الأحداث – عبدالباسط إدريس
أثار بيان مجلس السلم والأمن الأفريقي بشأن السودان ردود أفعال واسعة، في وقت قوبل فيه البيان برفض شعبي، لأنه يمثل إعادة إنتاج لذات القرارات والمبادرات من الاتحاد الأفريقي والمؤسسات المنضوية تحته تجاه الحرب الدائرة في السودان ويندرج تحت مسمى “تجريب المجرب” من مبادرات سابقة لم تمض خطوة للأمام بسبب موقف الاتحاد الأفريقي الذي يتماهى مع مليشيا الدعم السريع.
أبرز ماورد في البيان:
جاء في البيان أن مجلس السلم والأمن الأفريقي يدين بشدة الحرب الجارية في السودان وتأثيرها السلبي على الشعب السوداني والمنطقة، والانتهاكات المصاحبة لحقوق الإنسان والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي.
وطالب البيان الأطراف المتحاربة، وهي قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية بوقف القتال فوراً وإعطاء الأولوية لمصالح السودان وشعبه.
وأعرب مجلس السلم والأمن الأفريقي عن قلقه البالغ إزاء الوضع الإنساني الكارثي غير المسبوق، والقتل العشوائي للمدنيين الأبرياء، والتدمير العشوائي للبنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس ومحطات تنقية المياه وتوليد الكهرباء، وكذلك منشآت البعثات الدبلوماسية، في انتهاك واضح للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان واتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية.
وعبر عن قلقه العميق إزاء استمرار العنف في مناطق مختلفة من السودان، لا سيما في منطقة الخرطوم، أم درمان، وفي دارفور وخاصة في الفاشر وولاية الجزيرة وولايات كردفان، وحذر من العواقب العرقية والمجتمعية الخطيرة المحتملة للصراع؛
وشدد على أهمية حماية الدولة السودانية ومؤسساتها وشعبها.
وأكد البيان أنه لا يوجد حل عسكري مستدام للصراع؛ وأن الحوار الشامل الحقيقي فقط يمكن أن يؤدي إلى حل مستدام للوضع الحالي.
وجدد مطلبه الملح بأن تتوقف الأطراف المتحاربة فوراً ودون شروط عن القتال للعودة إلى المفاوضات وإنهاء معاناة الشعب السوداني.
ودعا الأطراف المتحاربة إلى السماح بالوصول الإنساني وحماية العاملين في المجال الإنساني، لتقديم المساعدات الإنسانية الطارئة للسكان المحتاجين، وخاصة النساء والأطفال وكبار السن والفئات الضعيفة الأخرى العالقة في النزاع، دون تأخير ودون شروط، وفقاً للقانون الإنساني الدولي والممارسات المتعلقة بحماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني والصحي، ويذكر في هذا السياق بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2736 (2024) الذي يطالب برفع الحصار عن الفاشر.
وأدان بأشد العبارات الممكنة الادعاءات بارتكاب جرائم فظيعة على نطاق واسع نتيجة للصراع بين الأطراف المتحاربة في انتهاك صارخ لأدوات الاتحاد الأفريقي القانونية لحقوق الإنسان والشعوب، وكذلك القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، وكلف الاتحاد الأفريقي وأجهزته ذات الصلة، بالتعاون مع اللجنة رفيعة المستوى بشأن السودان والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (IGAD)، بمراقبة والإبلاغ بانتظام عن هذه الجرائم الشنيعة التي تُرتكب في جميع أنحاء السودان، لوضع تدابير وقائية والحد من مخاطر تكرارها، وتطوير مقترحات حول كيفية معالجتها لمنع تصعيدها، وكذلك وضع خطة لحماية المدنيين، وحذر من أن مرتكبيها سيحاسبون.
وكلف المجلس لجنة رفيعة المستوى بقيادة الرئيس اليوغندي يوري موسفيني للجمع بين البرهان وحميدتي.
أبرز الملاحظات :
يقول المحلل السياسي مصطفى عبدالله سعيد ل(الأحداث) إن بيان مجلس السلم والأمن الأفريقي تجميع لمواقف سابقة للاتحاد الأفريقي التي رفضت الحكومة السودانية التعاطي معها، ويرى سعيد أن قرارات اجتماعات مجلس السلم لم تغادر موقف قيادة مؤسسات الاتحاد الأفريقي المنحازة لمليشيا حميدتي، ولفت إلى أن البيان أغفل بشكل متعمد تحديد الجهة التي تقوم بانتهاكات القانون الدولي والإنساني وترتكب جرائم الحرب والتهجير القسري بحق المواطنين السودانيين وتعرقل انسياب الأغذية والبضائع والدواء للمواطنين، مؤكداً أن مرتكب هذه الجرائم معروف لدى الشعب السوداني وهي مليشيا حميدتي التي أدانها تقرير لجنة الخبراء المكون من مجلس الأمن الدولي وتقارير المنظمات الدولية والصحافة العالمية، وأعتبر سعيد عدم إدانة الاتحاد الأفريقي وآلياته لمليشيا حميدتي أو تحديد مسؤوليتها عن ارتكاب الجرائم والمساواة بينها والجيش السوداني بنصوص موغلة في الانحياز الفاضح للمليشيا هو تشجيع للتمرد وازدهار للإرهاب في أفريقيا.
إعداد مسرح :
في وقت سابق قال المبعوث الأميركي للسودان توم بيرييلو إن القوات الإقليمية ستكون بديلاً لعدم حضور الجيش للمفاوضات، وسبق للمبعوث نفسه الحديث عن مشاورات تجرى في الإقليم وتحديداً بالاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيغاد لبحث ما أسماها حماية المدنيين.
وتتمسك الحكومة السودانية بمنبر جدة، وترهن العودة لاستئناف المفاوضات بتنفيذ مليشيا الدعم السريع ما تم التوقيع عليه في مايو العام الماضي في جدة وضرورة مغادرة المليشيا منازل المواطنين والأعيان المدنية، وفشلت الوساطة الأمريكية السعودية حتى الآن في إلزام مليشيا حميدتي بتنفيذ اتفاق جدة.
فشل موسيفيني:
وفشل موسفيني ورؤساء دول الإيقاد في عقد لقاء سابق بين رئيس مجلس السيادة قائد الجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان مع قائد المليشيا حميدتي بعد أن وافق الأول على ذلك، لكن الايقاد ورؤسائها استقبلوا حميدتي استقبالا رسميا رغم علمهم بقرار إقالته من منصبه نائباً لرئيس مجلس السيادة فضلاً عن علمهم المسبق بقرار حل قوات الدعم السريع بعد تمردها، وأرسلت الايقاد رسالة رسمية للحكومة تعتذر عن عدم إمكانية لقاء البرهان وحميدتي لأسباب قالت إنها “فنية” تمنع وصول الأخير لحضور اللقاء.
بالمقابل اتخذت الحكومة السودانية قراراً بتعليق عضوية السودان في منظمة الايقاد.
ويفسر الخبير في الشأن الدبلوماسي معاوية شريف تكليف مجلس السلم الأفريقي بذات المهمة مرة أخرى لموسيفيني بأنها محاولة ماكرة لإيجاد مخرج تفاوضي لمليشيا حميدتي، ويرى شريف ضرورة تمسك الخارجية السودانية بذات موقفها السابق من الايقاد والاتحاد الأفريقي واعتبار كل ما يصدر عن مجلس السلم والأمن الأفريقي لايعني السودان في شيء نتيجة لتجميد عضويته من قبل الاتحاد الأفريقي وعدم التشاور معه في شأن يخص حاضر ومستقبل شعبه.
هل التدخل العسكري وارد؟:
يقول الخبير الأمني والعسكري اللواء “م” محمد إبراهيم ل(الأحداث) إن قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي، واضح ويجسد المؤامرة في أوضح صورها، وقال إبراهيم إنها محاولة للي ذراع الجيش السوداني بعد أن تمكن من صد مؤامرة الانقلاب والحرب
بجدارة عسكرية مسنوداً بشعبه، وأضاف “أفضل تعامل للسودان أن يرسل طائرة لأعضاء مجلس السلم والأمن الأفريقي واحضارهم لزيارة المتضررين من حرب المليشيا للوقوف على أوضاعهم وطرح مقرراتهم للمواطنين بوصفهم المتضررين “أصحاب المصلحة”.
وحذر إبراهيم من سيناريو الاتحاد الأفريقي الذي قد يخاطب مجلس الأمن الدولي بأن حرب السودان أصبحت تشكل تهديداً خطيراً على الأمن والسلم الأفريقي، وبهذا الإخطار وسواء تعامل معه مجلس الأمن أو لم يتعاطى معه فإن الاتحاد الأفريقي بموجب مواثيقه قد يتجه لاتخاذ قرار بالتدخل العسكري، ولا يستبعد إبراهيم أن تجد الخطوة تأييداً وتمويلاً من اميركا والاتحاد الأوروبي ودولة الإمارات بصفة خاصة، ودعا إبراهيم الحكومة السودانية الاستعداد لهذا السيناريو بكافة الآليات المتاحة.