رشان أوشي
ولأننا نعيش في السودان، ونغرق في أزماته حيث بؤرة الاشتعال المركزية، فقد بدأ لي أن التحولات المفاجئة صارت القاعدة، والتوقعات المستندة إلى الحسابات السائدة هي الاستثناء.
طوال أمد الحرب على السودان وفي أشد فصولها وأشرسها، تعود العالم على رؤيتها والتفاعل مع تطوراتها بنظرية ” النمر والضحية”، الجميع يترقب (ساعة الصفر) للانقضاض، ويجري سباق محموم بين محاولات الاحتواء ، وترويضها تحت الأسقف القديمة التي ما تزال تعمل حتى اللحظة، ما زال الامريكان يستخدمون معنا نظرية ( العصا والجزرة).
ضغط الامريكان على الجيش السوداني من أجل الخضوع للمليشيات وإعادتها إلى السلطة بشتى السبل ، لم يوفروا حتى سلاح العقوبات ، استنفذوا كل كروت الضغط ، وآخرها اللغة التي صيغت بها الدعوة إلى جنيف ، خاطبت “البرهان” باعتباره قائداً للجيش وليس رئيساً للبلاد ، وكانت توقعاتهم أن يرضخ الجنرالات ويهرولون إلى “جنيف”، ولكن الحقيقة كانت عكس توقعاتهم.
المفاجآت التي غيرت المسارات، بينما كانت تظن “أمريكا” أنها المنتجة و المستثمرة للمفاجآت، كان رد الحكومة السودانية على دعوة “جنيف ” مفاجأة تلخصت في خمس نقاط:
أولاً: لماذا أرسلت الدعوة بإسم الجنرال البرهان دون صفة رئيس مجلس السيادة، هل يعتبر عدم اعتراف بالحكومة القائمة؟.
ثانياً: لماذا لم تتم مشاورة السودان في الوسطاء ومنهم من يساند ويدعم المليشيات المتمردة ؟.
ثالثاً: لماذا لم يتم تنفيذ مخرجات اتفاق المبادئ بجدة؟
رابعاً: أي اتفاق غير اتفاق المبادئ في جدة والذي ينص على إخلاء الأعيان المدنية ومنازل المواطنين لن يكون مقبولاً لدى الشعب السوداني.
رابعاً: قبل الدعوة لأي تفاوض جديد يجب ايقاف دعم المليشيات المتمردة .
خامساً: حكومة السودان لا ترفض الجلوس لأي تفاوض ولكن يجب أن يستند على ما سبق ، ويجب قبل الدخول في أي تفاوض أن تجلس الحكومة الأمريكية مع الحكومة السودانية للاستماع إلى ملاحظاتها .
هذا كان رد مجلس السيادة الانتقالي على دعوة “جنيف” ، وهو الموقف الذي دفع الولايات المتحدة إلى الانتقال من نظرية العصا إلى الجزرة ، ومن ثم هاتف “بليكين” ، الرئيس “البرهان” ، وأبلغه بإعترافهم بحكومته، وان مباحثات “جنيف” ستكون مرجعيتها اتفاق “جدة” ، وأبلغه أيضاً بقبوله اللقاء الثنائي بين حكومتي السودان والولايات المتحدة ، واقترح “بلينكن” أن يكون الاجتماع خارج السودان ، واقترح الجانب السوداني أن يكون اللقاء في “جدة”.
مفاجأة المفاجآت، كان النجاح الصارخَ الذي تحقق من خلال العملية التي ضربت مصالح الغرب لدينا في الرأس ، وهو النشاط الدبلوماسي الشرقي المكثف في السودان خلال الأسبوع المنصرم ،بدايةً بزيارة الوفد الروسي وليس انتهاء بزيارة وزير الخارجية ل”إيران” .
وفي العالم الموازي ، المليشيات تقاسي في ميدان القتال، حيث لم يتوقف نزفُ القيادات وتخسر قائداً كل يوم في دارفور ،الجزيرة ، ام درمان ، والمدهش أن “ال دقلو” لا يُبدون تأثراً، بل عناداً ومكابرةً وسعياً دائماً لتغيير المعادلات، دون النظر ملياً في الإمكانات.
موقف حكومة السودان كان مبدئياً ، لأنها ملت الوعود الأمريكية الكاذبة ، ورأت أن مصالحها الاستراتيجية في الشرق ، واتجهت إلى ذلك بخطوات جادة ، وهو بالطبع ما يسبب رعباً للامريكان ، فالحلف السوداني- الشرقي هذه المرة سيمتد إلى عمق البحر الاحمر ، وستصبح القواعد الروسية حقيقة وليست مناورة ، لذلك سارع “بلينكن” بالقبول بكل شروط الحكومة السودانية، وهي المحاولة الأخيرة لإنقاذ المصالح الأمريكية في السودان، ولكن حسب ظني فقد ( سبق السيف العزل) .
محبتي واحترامي