الأحداث – عبدالباسط إدريس
تواجه منظمة الأمم المتحدة مأزق مهني وأخلاقي كبير، تجاه الانتهاكات المروعة التي يتعرض لها السودانيون من تقتيل وتشريد، فضلاً عن إعاقة المليشيا، وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين بجانب تعطيلها المؤسسات الخدمية للمواطنين.
صمت وعجز:
وتبدو الأمم المتحدة عاجزة عن التعاطى مع جرائم المليشيا من واقع توصيف خاطئ لأصل المشكلة، فمليشيا حميدتي، ليست حركة مطلبية ولكنها فصيل عسكري تمرد على الدولة وهاجم مقار الجيش وقام بمحاولة انقلابية فاشلة، ثم جرى توظيف النزاع من قبل أطراف إقليمية ودولية، أدانتها ووثقتها حتى تقارير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة، لقد ادخل انطونيو غوتيريش المنظمة الدولية، في مأزق مهني وأخلاقي كبير مرتين، الأولى حينما تورطت بعثتها بقيادة فولكر بيرتس في التدخل في الشأن الداخلي السوداني وخروجه من منطقة الحياد الوظيفي وانحيازه لفئة سياسية دون أخرى وضلوعه مع الرباعية في فرض الاتفاق الإطاري، وقد ثبت تورط فولكر في إشعال الحرب وعلمه المسبق بموعد انقلاب حميدتي على الجيش، عندما أبلغه الأخير بأنه سيضع البرهان وقادة الجيش في الحبس، وعندما حوصر فولكر بهذه الحقائق والمعلومات أقر بأنه قد سمع ذلك من حميدتي ولكنه لم يكن يظن أنه جاد في ذلك، ورغم هذا أصر غوتيريش الإبقاء على فولكر على رأس البعثة برغم إخطار السودان له بما تقتضيه الإجراءات السيادية والدبلوماسية بتغييره، ولم يقف الأمين العام للأمم المتحدة عند هذه السقطة المهنية والانحياز الفاضح والامتثال لرؤية بعض الدول ولكنه لم يقم حتى بإجراء تحقيق نزيه وشفاف مع مبعوثه الخاص ورئيس بعثة “يونيتامس” فولكر ، لإنقاذ سمعة الأمم المتحدة، بعد أن ثبت ضلوع فولكر في إشعال الحرب، ورضخ في نهاية الأمر لمطالب الحكومة التي تطورت من تغيير فولكر لإلغاء مهام بعثة يونيتامس برمتها.
السقطة الثانية تمثلت في اختباء الأمين العام ووكالات الأمم المتحدة عن إدانة انتهاكات وجرائم مليشيا حميدتي وإعتداءاتها على المدنيين عبر أعمال عنف ممنهج يقوم على التطهير العرقي والإبادة الجماعية كما حدث في الجنينة وقراها بإبادة المليشيا عدد 15 ألف شخص، بجانب ضحايا الإبادة والتهجير القسرى للمواطنين في الجزيرة والخرطوم والحصار ومنع المدنيين من الوصول للعمل والحصول على الغذاء وموارد المياه كما يحدث من خلال حصار المدنيين وإقامة معتقلات للمدنيين بجانب غرف إعدام ومشانق في منازل بالخرطوم وقطع الطرق في بارا والفولة وجبال النوبة، وماتزال الأمم المتحدة وأمينها العام يختبئون خلف بيانات معممة ومعلومات وإحصائيات تبدو أكثر بعداً عن الواقع، وفي وقت يطالب فيه السودان بتصنيف الدعم السريع جماعة إرهابية ويواجه غزو خارجي تقف خلفه أكثر من 5 دول أعضاء بالأمم المتحدة، مايزال مبعوث غوتيريش الجديد، رمطان لعمامرة يبدد ميزانياتها في جولات تبدو فارغة المحتوى وبعيدة عن جوهر الأزمة.
أموال وحاجة :
وجهت الأمم المتحدة وشركاؤها نداءً لتوفير 4.1 مليار دولار، لتلبية الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحاً للمدنيين داخل السودان وأولئك الذين فروا إلى البلدان المجاورة، تقول المنظمة إن قرابة 18 مليون شخص في السودان من أصل 49 مليون نسمة هم عدد السكان في البلاد “مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد”، وذلك وفقاً لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، لكن الأمم المتحدة قالت بعد خطتين أعلنت عنهما للاستجابة، إنها لم تحصل على المبلغ المطلوب من قبلها في النداء الدولي سوى 30%.
لا مجاعة في السودان :
وقال رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية فى السودان جاستن براري لموقع بي بي سي، إن هناك 4.9 ملايين شخص يعيشون الآن في حالة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، والتي تعتبر على مسافة خطوة واحدة فقط من المجاعة.
بالمقابل قال وزير المالية د. جبريل إبراهيم إنه لا توجد مجاعة في السودان، مبيناً أن المخزون الاستراتيجي مليئ بالحبوب، وأوضح جبريل في حديث من مدينة سانت بطرسبيرغ الروسية، أن المشكلة تكمن في صعوبة إيصال المواد الغذائية التي تعرقل إيصالها المليشيا المتمردة .
وتفشل الأمم المتحدة بشكل مستمر في إدانة انتهاكات مليشيا حميدتي وعرقلتها وصول المساعدات بخاصة الطبية والمنقذة للحياة منها للمناطق بشكل آمن.