الأحداث – أمير عبدالماجد
بين إعلان نيروبي واتفاق حمدوك ـ نور ومفاوضات الحكومة مع الحلو والحديث عن عودة مرتقبة لمفاوضات جدة بات الحل العسكري أو السياسي في السودان رهيناً لمنابر عدة ومفتوحاً على احتمالات عديدة في حين لا يرى المواطن الذي تتساقط الدانات على رأسه ويختطف أحباءه وتدخل جحافل الجنجويد يومياً إلى مناطقه ويقتل أهله وتنهبهم وتغتصب حرائرهم لايرى أي انعكاس لما يعانيه في هذه المشاهد لا في اتفاق حمدوك ونور ولا في إعلان نيروبي وجلسات مفاوضات جدة التي أتاحت في وقت سابق الفرصة تلو الفرصة للدعم السريع حتى يتمدد ويحتل المزيد من منازل المواطنين.. فهل هناك أمل أن تنتج هذه المنابر على تعددها حلاً يرضي السودانيين ويضعهم أمام واقع مختلف.
خروج عن السيطرة
المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيريللو يعتقد أن جولة قادمة من مفاوضات جدة ستخرج بنتائج جيدة، ويستند الرجل حسب مايقول إلى أنه توصل من خلال تواصله مع الأطراف المختلفة في الأزمة السودانية إلى أن الجميع وصل إلى قناعات بأن مايحدث وضع يخرج رويداً رويداً عن السيطرة ولا أحد سيستفيد منه.. (أي سلام الأطراف المنهكة)، هذه هي رؤية بيريللو التي تقابلها رؤية أخرى مقابلة لكنها ليست بعيدة في محتواها عن بيريللو عبر عنها رخا أحمد حسن مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق بأن الصراع الحالي قتال حتى الموت وأنه لا يوجد أمل في سلام حتى يقضي طرف ما على الآخر).
تعميق الأزمة
يقول الباحث السياسي فيصل التوم (إن رؤى بيريللو حول مفاوضات جدة لا تختلف عن الأفكار التي كان يقدمها فولكر بيريتس والتي عمقت الأزمة فيما بعد وكانت احد أسباب اشتعال هذه الحرب لذا لا أعتقد أن بيريللو لديه جديد يقدمه في جدة بخلاف التهديد والوعيد وتبني رؤية تقدم للحل)، وأضاف (الرجل يطرح في كل التسريبات التي خرجت عن الميسرين مفاوضات عسكرية لإيقاف إطلاق النار ومفاوضات سياسية في المسار نفسه وهو أمر سبق ورفضته القوات المسلحة التي أعلنت رؤيتها مراراً وتكراراً بأن المفاوضات السياسية لن تبدأ قبل إيقاف الحرب تماماً وخروج مليشيا الدعم السريع من الأعيان المدنية والمدن وهذا أمر لن يقبله بيريللو الذي يتبنى رؤية تقدم التي لاتملك أوراقا للجلوس على الطاولة باستثناء ورقة وجود مليشيا الدعم السريع في بيوت الناس ومدنهم لذا لا أعتقد أن جدة ستنعقد ولو عقدت لن تقدم أي جديد لأن الأفكار المطروحة من شأنها إعادة الدعم السريع وتقدم للمشهد وهذا أمر لن يقبله السودانيون بعدما عاشوه واختبروه)، وتابع (من يحرك المشهد الآن يحركه بذات عقلية بيريللو التي تعتقد أن الإسلاميين في السودان هم العقبة أمامها وأنه يجب تصفيتهم عبر إقامة تحالفات علمانية بين مختلف الأجسام السياسية مدنية كانت أو عسكرية وهذا واضح الآن في اتفاق عبدالواحد محمد نور مع حمدوك وما سمي بإعلان نيروبي الذي رهن وحدة البلاد وإيقاف الحرب بأن تكون الدولة علمانية، وقال بوضوح إن الدولة مالم تضع العلمانية في دستورها فإن -الشعوب هكذا ذكرت – الشعوب السودانية يجب أن تمنح مباشرة حق تقرير المصير وفي مطالب الحلو الذي رهن اتفاق تمرير المساعدات الإنسانية بتسوية سياسية تطالب بعلمانية السودان) وقال (هذا أمر أصبح مكشوفاً الآن).
وكان إعلان نيروبي الذي وقع بين عبدالله حمدوك ورئيس حركة تحرير السودان عبدالواحد محمد نور قد نص على الدعوة لإيقاف الحرب وتأسيس دولة مدنية ومنح حق تقرير المصير لشعوب السودان في حال عدم تضمين مبادئ الاتفاق في الدستور الدائم للبلاد، ونادى الإعلان بتأسيس دولة علمانية تقف على مسافة واحدة بين الأديان والثقافات والهويات وتأسيس دولة مدنية يتساوى فيها السودانيون في السلطة والثروة.
إحراق مراكب
هذا الاتفاق أثار بلبلة حتى داخل تنسيقية تقدم إذ أن إعلان الدولة العلمانية يصطدم على سبيل المثال مع مرجعيات حزب الأمة الناشط ضمن تقدم وهو أمر قلل من تأثيره د. أسامة حنفي أستاذ العلوم السياسية بجامعة السودان الذي قال إن حزب الأمة (سيطنطن) فقط لكنه في النهاية سيذعن للأمر الواقع لأنه أحرق مراكبه ولا يستطيع العودة الآن لأن رهانه بات على القوى الدولية والإقليمية وليس على جماهيره لذا أعتقد أنه سيتبرم فقط ولن يتخذ موقفا ما من علمانية الدولة، وأضاف (ما ألحظه هنا هو أن الأمر لايستصحب رأي أصحاب المصلحة ولا مصالحهم إذ من غير المنطقي ان يقرر حمدوك وعبدالواحد أن يصبح السودان دولة علمانية ولا أن يقرر الحلو هذا أمر غريب.. هؤلاء يعيشون في كوكب آخر على مايبدو عوضاً عن مناقشة آليات لإيقاف الحرب التي يتبجحون ليل نهار أنهم يعملون على إيقافها وبدلاً عن مناقشة التعويضات وإعادة إعمار البلد يناقشون في العلمانية ويقررون بشأنها وهو أمر لا أعتقد أنه من مشاغل الناس حالياً)، وأضاف (الحلو يمنع وصول الإغاثة إلى الناس ويربط مرورها بتسوية سياسية تضمن له أن يكون السودان علمانياً.. يبدو أن أوراق الحرب بدأت تتكشف وأن ماوراء سطور بعض القوى الدولية والإقليمية بدأت تظهر) وتابع (هذه الحرب أطرافها الدولية والإقليمية بدأت تخرج ماعندها علناً).