الأحداث – عبدالباسط ادريس
مرة أخرى يعود جهاز المخابرات العامة إلى دائرة الضوء، متصدراً المشهد السياسي والإعلامي، عقب تعديلات أقرها الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء قضت بمنح الجهاز سلطات واسعة كان يتمتع بها قبل إعادة هيكلته وتعديل قانونه من قبل السلطة الانتقالية بقيادة عبدالله حمدوك.
أبرز التعديلات:
أبرز التعديلات وردت في المادة 25 من القانون، التي أقرت الالتزام بما ورد في وثيقة الحقوق الواردة في الوثيقة الدستورية لعام 2019 وتضمنت المادة (25) سلطات وصلاحيات الجهاز وهي طلب المعلومات أو البيانات أو الوثائق أو الأشياء من أي شخص والاطلاع عليها، أو الاحتفاظ بها، أو اتخاذ مايراه ضرورياً، أو لازما بشأنها. واستدعاء الأشخاص واستجوابهم وأخذ أقوالهم وفقاً للقوانين. والرقابة والتحري والتفتيش، بموجب أمر صادر من وكيل النيابة المختص. وحجز الأموال وفقاً للقوانين. واعتقال الأشخاص وفقاً لما هو وارد في المادة (50).
سيولة وانفراط:
تتزامن إعادة صلاحيات جهاز المخابرات، مع واقع الحرب ومخلفاتها الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، فالحرب التي تشنها مليشيا حميدتي أصابت عصب الدولة ووجهت ضربات قاسية للمرافق الحيوية والبنية التحتية وألحقت أضراراً كبيرة بالقطاعات الاقتصادية والإنتاجية، وعمليات تهجير قسري ممنهج للسكان، وتعطيل المؤسسات التعليمية فضلاً عن انتشار الجريمة وأصبحت البلاد سوقاً لصفقات أمراء الحرب وازدهرت تجارة المخدرات.
استهداف وتجريف:
كان جهاز المخابرات، هدفاً أول لجهات خارجية عمدت على خلط مطالب الشعب بأجندتها التدميرية، وشهد الجهاز حملات منظمة للمطالبة بحله بعد الثورة ونتيجة لهذه الضغوط الداخلية، تمت إحالة أكثر من (750) من أكفأ ضباط الجهاز، كما شرع العهد الانتقالي برئاسة حمدوك في هيكلة جهاز الأمن الوطني تحت مسمى جهاز المخابرات العامة وأطاح بنحو 141 ضابطاً من رتبة الفريق فما دون، منهم 12 ضابط برتبة الفريق و63 ضابطاً برتبة اللواء و26 ضابطاً برتبة العميد و20 ضابطاً برتبة العقيد و20 ضابطاً من المقدمين فما دون، بالمقابل شهد الجهاز أثناء تظاهرات ثورة دبسمبر تجاوزات كبيرة أبرزها المشاركة في التصدي للتظاهرات والعنف المفرط الذي واجهه المتظاهرون فضلاً عن ارتكاب عدد من أفراده، جريمة مقتل الملهم أحمد الخير، حيث جرت محاكمتهم بالإعدام.
واقع البلاد
تجابه المخابرات، تحديات ضخمة، استدعت إعادة صلاحيات الجهاز وإطلاق يده لإعادة كثير من الأمور إلى نصابها ويبدو الجهاز أمام معالجة قضايا كثيرة لكن أهمها
تطهير جهاز الدولة:
شهدت مؤسسات الدولة، عمليات تجريف ممنهج، قاد لخروج الأوضاع عن السيطرة، فالجهاز بحاجة إلى تطهير اجهزة الدولة الحكومية والمدنية من الفايروسات، عبر إجراءات ونظم حمائيه، تمكن المؤسسات الاقتصادية والرقابية من استعادة فاعليتها ليتسق الأداء العام لهذه المؤسسات مع السياسات المرحلية لفترة الحرب، حيث إن الحرب لم تعد فقط على مسارح العمليات ولكنها تحورت إلى حرب شاملة على كافة القطاعات.
إدارة الأزمة:
اتخذت الحرب أبعاد خارجية وتحولت إلى حرب بالوكالة، تشنها دول ومنظومات جوار وأخرى إقليمية، وحروب الوكالة في العادة تأخذ وقتاً طويلاً وقادة المليشيا لايستطيعون اتخاذ قرار وقفها من جانبهم، وتنتظر الجهاز عملية تواصل وإحماء لإدارة الأزمة في بعدها الخارجي، ليس في إدارة حوار مع أطرافها أو التعاطي مع شواغلهم وحسب ولكن بتسخير كل طاقته وعلاقاته وتأثيره الكبير في المنطقة، لتعبئة إقليمية واتصال فعال بمنظوماتها ودول جوار السودان، للتنبيه لمخاطر التساهل مع مليشيا حميدتي وآثاره على تناسل التجربة بما يقضي بشكل كلي على التعاون الإقليمي والدولي للقضاء على القوة السالبة والجماعات المتطرفة وجهود مكافحة الإرهاب، فعدوى ما يمر به السودان ستنتقل سريعاً إلى دول وبلدان أخرى، ما لم يتم إعلان موقف صلب وحاسم وموحد من قبل دول الإقليم.
إعادة بناء:
التحدى الثالث الأبرز هو إعادة بناء وترميم جدار الأمن القومي السوداني، فالحرب أبرزت الكثير من نقاط ضعف السودان، وهو ما يتطلب إعادة نظر للكثير من الثغرات بما في ذلك استعادة الجهاز لدوره في حماية النظام الاجتماعي وتحصين المكونات القبلية، للقضاء على الخطاب العنصري المتزايد والمهدد لوحدة وأمن البلاد وكانت للمخابرات إدارات وأدوات فاعلة في هذا المجال.