اضطر محمود للعودة من غابات اولالا في إقليم الامهرا بإثيوبيا إلى ولاية القضارف، في سبتمبر الماضي، ضمن مئات اللاجئين السودانيين، بعد مسيرة معاناة امتدت لشهور، ولكنه شدّ الرحال مرة أخرى برفقة عدد من زملائه متجهاً صوب مدينة الكفرة الليبية في رحلة لجوء جديدة محفوفة بالمخاطر بعد أن خيرهم والي ولاية القضارف بين الانضمام إلى معسكرات التدريب التابعة للمقاومة الشعبية المساندة للجيش أو العمل في الزراعة.
ويقول محمود لراديو دبنقا إن بعض اللاجئين اتجهوا نحو مصر عبر طرق التهريب المعروفة، وبعضهم صوب جنوب السودان، فيما توزعت أعداد كبيرة في طرابلس والكفرة ومنطقة المثلث.
شهور من المعاناة
وعانى آلاف اللاجئين في معسكري كومر واولالا في إقليم الأمهرا من انتهاكات واسعة من قبل المليشيات المحلية تمثلت في القتل والاختطاف طلبا للفدية والسخرة والنهب والسلب والاغتصاب وغيرها من صنوف المعاناة. كما تضرر اللاجئون من التحركات العسكرية للمليشيات المحلية واشتباكها مع الشرطة والجيش الإثيوبي في مقربة من المعسكرات بجانب تردي الخدمات الصحية.
ووفقا لتقرير جديد صادر عن “هيومن رايتس ووتش” في منتصف أكتوبر الجاري فإن اللاجئين السودانيين في اقليم أمهرا بإثيوبيا تعرضوا لحوادث متعددة من العنف والاختطاف والعمل القسري وسط الصراع المستمر بين القوات الحكومية ومليشيات فانو.
وقالت ليتيسيا بدر، نائبة مدير قسم أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “كان اللاجئون السودانيون في إثيوبيا هدفًا للانتهاكات لأكثر من عام من قبل جهات مسلحة مختلفة”. “فر هؤلاء اللاجئون من الانتهاكات المروعة في وطنهم ويحتاجون بشكل عاجل إلى الحماية، وليس المزيد من التهديدات لحياتهم”.
ودفعت المعاناة أكثر من ثمانية آلاف لاجئ للخروج من معسكري كومر واولالا والاعتصام بالقرب من معسكر كومر وفي غابات اولالا.
100 يوم في العراء
ويقول محمود مكثنا مائة يوم في العراء في غابات اولالا فرارا من انعدام الأمن والخدمات في معسكري كومر واولالا، وتعرضنا لهجمات عديدة شنتها المليشيات المحلية مما أدى لسقوط قتلى وجرحى، بجانب تفشي سوء التغذية وسط الأطفال والنساء والمسنين، وكنا نعتمد على المساعدات التي تقدم من السودانيين في الخارج وتحويلات أقاربنا، وظلت الأمطار تنهمر فوق رؤوسنا لشهور دون وجود أي مواد إيواء تقينا الأمطار.
ويضيف قررت أخيرا ضمن أكثر من أربعة آلاف لاجئ العودة سيراً على الأقدام إلى نقطة البداية المتمثلة في مدينة المتمة الاثيوبية. وذلك بعد أن حاولت السلطات اجبارنا على الرحيل إلى معسكر افتيت الجديد بالقرب من مدينة شهيدي بإقليم الامهرا ورفضنا ذلك بسبب انعدام الأمن الاقليم في ظل استمرار هجمات مليشيات الفانو.
وأكدت مفوضية اللاجئين الأممية ترحيل ما يقرب من سبعة آلاف لاجئ من معسكري كومر واولالا إلى معسكر افتيت، وإغلاق هذه المعسكرات مشيرة إلى استمرار عمليات التشييد والانشغال.
معاملة قاسية
ويتابع محمود قائلاً استغرقت رحلتنا من غابات اولالا إلى المتمة اسبوعا كاملا، وتعرضنا خلالها لصنوف المعاناة تضمنت اعتداءات من الشرطة الإثيوبية تمثلت في منعنا من الدخول إلى مدينة المتمة إلا بعد تسليمهم وثائق اللجوء، وإزالة المساكن المؤقتة التي أنشأناها في مدخل المدينة والاعتداء بالضرب والاعتقال على بعضهم.
ووفقا لتقرير هيومن رايتس ووتش فإنه في 21 أغسطس 2024، ورد أن الجنود الإثيوبيين والميليشيات المحلية أجبروا اللاجئين على الانتقال إلى مركز الترانزيت بالمتمة وعندما قاوم اللاجئون، دمرت قوات الأمن ملاجئهم المؤقتة واستخدمت العنف، وفقًا لتقرير هيومن رايتس ووتش.
ويقول محمود اضطررنا لعبور الحدود إلى السودان بعد تزايد الضغوط من السلطات الاثيوبية بينما تم تحويل المئات منا إلى مخيم ترانزيت المجاور للمتمة وجرى استضافتنا في مخيم بمدينة القلابات يفتقر لأبسط مقومات الحياة.
وأفادت منظمة هيومن رايتس ووتش أن العديد من اللاجئين شعروا بأنهم مجبرون على العودة إلى السودان، وغالبًا ما انفصلوا عن عائلاتهم في هذه العملية. وعلى الرغم من أن المسؤولين الإثيوبيين زعموا أن هذه العودة كانت طوعية، إلا أن تحقيق هيومن رايتس ووتش وجد حالات شعر فيها اللاجئون بالإكراه.
ويشكو اللاجئون في معسكر ترانزيت بالمتمة من عدم توفر الغذاء مما اضطرهم لأكل بقايا الطماطم والبطاطس، بجانب تردي الخدمات خاصة الوضع الصحي، وقال الدكتور محمد عبد السلام وهو أحد اللاجئين بالمعسكر أن الظروف الإنسانية في المعسكر تزداد سوءًا نتيجة نقص المياه والطعام، مما اضطر اللاجئين إلى شرب مياه الأمطار والاستحمام في المياه الراكدة، وهو ما يشكل خطرًا كبيرًا، خاصة على الأطفال. وأضاف أن إمدادات المياه تصل للمعسكر كل يومين، مما يجعل الكميات المتوفرة غير كافية للشرب. ولكن اللاجئي محمد محمدين كشف لراديو دبنقا عن استئناف توزيع المساعدات الغذائية بواسطة برنامج الغذاء العالمي اليوم الثلاثاء بعد توقف استمر لاسبوع بسبب دخول مليشيات الفانو إلى المعسكر.
وتحد التوترات الأمنية والاشتباكات بين مليشيات الفانو والجيش الفيدرالي من إمكانية وصول المساعدات الإنسانية والخدمات الصحية والامداد المائي في معسكري ترانزيت وأفتيت.
ووفقا للمفوضية السامية لشئون اللاجئين فإن الأمن والخدمات في معسكر المتمة تمثلان مصدر قلق، كما أن الوصول إلى الخدمات، وخاصة خدمات إنقاذ الحياة مثل الرعاية الصحية، يشكل تحديًا أيضًا نظرًا لعدم وجود سيارة إسعاف.
خيارات الوالي
ويتابع محمود الأوضاع في مخيم الاستقبال في القلابات كانت بالغة السوء وتفتقر لكل مقومات البقاء ويضيف اضطررنا للإسراع بمغادرة المخيم خاصة بعد أن خيّرنا والي القضارف بين العمل في القطاع الزراعي أو الالتحاق بمعسكرات المقاومة الشعبية للقتال في صفوف الجيش.
ويضيف لم يكن امامنا سوى المغادرة خاصة بعد أن تسلمنا دعما نقدية من إحدى المنظمات بجانب مساعدات من أقاربنا ، كان خياري ومعي زملاء رافقتهم في رحلة اللجوء إلى إثيوبيا شد الرحال إلى ليبيا لطرق باب جديد للهجرة بحثا عن ملاذ آمن، ووصلنا إلى مدينة الكفرة الليبية بعد معاناة تفوق الوصف. بينما اتجه آخرون إلى مصر وجنوب السودان عبر طرق التهريب المعروفة.
من معاناة إلى معاناة
وأعلنت مفوضية اللاجئين عن تعزيز خطتها لدعم اللاجئين السودانيين في ليبيا، حيث وصل عددهم إلى 97,000 شخص مع تدفق 350 لاجئاً يومياً عبر مدينة الكفرة، التي تعاني من ضغوط كبيرة على البنية التحتية. يتركز منهم 65 ألف لاجئ في مدينة الكفرة وحدها.