ترامب وأفريقيا… إعادة نفوذ أم مزيد من التراجع

القاهرة – صباح موسى
تنتظر أفريقيا سياسة خارجية ربما تكون مختلفة بعد فوز ترامب في الإنتخابات الأمريكية، إلا أن الناظر لولاية ترامب الأولى يستطيع أن يحدد شكل العلاقات الأمريكية الأفريقية في المرحلة المقبلة، فهل سيقلب ترامب شكل التنافس الدولي على القارة لصالح بلاده.
تصدعات كبيرة
يأتي فوز ترامب، في وقت تعاني فيه العلاقات بين أمريكا وأفريقيا من تصدعات كبيرة، انتهت بضعف النفوذ في القارة، حتى وصل إلى حد خروج كامل من بعض دول غرب أفريقيا، والتوجه إلى المنافس التقليلدي للولايات المتحدة روسيا والصين، فكيف تنظر أفريقيا لفوز ترامب، وما هو المأمول من العهدة الجديدة في أمريكا، وهل يمكن أن يرمم ترامب ما فشلت فيه إدارة بايدن في أفريقيا، أم سيسير الرئيس الأمريكي في ولايته الجديدة على نفس سياساته القديمة التي لم تكن تركز على أفريقيا؟
أخبار سيئة
يرى الدكتور حمدي عبد الرحمن الخبير المصري في الشؤون الأفريقية أن فوز ترامب في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية قد يعني أخباراً سيئة لأفريقيا، وأن له آثارا كبيرة على القارة، وقال عبد الرحمن لـ “المحقق” من المحتمل أن يعيد تشكيل علاقة القارة بأمريكا عبر العديد من المجالات الرئيسية، مضيفا قد يكون لشعارترامب “أمريكا أولاً” تأثيرات مختلطة على الإقتصادات الأفريقية، ومن المرجح أن تعطي إدارته الأولوية لاتفاقيات التجارة الثنائية على الاتفاقيات المتعددة الأطراف، والتي قد تفيد بعض البلدان الأفريقية الغنية بالموارد ولكنها تضر بالاقتصادات الأصغر، وتابع  أن مستقبل قانون النمو والفرص في أفريقيا (AGOA)، الذي يسمح لبعض البلدان الأفريقية بالتصدير معفاة من الرسوم الجمركية إلى أمريكا غير مؤكد،  وقد أشار ترامب سابقًا إلى أنه قد لا يجدد قانون النمو والفرص في أفريقيا بعد عام 2025، موضحا أن ذلك قد يؤثر بشكل كبير على المستفيدين الرئيسيين مثل جنوب إفريقيا، وقال مع ذلك قد تستمر إدارة ترامب في مبادرات مثل Prosper Africa ومؤسسة تمويل التنمية، التي أطلقت خلال ولايته الأولى لتشجيع الاستثمار الأمريكي في أفريقيا، مضيفا يمكن أن توفر هذه البرامج فرصًا للنمو الاقتصادي والتنمية في جميع أنحاء القارة، موضحا أن إدارة ترامب السابقة اقترحت تخفيضات كبيرة في المساعدات الخارجية، والتي عرقلها الكونجرس، وقال ومع وجود أغلبية جمهورية أقوى في الكونجرس، فقد تواجه مثل هذه التخفيضات مقاومة أقل هذه المرة، وقد يؤثر هذا على برامج صحية حاسمة مثل PEPFAR، مبادرة الحكومة الأمريكية لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز في أفريقيا، والتي هددت إدارة ترامب سابقًا بتقليصها.
زيادة التنافس
وبحسب الخبير المصري قد يؤثر موقف ترامب الصارم بشأن الهجرة بشكل كبير على المهاجرين الأفارقة، خلال فترة ولايته الأولى، فرض قيود على الهجرة على العديد من الدول الأفريقية، مما أثار مخاوف بين المجتمعات الأفريقية في الولايات المتحدة، وقال  قد يؤثر وعد حملته الإنتخابية بترحيل مليون فرد غير موثق على العدد المتزايد من المهاجرين الأفارقة على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، من حيث الأمن، مضيفا قد تتضمن سياسة  ترامب تكثيف أنشطة مكافحة الإرهاب من خلال القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)، وقد تزيد إدارته من المشاركة العسكرية في المناطق التي تواجه تهديدات إرهابية، مثل منطقة الساحل والقرن الأفريقي، مرجحا أن تؤدي رئاسة ترامب إلى زيادة التنافس بين أمريكا والصين في أفريقيا، وقد تضغط إدارته على الدول الأفريقية للاختيار بين الحلفاء الاستراتيجيين، مما قد يؤدي إلى مزيد من الاستقطاب في القارة، وقال قد يخلق هذا تحديات للدول الأفريقية التي تعتمد بشكل كبير على الاستثمارات والقروض الصينية بينما تقدر أيضًا علاقاتها بالولايات المتحدة، وتابع وقد تتوافق شكوك ترامب تجاه مبادرات الطاقة النظيفة وتغير المناخ مع رغبات بعض القادة الأفارقة في توسيع استخراج الوقود الأحفوري من أجل التنمية الاقتصادية، مستدركا ومع ذلك قد يتعارض هذا الموقف مع الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ، مما قد يؤثر على الاستدامة البيئية طويلة الأجل في أفريقيا.
فرصة جديدة
من جهته أوضح الدكتور رامي زهدي نائب رئيس مركز العرب للدراسات الأفريقية والباحث المصري في الشؤون الأفريقية أنه من الشائع أن السياسات الأمريكية الخارجية لاتختلف كثيرا بإختلاف شخصية الرئيس أو الحزب الحاكم. وقال زهدي لـ ” المحقق” إن التجربة أثبتت أنه حتي إن بقيت السياسات واحدة، إلا أن آليات وأدوات التنفيذ تختلف كثيرا من رئيس لآخر، حتي أسلوب ومنهجية التعامل، مضيفا أن ترامب رئيسا للمرة الثانية وبالتالي يمتلك سجلا يمكن الرجوع إليه وقراءة وتوقع ماهو قادم من سياسات خاصة تجاه القارة، وتابع بصفة عامة تتسم السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا بأنها على الأغلب أقوال لا أفعال، وتعهدات دون إلتزام أو تنفيذ، موضحا أن النظرة الأفريقية لفوز ترامب ستختلف هذه المرة نظراً للتحديات الكبيرة التي خلفتها سياسات الإدارة الأمريكية الحالية، خاصة في ما يتعلق بالتعامل مع القضايا الأفريقية الملحة مثل الأمن، والتنمية، ودعم البنية التحتية وقضايا المناخ، وقال إن هذه المرحلة تأتي كفرصة جديدة، قد تستفيد منها أفريقيا لتعزيز علاقاتها الإقتصادية والاستراتيجية مع الولايات المتحدة، مضيفا لكن السؤال الأساسي يكمن في مدى التزام ترامب بتحقيق تغير حقيقي في السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا، لا سيما أنه في ولايته السابقة لم يكن لأفريقيا أولوية كبرى في أجندته،  وحتي في مرحلة الإنتخابات لم يلتفت كثيرا هو ومنافسته للحديث عن قضايا أفريقيا،  ولم تذكر كلمة أفريقيا كثيرا لدى كليهما.
شراكات استراتيجية
وبحسب الخبير المصري، فقد ظهرت الإدارة الحالية بمستوى معين من الدبلوماسية والإهتمام الظاهري بشؤون أفريقيا، وبدا أن دولة عظمى لاتكترث كثيرا بشعوب القارة،  وقال حتي أن بايدن لم يفِ بوعده البسيط بزيارة القارة الإفريقية،  ولم تحترم أمريكا ولم تفِ أبدا بما تعهدت به حتي الآن تجاه أفريقيا، لافتا إلى أن إهتمام أمريكا بأفريقيا يظهر كثيرا في مواقف وظروف معينة، وقال لكن نتائج هذا الإهتمام لم تكن بالشكل الذي يواكب تطلعات القارة، فقد ظلَّت الملفات الإقتصادية والإستراتيجية مثل دعم التحول الرقمي، والشراكة في البنية التحتية، وإيجاد حلول للنزاعات الداخلية في أفريقيا قضايا دون تقدم ملموس، بل تراجعت في بعض الأحيان، مضيفا من جانب آخر، قد يرى بعض القادة الأفارقة في فوز ترامب فرصة لإعادة تشكيل العلاقات الأمريكية الإفريقية بعيداً عن النهج التقليدي، وربما من خلال التركيز على سياسات إقتصادية واضحة ومباشرة، ودعم القطاع الخاص بشكل أقوى في إفريقيا، موضحا أن البعض يعول على أن ترامب الثاني قد يختلف كثيرا عن ترامب الأول، وأنه يمتلك من الخبرات الكثير الآن،  كما أنه يعلم أنها المرة الأخيرة له، ورهن نجاح ترامب في أفريقيا بمدى استعداده لإدراك أن إفريقيا تحتاج إلى شراكات استراتيجية حقيقية تدعم مسيرتها التنموية وتواكب تطلعاتها المستقبلية، بعيداً عن المساعدات المؤقتة أو التحركات الدبلوماسية الرمزية.
تراجع كبير
كما رأى الدكتور محمد تورشين الباحث السوداني في الشؤون الأفريقية أنه لن يكون هنالك تغيير في السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا، وقال تورشين لـ “المحقق” إن مساعي وجهود بايدن كانت كبيرة جدا، ولا نستطيع أن نقول أن ترامب هو الممثل بشكل أو بآخر للتوجهات الخارجية للجمهوريين، مضيفا أن ترامب هو بمثابة تيار داخل الحزب الجمهوري يؤمن بنظرية أمريكا أولا، وبالانعزالية في القضايا الخارجية، ودائما ما يضع الأولويات القصوى للقضايا الداخلية، لافتاً إلى أن التوجهات الخارجية في عهد ترامب مرتبطة بشكل وثيق بالانعكاسات على الداخل، معربا عن اعتقاده أنه سيكون هنالك تراجع كبير للدور الأمريكي في أفريقيا، مما يسهم في تعزيز نفوذ القوى الأخرى، وقال إن ذلك سيجعل أفريقيا في حالة من الاستقرار النسبي،  باعتبار أن تدخل أمريكا وانخراطها في التنافس والتنازع الدولي على أفريقيا يسهم بشكل أو بآخر في زعزعة الاستقرار بالقارة، مضيفا وعلى المدى الاستراتيجي سيحاول ترامب الحفاظ على نفوذ أمريكا ولاسيما في منطقة القرن الأفريقي.
عودة الهيمنة
في المقابل أوضح عبد الله امباتي الكاتب الصحفي الموريتاني المتخصص في الساحل الأفريقي أن أهم القضايا  في أفريقيا هي موضوع الأمن في منطقة الساحل وعدم الاستقرار في السودان وليبيا والتدخل الروسي في القارة، وقال امباتي لـ “المحقق” إن الإدراة الأمريكية الحالية لم تتعامل مع الملف الأفريقي كما يجب، وإنها تنازلت عن مصالح الأمريكيين بدون أي مقابل للمتدخل الجديد روسيا، مضيفا أنه من الخلفية التي أتى منها ترامب ستأتي اجراءات جديدة وسياسات جديدة للتعامل مع هذه الملفات، ربما تعود القواعد العسكرية إلى النيجر، وربما يكون هناك تدخل أكثر في ليبيا، أو تدخل لصالح إنهاء الحرب في السودان، متوقعا أن تعود من جديد هيمنة المعسكر الغربي على أفريقيا وعلى رأسهم الأمريكان.
Exit mobile version