جنوب السودان ودولة الإمارات تبادل الأدوار للحفاظ على المصالح

الأحداث – وكالات

 

الاتفاقيات السرية بين حكومة الجنوب والدعم السريع قبل الحرب، والتي تولاها المستشار توت قلواك، كان أحد بنودها هو: ضمان استمرار تدفق النفط الخام من الجنوب عبر السودان دون إحداث أية أضرار على الخط الناقل لضمان استقرار حكومة الحركة الشعبية في السلطة وعدم حدوث مشكلات اقتصادية تؤدي إلى انهيار النظام هناك. وهو ما حدث طيلة الفترة الماضية من عمر الحرب.

 

ومع تقدم الجيش على الأرض وإعادة السيطرة على المنشآت الحيوية، أرسلت الحكومة السودانية خطاباً بتاريخ 16 مارس عبر وزير النفط السوداني تخطر فيه حكومة الحركة الشعبية بأن تصدير النفط الجنوبي قد بات في حكم المعدوم.

وتقول الرسالة السودانية إن (تبلوراً) في الخط الناقل قد تسبب في تقييد التدفقات بتاريخ 10 فبراير وأنه بعد أن أُزيل ذلك حدث تمزق كبير في نقطة أخرى مما يُصعّب عملية تدفق وانسياب النفط. وسيكون مستحيلاً في ظل الظروف الأمنية الحالية في السودان إصلاح الأعطاب واستمرار تصدير النفط الجنوبي.

عطفاً على ذلك، وبتاريخ الإثنين 18 مارس وفي اجتماع فوق العادة للرئيس سلفاكير ضم عدداً (محدوداً) من الوزراء والمسؤولين الأمنيين بالإضافة إلى رجل الأعمال الجنوب سوداني (بنجامين بول مل). تمت مناقشة موضوع (صيرورة الأوضاع) إذا ما توقف تصدير النفط عبر السودان، وخلص الاجتماع إلى:

أولاً: (تصنيف) الإجراءات من قبل حكومة السودان بأنها خطوة عدائية ابتدائية في إطار الحرب على حكومة الحركة الشعبية بجوبا.

ثانياً: أنه من المتوقع أن يتطوّر الأمر من قبل السودان إلى عمل عدائي عسكري بطرق مختلفة لاحقاً من (قبيل) المعاملة بالمثل بسبب الحرب في السودان.

وربما يأتي هذا (التصنيف) للقرار السوداني من قبل حكومة الجنوب، بعد (ثبوت تورطها) واشتراكها بالتواطؤ مع دول في الإقليم على تسهيل تسليح الدعم السريع ودعمه في حربه لاحتلال السودان، حيث أتت الإدانة لحكومة الجنوب خلال تقرير خبراء الأمم المتحدة الصادر في 24 يناير 2024 والذي ردت عليه وزارة خارجية الجنوب بتاريخ 29 يناير 2024 متملصة من فحواه.

لذلك سارعت (جوبا) بتاريخ الثلاثاء 26 مارس إلى إرسال مدير أعمال واستثمارات سلفاكير، رجل الأعمال (بنجامين بول مل)، والذي (يسمي نفسه على صفحته الرسمية بالمبعوث الرئاسي الخاص للمشروعات الخاصة لجنوب السودان). أرسلته جوبا إلى دولة الأمارات يحمل (خطاباً) إلى محمد بن زايد يحتوي (حرفياً)، على ملخص محضر اجتماع (الاثنين 18 مارس) بجوبا، والذي بحثت فيه الحركة الشعبية عن (طوق النجاة) من الانهيار الاقتصادي ثم سقوط النظام بسبب توقف تصدير النفط. (إذاً) هل ينجح الوجه الجديد (بنجامين بول مل) في مهمة إنقاذ نظام الحركة الشعبية من السقوط؟

على صفحته الشخصية على (فيسبوك) وبتاريخ 27 مارس أثناء تواجده فى أبو ظبي وبعد لقائه بأنور قرقاش، كتب بنجامين بول مل ما نصه (التقيت أمس بالدكتور أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الامارات العربية المتحدة لتعزيز علاقات أعمق بين أمتينا واستكشاف سبل لتعزيز التعاون والنمو. كما قمت بتسليمه رسالة من معالي الرئيس سلفاكير ميارديت إلى سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. نحن نتصور مستقبلاً من العلاقات المعززة لصالح شعبينا) انتهى. حيث لم يذكر المبعوث ما يفيد حول مضمون الرسالة غير التعليق أعلاه!

وعلى نقيضه تماماً فإن وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية وعلى صفحتها بتاريخ 27 مارس والتي تناولت اللقاء بين أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لمحمد بن زايد بمبعوث رئيس جنوب السودان بنجامين بول مل بأن ذلك يأتي في إطار تعزيز العلاقة بين البلدين (أمارات/ ج سودان)؟.

ولكنها وصفت اللقاء بأنه كان لغرض التوسط وبذل الجهد لإيقاف الصراع في السودان بين الجيش والدعم السريع.. هكذا؟! وهو مالم يصرح به المبعوث الجنوبي رسمياً وقد كتب على صفحته كلاماً مغايراً ومختصراً يصف فيه أهداف الزيارة.

ما بين التصريحين المتناقضين: ما هو فحوى الرسالة؟! والتي حملها المبعوث الرئاسي الجنوب سوداني إلى دولة الإمارات؟ والتي جاءت مباشرة بعد إخطار الخرطوم لجوبا بشأن توقف تصدير النفط؟ وهل هناك ما يستدعي ذلك في هذا التوقيت؟ حيث لا علاقات دبلوماسية أو مصالح اقتصادية معلنة أو واضحة ونشطة تجمع (جوبا بأبوظبي)؟؟!!.

في الواقع إن مضمون وفحوى الرسالة إلى بن زايد (حسب مصدري) إنما هي (شكوى واستجداء) وهو ملخص لما دار في الاجتماع الرئاسي (أعلاه) والذي عقده كير في عجل بتاريخ 18 مارس بخصوص خطاب السودان بشأن توقف تصدير النفط الذي يوفر لحكومة جنوب السودان شهرياً ما بين 80 إلى 100 مليون دولار وإن ما دار في اجتماع جوبا حسب مصادرنا قد خلص إلى:

اولاً: أن الدعم السريع قد خرق الاتفاق المبرم مع حكومة الجنوب حول (عدم الاعتداء على مناطق النفط) حال لم تسير الأمور كما هو مخطط لها باستيلاء الدعم السريع على السلطة في السودان.

ثانياً: حوجة حكومة جنوب السودان للدعم المادي الاماراتي الآن، من أجل الحفاظ على (نظام الحكم) الذي يرعى مصالح الامارات في الجنوب والمتمثلة في (استمرار خط الإمداد لقوات الدعم السريع التي أصبحت شبه محبوسة في السودان).

ثالثاً: مطالبة الامارات بالتحدث إلى قادة قوات الدعم السريع لوقف الاعتداءات الجارية (والمحتملة) في مناطق النفط (كمصفاة الجيلي)، وحماية الشركات العاملة والعمل على إصلاح وصيانة المنشآت النفطية التي تضررت بسبب تصرفات قوات الدعم السريع وذلك لضمان عودة تصدير النفط.

رابعاً: طلبت حكومة جنوب السودان تدخل الإمارات في إيجاد السبل المختلفة لدعم وضمان سد الفجوة المالية المتوقعة من توقف واردات النفط بسبب توقف التصدير عبر السودان في المرحلة القادمة.

ومع استحالة أن يلتقي الجانب السوداني في أي خطوة تجمعه بالدعم السريع الآن لتنفيذ أي اتفاق تحت أي وساطة كانت، بعد فشل المبادرات السابقة في جده وغيرها، ثم سيطرة الجيش السوداني على الأرض، يصبح توقف ضخ النفط الجنوبي من المؤكد أياً كانت الأسباب والوساطات.

(إذاً): هل تحصل حكومة جنوب السودان على مطالباتها من حكام دولة الإمارات خلال أزمتها القادمة؟؟ ومن هو بنجامين بول مل مبعوث رئيس حكومة الجنوب لآل زايد…؟؟

(بنجامين بول مل) هو رجل المهام (الأكثر سرية) لدى الرئيس سلفاكير ميارديت ومدير أعماله غير القانونية بأشكالها المختلفة. يمثل بنجامين النسخة الجنوبية لـ(مدير مكاتب رئيس الجمهورية) السوداني بكامل تفاصيلها، فهو الشخص الأكثر أهمية لدى الرئيس سلفاكير وهو المذكور في التقرير الدولي بـِوصف (المسهِّل) بسبب نشاطه فى ترحيل النفط للدعم السريع عبر جنوب السودان، بواسطة شركة يمتلكها الرئيس (سلفاكير)، ومسجلة في جمهورية كينيا باسم (بول مل).

غير ذلك فهو صديق شخصي للرئيسين الكينيين (أوهورو جيمو كينياتا والرئيس الحالي وليم روتو) وكذلك الرئيس اليوغندي (يوري موسفيني). ويعمل بنجامين في مجال البنى التحتية فى الجنوب (كغطاء لنشاطه) مستثمراً (أموال شعب جنوب السودان المنهوبة بواسطة الرئيس سلفاكير)، حيث يحوز على أغلب العطاءات المهمة (كرجل الرئيس).

وهو منفذ أو (مسهِّل) صفقة التعاقدات (الاماراتية) مع المهندسين والفنيين المكنيكيين العسكريين المتقاعديين اليوغنديين ال(48) الذين أحضروا في فترة سابقة في ديسمبر الماضي من كمبالا عبر جوبا للعمل لصالح الدعم السريع في السودان.

بهذه السيرة الذاتية لـ(بنجامين بول مل) تتضح أهمية الرسالة إلى بن زايد، وأن الوضع في جوبا أصبح أكثر سيولة وخطورة على النظام (حال توقف تصدير النفط)، مما يعني أن الأمر لا يحتمل (العربي المكسر) إما عربي نضيف أو إنجليزي نضيف، وهي ميزات لا تتوافر لدى (جبل الحماقة).

 

خطوة حكومة جنوب السودان واتصالها المباشر بسبب خطاب وزارة النفط السودانية بقادة دولة الإمارات في هذا الشأن وفي هذا التوقيت إنما تقدم إجابات كافية لعدد من الأسئلة حول الدعم السريع وقائده (محمد حمدان دقلو) ودولة الإمارات وهي:

1/ أن (حميدتي) غير متوفر و لا يمكن التواصل معه.

2/ إن إدارة النشاط العسكري للدعم السريع فى الميدان (الآن) إنما يتم بأوامر مباشرة من أبوظبي. بذلك فهي تستطيع أن تصدر أوامر استثنائية لقادة الدعم السريع.

3/ تؤكد الخطوة بأن أنور قرقاش هو (حميدتي البديل) الذي يدير الدعم السريع عملياً الآن.

4/ بهذه الخطوة تحمّل حكومة الجنوب دولة الامارات المسؤولية عن خروقات الدعم السريع فى مناطق إنتاج تصدير النفط في السودان وتبحث عن التعويضات عن فقدها لمال عائدات النفط المقدر ب(80 إلى 100 مليون دولار) شهرياً بسبب مشاركتها للامارات في مؤامرة غزو السودان.

وبما أن المدخل إلى بن زايد كان أنور قرقاش إذاً من هو (أنور قرقاش) ؟؟ وهنا وللفائدة سأذكر فقط المشاهد القريبة من ذاكرة المراقبين:

في العام 2019 بعد سقوط البشير وبتاريخ 16/08/2019 حضر أنور قرقاش وزير الدولة بوزارة الخارجية الاماراتية إلى السودان، في معية وزير الدولة بالخارجية السعودي على الجبير ووزير الدولة بالخارجية الكويتي صباح خالد للتفاوض حول المساعدات المعلن عن تقديمها للسودان من هذه الدول:

1/ كان أنور قرقاش وعلى الجبير مصران في مباحثاتهم مع الحرية والتغيير على تولي طه عثمان الحسين رئاسة الوزراء في السودان كمنافس لعبد الله حمدوك وفشلوا فى مسعاهم.

2/ تولى قرقاش ملف التفاوض الاماراتي حول (احتكار الامارات) وتشغيلها للموانئ السودانية منذ عهد البشير.

3/ قرقاش هو المسؤول الاماراتي للتنسيق مع طه عثمان الحسين في ملف القوات السودانية المشاركة في عاصفة الحزم.

4/ عمل مع خالد جاويش لتأجيج الصراع في شرق السودان.

5/ قاد قرقاش وفد الحرية والتغيير إلى أديس أبابا للمشاركة في اجتماعات الإيقاد في آخر جلسة ؟!!؟

6/ مؤسس وصاحب أكاديمية (أنور قرقاش) بأبوظبي والتي يتم فيها تدريب كوادر الحرية والتغيير وتعقد فيها مؤتمراتهم.

إن هذه الخطوة من السودان رسالة تقول إنه إذا لم يسلم مصفاة الجيلي المحاصر حالياً من قبل الجيش السوداني من الأذى فسوف لن تسلم جوبا كذلك من الأذى. غير أن ذلك أكد حقيقة العلاقة القوية المشبوهة بين الامارات وحكومة جنوب السودان بإرسال خطاب الاستغاثة من عاصمة جنوب السودان وبهذه السرعة.

Exit mobile version