مصر ترفع درجة التأهب.. البرهان في القاهرة… وقوف على الكواليس وقراءة لما بين السطور

حراك متصاعد تشهده الأزمة السودانية هذه الأيام، زيارات ولقاءات واتصالات، لم تنقطع منذ زيارة ولي العهد السعودي للولايات المتحدة الأميريكية، قد تبدو مشاورات أو ربما مقاربات لحل الأزمة في البلاد، بيد أن مايُطمئن فيها هو حصر هذه التحركات في اطار واشنطن والرياض والقاهرة.

الخطوط الحمراء

وبعد ثلاثة أيام من زيارته للرياض يزور رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان اليوم “الخميس” القاهرة، وتشدد الرئاسة المصرية في بيان لها عقب لقاء الرئيسين السيسي والبرهان على عدم السماح بتجاوز “الخطوط الحمراء” في السودان، معلنة اتخاذها إجراءات- لم تسمها- لمواجهة ذلك، وأشار البيان إلى أن القاهرة تتابع بقلق بالغ استمرار حالة التصعيد والتوتر الشديد حالياً في السودان، وما نجم عن هذه الحالة من مذابح مروعة وانتهاكات سافرة لأبسط قواعد حقوق الإنسان في حق المدنيين السودانيين، خاصة في الفاشر، لافتا إلى أن مصر تؤكد أن هناك خطوطاً حمراء لا يمكن السماح بتجاوزها أو التهاون بشأنها باعتبار أن ذلك يمس مباشرة الأمن القومي المصري، الذي يرتبط ارتباطًا مباشرًا بالأمن القومي السوداني، موضحا أن أهم الخطوط الحمراء تتمثل في الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه، بما في ذلك عدم السماح بانفصال أي جزء من أراضي السودان والحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية ومنع المساس بها.

الدفاع المشترك

وذكر البيان عن امتلاك مصر الحق في اتخاذ كافة التدابير والإجراءات اللازمة التي يكفلها القانون الدولي واتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين لضمان عدم المساس بهذه الخطوط الحمراء أو تجاوزها، وجدّدت القاهرة رفضها القاطع لإنشاء أية كيانات موازية أو الاعتراف بها باعتبار أن ذلك يمس وحدة السودان وسلامة أراضيه، وأعلنت عن دعمها الكامل لرؤية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الخاصة بتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في السودان، وذلك في إطار توجهه لإحلال السلام وتجنب التصعيد وتسوية المنازعات في مختلف أنحاء العالم، وأبدت حرصها على استمرار العمل في إطار الرباعية الدولية بهدف التوصل إلى هدنة إنسانية، تقود إلى وقف لإطلاق النار، يتضمن إنشاء ملاذات وممرات إنسانية آمنة لتوفير الأمن والحماية للمدنيين، وذلك بالتنسيق الكامل مع مؤسسات الدولة السودانية.

لغة البيان

لم تعد زيارات البرهان للقاهرة مفاجئة، أصبحت معتادة بحكم كثرتها والتنسيق الكبير بين البلدين في كل الأمور على مستوى الحرب، وكذلك الخارج بما يحمله من مبادرات وأجندات وتدخلات، إلا أن المفاجئ في هذه الزيارة كان في لغة بيان الرئاسة المصرية الذي جاء مختلفا هذه المرة، متجنبا أي تفاصيل أخرى تخص العلاقات الثنائية والقضايا المائية والإقليمية، مركزا على الأزمة في السودان، رافعا كروت حمراء عدة لكل تهديد للثوابت المصرية في السودان التي كانت تأتي في السابق في اطار سياسي دبلوماسي، بيد أنها أتت هذه المرة بلهجة أكثر وضوحا وصرامة، مصحوبة بتلويح في استخدام القوة في إطار إتفاق الدفاع المشترك.

تصعيد اللهجة

المتابع للسياسة الخارجية المصرية، يلاحظ أن القاهرة ليست الدولة التي تنجر للحروب بسهولة، وأنها من النادر أن تخرج بيانات بها لغة انفعالية، أما بيان اليوم فبه تصعيد في اللهجة المصرية تجاه الأزمة في السودان، ما يعكس أن هناك الكثير والخطير خلف الكواليس تعلمه مصر، ولذلك وضعت خطوطها الحمراء ورفعت كروتها التحذيرية، لترسل رسائل محددة في بريد من يهمهم أمر السودان، لمن معه ومن ضده، فكيف نقرأ زيارة البرهان للقاهرة في هذا التوقيت وإلى أي مدى يمكن أن تكون تطور لموقف مصري جديد؟

قوية وحاسمة

نائب رئيس مجلس الشؤون الخارجية المصري السفير صلاح حليمة يرى من جانبه أن زيارة البرهان للقاهرة تأتي في ظل تطورات متسارعة على أرض المعركة، وانتهاكات المليشيا الجسيمة وحصولها على أعداد كبير من السلاح المتطور والمرتزقة. وقال حليمه لـ “المحقق” إن هناك دعم عسكري ولوجستي لمليشيا الدعم السريع، وأيضا سياسي لمجموعة تأسيس، مايهدد برفع فرص الانفصال في وجود حكومة موازية، مضيفا أن ذلك استوجب رفع مصر للكارت الأحمر لأي كيانات موازية أو أي انفصال، لافتا إلى أن هناك رسائل مصرية قوية وحاسمة موجهة لكافة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، وقال إن هناك كروت حمراء أخرى لا يمكن تجاوزها في إطار قانون دولي ومشروعية، مشيرا إلى إتفاقية الدفاع المشترك للدفاع عن الأمن القومي، وتابع أن أي محاولة للإنفصال ستقابله مصر بموقف مصري حاسم، مشيرا إلى الكروت الحمراء على الانتهاكات والحفاظ على المؤسسات، منوها إلى أن هذه التحركات في إطار الأزمة ربما تعمل على تحييد الداعم الإقليمي، وقال ربما تؤثر على موقف الداعم الإقليمي للمليشيا.

مجرد دبلوماسية

من جهته أكد الكاتب الصحفي والمحلل السياسي مكي المغربي أن هناك إجماع من المراقبين السودانيين على أن هذه القمة والبيان والصادر عنها يختلف تماما عن كل ماسبق. وقال المغربي لـ “المحقق” إن البيان ذكر بوضوح الكروت الحمراء وسميت الأشياء بمسمياتها، مشيرا إلى ذكر إتفاقية الدفاع المشترك لأول مرة في سياق الحرب، معتبرا أن هذه الإتفاقية سارية بين البلدين، وقال إنها أجيزت من برلمان ولم تلغى ببرلمان، وبموجب الفقه الدستوري فهي سارية، كل ماتحتاجه تنشيطها، مضيفا أن أقوى ماذكر هو رفض تقسيم السودان واعتباره في حكم الملغي، مفسرا سبب تصاعد اللهجة المصرية بمراوغة المليشيا واصرارها على استغلال الأزمة الإنسانية لفرض وجود دستوري مواز، ورأى أن ذكر الرباعية في البيان مجرد دبلوماسية، وقال إن ذكر الرباعية جاء مربوطا بذكر التنسيق الكامل في الممرات الإنسانية وتأمينها مع الحكومة السودانية، وتابع أن مصر ذكرت الرباعية في بيانها لاحترام مشاركتها فيها، لكن هذا الربط مع الحكومة يعيد الأمور إلى المربع الأول.

Exit mobile version