع بلادنا على طريق النهضة.. ذلك هو التحدى الحقيقي.
يجب ألا تضيع هذه الفرصة مهما عظمت التحديات
ينسب للزعيم الراحل مانديلا قوله:
” It is not done until it is done”
شعب واحد جيش واحد
هذه الأرض لنا