د. كرار التهامي يكتب: إحداثيات الحرب وحيثياتها.. لمن ألقى السمع وهو شهيد ٢-١٠
القدم الغريبة.. لماذا يحاربون السودان؟ (2)
admin2
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يواجه الجيش السوداني أقداماً غريبة تدخل إلى سوح البلاد، وتغزو الديار، و تتسور سيادة الدولة، وتسعى إلى كسر إرادتها، فمنذ التركية السابقة كانت الأمم تتكأكأ على السودان لتنال نصيبها من خيراته الوفيرة، ليس هنالك فرق بين طموحات محمد علي باشا في الذهب والرجال، وطموحات الدول المعاصرة اليوم في الأرض والمياه الوفيرة والمعادن الثمينة في باطن الأرض وظاهرها، لذلك تتابعت الهجمات والغزوات على السودان.
الدوافع في مجملها، وفي كل حالات الحروب، كانت صراعاً على السلطة والثروة المخبوءة في جوف الأرض، والظاهرة على سطحها، والرغبة في السيطرة على المكان والإنسان على طريقة الإزاحة الثقافية والاقتصادية التي طبقتها دول الغرب على السكان الوطنيين في أمريكا الشمالية والقارات الأخرى، ليتحول سكان السودان إلى هنود أفريقيا السود، ويتم تفريغ السكان بالطريقة التي نراها اليوم، حيث تخلو المدن من ساكنيها وتجفف الموارد والأصول وتدمر المؤسسات.
السؤال الصعب والذي يحتاج لإعادة القراءة والبحث عن الإجابة الموضوعية، ما هو سر تهافت الدول شرقاً وغرباً عُجماً وعرباً وحماستها للحرب على السودان؟!، بل المحير أكثر هذه المرة تهافت دول الجوار لدعم متمردي السودان بصورة سافرة افتقرت إلى اللباقة واللياقة والدبلوماسية، ومراعاة أدبيات الجيرة واحترام الدول لبعضها البعض والتوازنات الجيوسياسية، وأثر تلك المواقف على الصراعات في القارة مستقبلاً، فالسودان لن يقف مكتوف الأيدي، وسيرد الصاع صاعين عاجلاً أم آجلاً لتلك الدول الهشة، التي تعاني من صراعاتها الداخلية، والتي ضربت بعرض الحائط أخلاقيات المساكنة والجيرة من أجل مصالح رخيصة، لا تسمن ولا تغني من جوع، واجترحت مواقف غريبة لم تكن من خيارات شعوبها..!!
فما الذي يدفع الجيران إثيوبيا أو تشاد أو النيجر أو كينيا أو الجيش الليبي الوطني، وغيرهم، أن يضحوا بالدولة السودانية ومشاعر شعب السودان كله من أجل فصيل متمرد على جيش الدولة، لن يبلغ السلطة وليس مؤهلاً لها مهما كانت نتيجة الحرب، في ظل رفض شعبي متماسك وصامد لا يمكن اختراقه بسبب الجرح العميق الذي أحدثته الأيدي الآثمة في كرامة السودانيين والمساس بالشرف الوطني وطبيعة الكراهية والعداء التي ظهرت بين ثنايا هذه الحرب، وأسفرت عن وجه عنصري وأخلاق قبلية متسفلة، خسر بسببها التمرد والأحزاب التي أيدته مواربة أو صراحة قلوب وعقول السودانيين إلى الأبد..!!
قال محمد حسنين هيكل، بعد محاولة الانقلاب الشيوعي على جعفر نميري، وفشل الانقلاب، وسيطرة نميري على الأوضاع، وإعدامه لقيادة الحزب: “خسرت الدولة السوفيتية ابنها البار في قلب القارة الأفريقية، وواحداً من أهم الأحزاب الشيوعية في العالم، لكن مع ذلك راهن الاتحاد السوفيتي على علاقته بالدولة السودانية، ولم يضح بها من أجل الحزب”، السؤال: ما بال رؤساء أفريقيا يتهافتون ويطعنون الدولة السودانية والعلاقات الأفريقية في الظهر من أجل شخص واحد؟؟.
هل هي علاقات ومنافع خاصة يمكن أن يحصل عليها هؤلاء الرؤساء من قيادة التمرد؟!
أم هي رؤية استراتيجية غامضة لتفريغ السودان وتقسيمه، تلعب فيها هذي الدول دور الوسيط الأجير والبروكسي، مقابل مزايا اقتصادية، حيث تنال إثيوبيا الفشقة والأراضي الزراعية المتاخمة، وتنال تشاد المكافآت المختلفة ويراكم رئيس كينيا من حصائل تجارته الشخصية، وتحصل جارات السودان البائسات على ذهب المعز وبعض الفتات؟، وكل هذي مبررات بائسة، ليس لها مكان في قاموس الوعي الأممي وأدبيات العلاقات الدولية!
هل هي فوبيا الإسلام السياسي؟؟، رغم اعتدال إسلاميي السودان، وعدم نزوعهم للعنف والتطرف الديني والسياسي، وهذه الفرضية – فرضية البعد الايديولوجي للحرب – تنفيها على كل حال الشواهد التاريخية، فالنظام الذي حكم لثلاثة عقود بواسطة الإسلاميين، كانت علاقته ممتازة بجيرانه الأفارقة، وأقام تحالفات وعلاقات عسكرية واقتصادية معها جميعاً فلا جديد يذكر؟!
مع العلم أن الحكومات الانتقالية التي توالت بعد حراك ديسمبر وانقلاب اللجنة الأمنية، وذهاب ريحها من ثم، لم يكن للإسلاميين فيها نصيبٌ من الحكم، كما كانوا في دولتهم التي زالت، بل ظلوا أسرى في السجون، مغضوب عليهم، مات نفر منهم في ظلمتها، وملاحقون إلى يومنا هذا.
فلماذا يتهافت المحاربون والمرتزقة والغزاة والطامعون في ثروات السودان الآن؟، وبعد زوال نظام الإسلاميين، وليس قبل ذلك، إذا كانوا يستهدفون الإسلاميين الذين تعايشوا معهم في أمن وأمان أو دولة ٥٦ التي كافحت من أجلها كل نخب الأمة السودانية وجماهيرها ؟!