التجنيد القبلي للمليشيا.. إشعال حرائق جديدة في نيران الحرب

الأحداث – وكالات

نفذت مليشيا الدعم السريع في دارفور وكردفان، خلال الأسابيع الماضية، حملات مكثفة لاستنفار المقاتلين في صفوفها على أساس قبلي مما يضيف مخاوف جديدة عن إطالة أمد النزاع القائم.
وكلفت المليشيا قادة الإدارة الأهلية للقبائل وزعماء العشائر الموالية لها، بمهمة جلب المقاتلين تمهيدًا لتفويجهم إلى مناطق العمليات في العاصمة الخرطوم والفاشر بشمال دارفور ومناطق السودان الأخرى.
وتنامت مع حملات التجنيد، التي تتم على أساس جهوي ومناطقي، مخاوف قوية من أن يتحول الصراع في السودان إلى قتال بين القبائل، خاصة وإن الخطاب الذي يبثه قادة الإدارة الأهلية يشير إلى إنهم يقاتلون في صفوف الدعم السريع من أجل تأكيد وجودهم.
وازدادت حملات استنفار المقاتلين، بعد إعلان قائد مليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو في 9 أكتوبر المنصرم، التعبئة العامة وإصدار أوامر لقواته في الاذونات وقوات الاحتياطي بالتبليغ الفوري لوحداتهم العسكرية لتنفيذ ما أسماها بالخطة “ب”.

ظهور الناظر “نمر”
وفي تأكيد على أن التجنيد لصالح مليشيا الدعم السريع يجري على أساس قبلي، وقف ناظر عموم قبائل المسيرية مختار بابو نمر أمام حشد عسكري ضخم تابع لمليشيا الدعم السريع في مقر رئاسة النظارة بمدينة المجلد، وذلك في أول ظهور له منذ اندلاع الحرب.
وشهد الحشد، إلى جانب مختار بابو نمر قادة المليشيا وقادة العشائر والقبائل في ولاية غرب كردفان التي تُعد مركز ثقل المسيرية، وهي قبيلة ينحدر منها أكبر عدد من قادة وجنود الدعم السريع بعد قبيلة الرزيقات.
وهدفت قبيلة المسيرية من إقامة العرض العسكري في رئاسة النظارة، استنفار مزيد من الجنود والدفع بهم إلى جبهات القتال في الخرطوم والجزيرة وفقًا لأحد قادة الإدارة الأهلية بولاية غرب كردفان.
وفي الأشهر الأولى لبدء الحرب، عارض قادة من قبيلة المسيرية نقل القتال إلى ولاية غرب كردفان والسيطرة على مواقع القوات المسلحة، فيما أيد آخرون خطط الدعم السريع التوسعية في المنطقة.
وأرسل ناظر القبيلة مختار بابو نمر و22 من القيادات في 30 ديسمبر 2023، خطابا إلى حميدتي، يعلنون فيه رفضهم لنقل الحرب إلى مناطقهم وإبعاد الجيش من ديار القبيلة.
وحذروا من اختراق حدود السودان وتدمير منشآت النفط حال إقدام الدعم السريع على مهاجمة قيادة الجيش الرئيسية بولاية غرب كردفان والسيطرة عليها.
ولكن بعد وقت وجيز من الخطاب، هاجمت المليشيا بابنوسة، في محاولة هدفت للسيطرة عليها ولكن دون جدوى بسبب استماتة الجيش في الدفاع عن المدينة وقيادته الرئيسية، لتنقل المليشيا معاركها نحو عاصمة الولاية مدينة الفولة.

قادة الاستنفار
واخذ الاستنفار في جنوب دارفور طابع إثني وقبلي وعنصري، حيث تحدث ناظر قبيلة الترجم محمد يعقوب إبراهيم في منطقة بلبل، عن ضرورة قتال أبناء القبيلة مع الدعم السريع وتدمير الفاشر، وهي طريقة يعتمدها قادة القبائل والعشائر في حشد المقاتلين.

وأسند الدعم السريع لزعماء الإدارة الأهلية في دارفور وكردفان، مهمة حشد المقاتلين بعد أن منحتهم سيارات للتحرك نحو مناطقهم، من أجل حث أبنائهم على القتال في صفوفها ووفقا لقادة أهليون مقربون من هذه الحملات.
وكُلف الأمير علي حسين ضي النور – وهو شقيق مسؤول استخبارات الدعم السريع السابق اللواء مضوي حسين ضي النور – والذي تردد بأنه قتل في غارة جوية في الأيام الأولى لبدء الحرب؛ مهمة الاستنفار داخل قبائل الرزيقات بولاية جنوب دارفور ويساعده في ذلك العمدة علي محمود شرارة والعمدة سعيد ضي النور وآخرون.

وفي قبيلة الفلاتة ينشط ناظر عموم القبيلة الفاتح أحمد السماني البشر.

ويعاون ناظر قبيلة الفلاتة في حشد المقاتلين كل من: العمدة مرجي خليل وهو مدرس أمضى سنوات طويلة في مهنة التدريس بولاية جنوب دارفور، والعمدة عبد الرحمن أبو درة، حيث يشرف عليهم ضابط في قوات الدعم السريع من قبيلة الفلاتة يدعى شيخ حجر وضابط آخر يسمى جلال.

وقالت مصادر أهلية لـ “سودان تربيون”، إن قبيلة الفلاتة أقامت معسكرات لتجنيد المقاتلين لصفوف قوات الدعم السريع في مناطق “سرقيلا، رجاج، بقاقة، النضيف، قليزانة، تخمة، التيس” وهي مناطق تابعة لمحلية تلس وبرام بولاية جنوب دارفور.

وأفادت بأن ناظر قبيلة البني هلبة التوم الهادي دبكة وهو قيادي بارز في حزب المؤتمر الوطني، من أكثر الشخصيات تشددا تجاه الولاء لقوات الدعم السريع حيث يقود حملات جمع مقاتلي القبيلة بنفسه.
وفي قبيلة المسيرية بولاية جنوب دارفور، يتولى غلام الدين التاج عبدالقادر وهو نجل زعيم القبيلة مهمة جمع المقاتلين.

ويقود ناظر قبيلة الهبانية يوسف علي الغالي حملة الاستنفار في مناطق نفوذه، يعاونه في ذلك العمدة طلعت الشناحي وحسن الفهري وعثمان عز الدين علاوة على العمدة الدرة مختار وعباس علي عبدالله وسراج الغالي فضلًا عن سليمان علي عيسى أبو شدة.

مسؤولية القتل والنهب
وقال الصحفي بولاية جنوب دارفور علي منصور، لـ “سودان تربيون”، إن الاستنفار الذي تقوم به مليشيا الدعم السريع وسط القبائل تتم بطريقة فيها نوع من العنصرية ويتم تحفيز المقاتلين على السرقات والنهب والتي يسمونها بالغنائم.
وأضاف: “هذا الأمر قاله محمد يعقوب والتوم الهادي دبكة، لذلك لا يستغرب الإنسان كثيرًا من سلوك الشباب في نهب أموال الناس وقتلهم بدم بارد”.
ورأى بأن اقحام القبائل في المعارك العسكرية هو خطأ كبير مسؤولة عنه الدعم السريع وقادة الإدارة الأهلية الذين انحازوا لهذه القوات من أجل دوافع ذاتية.
واتهم علي منصور قادة الإدارة الأهلية بولاية جنوب دارفور بالتحريض على الفتنة، مشددًا على أنهم مسؤولين عن كل جرائم القتل التي تطال المدنيين ونهب أموالهم واغتصاب النساء.
وأضاف: “هؤلاء القادة ما عادوا يعرفون قيمة الإدارة الاهلية وأصبحوا جزء أساسي من الفتنة وإشاعة الفوضى ويحللوا لابنائهم السرقة والنهب، كما قال الناظر التوم الهادي دبكة بأن المنازل والسيارات والاموال في نيالا هي ملك لهم”.
وذكر منصور، وفقًا لمعلومات استقاها من مصادر متعددة، بأن قائد ثاني بالمليشيا عبدالرحيم دقلو طالب من كل قبيلة في إقليم دارفور تجهيز 600 مقاتل والدفع بهم على الفور نحو جبهات القتال.
وتوقع أن يفشل قادة الإدارة الاهلية في جلب المقاتلين لأسباب من بينها عزوف عدد من الشباب على القتال في صفوف الدعم السريع خوفا من الموت في المعارك.

تأكيد إضافي
وقال رئيس تنسيقية قبيلة الرزيقات الضيف عيسى علي، إن حشد المقاتلين لصالح مليشيا الدعم السريع يجرى على أساس عرقي بخطاب مضلل من قادة الإدارة الأهلية.

وأفاد، في تصريح لـ “سودان تربيون”، بأن الأدارة الأهلية تغرر الشباب بخطابات عاطفية ممزوجة بالحمية القبلية والإغراء بالمال.
وقال الضيف إن خطابات الإدارة الأهلية تقود الشباب إلى المقاصل كالخراف، حيث حولت الحرب إلى “غرابة وشريط نيلي وشايقية”، مما يزيد الوضع تعقيدًا.

وأوضح بأن التنسيقية تعمل على توعية الشباب بخطورة هذا الخطاب التضليلي، مما ساهم في الحد من عمليات الاستنفار، حيث بدأت الأصوات في مناطق سيطرة الدعم السريع ترتفع برفض حشد المقاتلين.

تضييق فرص المصالحة
وقال المهتم بقضايا دارفور المحامي عبد الباسط الحاج، إن خطورة حملات الاستنفار التي تقوم بها الدعم السريع، تكمن في تضييق فرص المصالحة الاجتماعية ومضاعفة التفكك الاجتماعي عبر خلق المزيد من التوترات وإعلاء شأن العصبية القبلية بدلا من المواطنة المتساوية والسلم الاهلي.

وأشار إلى أن ذلك سيكون له تأثير كبير مستقبلا علي الصعيد السياسي عبر التمكين بقوة السلاح بدلا عن المصالحة و المساواة الاجتماعية، كما أن له تأثير اقتصادي لاعتبار قوة السلاح سوف تكون بوابة للثراء و الاكتناز، و تأثير اجتماعي و أمني حيث لا يمكن أن تستقر المنطقة والإقليم في حال انتشار السلاح والتمترس قبليا وبالتالي استمرار دوامة الحرب.

Exit mobile version