تقرير – أمير عبدالماجد
مرة أخرى تعود منطقة الثورة وكرري بأم درمان إلى الواجهة بعد تعرضها، الأحد، لوابل من القذائف أوقع أعداداً من القتلى والمصابين ودمر منازل السكان، الحادثة تفرض سؤالاً متجددا مفاده لماذا كلما طرحت مبادرة أو منبر للتفاوض أرسلت المليشيا العشرات من الدانات إلى منازل المدنيين في كرري والثورات وأم درمان القديمة؟ وماهي الفائدة العسكرية والسياسية التي ستعود على المليشيا من قتل المواطنين في أم درمان خصوصاً وأن المناطق التي استهدفت لا وجود لقوات عسكرية فيها بل حتى الارتكازات غير موجودة في المناطق التي تم استهدافها وهي في أغلبها منازل سكان مدنيين ومساجد وميادين عامة.
استهداف مناطق
كانت المرة الأخيرة التي استهدفت فيها المنطقة بعدد أقل من الدانات قبل أقل من شهر عندما صعد إلى المشهد السياسي حديث عن اتجاه الوساطة لإقامة جولة من المفاوضات بمنبر جدة يومها أمطرت المليشيا منطقة شمال أم درمان بالقذائف وقتلت ما لايقل عن (42) مواطناً بعد استهدافها مناطق تجمعات للمواطنين قبل أن تعود، الأحد، لتمطر أغلب حارات منطقة الثورة بالدانات ابتداءً بالحارات الأولى والثانية والخامسة والثامنة والسابعة والعاشرة مروراً بالواحة والمنارة والحتانة والجرافة وغيرها، وكان القصف قد طال الأحياء القديمة بام درمان مثل الملازمين وبيت المال وأبوروف وحي العمدة وودنوباوي والأخيرة أصاب صاروخاً مسجدها، كما تضررت بعض المنازل في الحي، وفوجئ سكان هذه الحارات التي يسكنها الآلاف بالدانات تتساقط على منازلهم، نهار الأحد، واستمر القصف المدفعي إلى فترة ما قبل صلاة المغرب في بعض المناطق حيث حاول البعض الفرار من المنازل في محاولة للبحث عن ملاذات آمنة ما أوقع قتلى ومصابين بسبب الـ(رائش) الناجم عن عملية تفجر الدانات من حولهم، كما قتل عدد من المواطنين داخل منازلهم بعد سقوط الدانات على المنازل.
أمر غريب
يقول السر العامري وهو من النازحين إلى منطقة الثورات من منطقة بانت، ويعمل في مجال التعليم إن مايحدث أمر غير مفهوم فنحن بعد عام ونصف من اندلاع الحرب ودخولنا إلى العام الثاني لا نكاد نحصل على ملاذ آمن يقينا وأبناءنا شر هذه الدانات التي تطاردنا، وأضاف “فقدت اخي بسبب هذه الدانات التي تطلق عشوائياً علينا قتلته دانة عندما كان عائداً من عمله في (كشك) يبيع فيه بعض البضائع الزهيدة السعر وها نحن أنا وأبنائي ووالدتي وشقيقي الأصغر وزوجة شقيقي الراحل وابناءه نعيش حالة الرعب هذه التي لا تنتهي”، وزاد قائلاً “الناس يتحدثون هنا بأن أي حديث عن مفاوضات يجر إليهم الدانات والقصف مباشرة وهذا أمر غريب ولا يصدق لكنها تجارب الناس هنا وهم يقولون إن مؤتمر القاهرة له علاقة مباشرة بالقصف الأخير الذي حدث لمناطق ام درمان”.
قصف منازل
ويقول السر حمد الباشا وهو من سكان الثورة الثانية إن الربط بين الأحداث السياسية وخصوصاً المفاوضات وبين قصف منازل المدنيين قد يبدو لمن لم يعش هذه الأجواء غريباً لكنه الحقيقة كلما جرى الحديث عن مفاوضات فشلت أو لم تفشل كلما تعرضنا لقصف مكثف من المليشيا وهذا الأمر منذ أيام منبر جدة والتفاوض حول الهدن أيامها كان التدوين مرتبطاً بمخرجات المنبر إذ كلما حدث امر ما في التفاوض “فش الدعم السريع غبينته على رؤوسنا” كما هو الوضع الآن، وأضاف” برأيي الأمور مرتبطة بما حدث في القاهرة لعلها هذه المرة ككل مرة محاولة للضغط على الجيش أو ماشابه وهي في تقديري حسابات خاطئة لأن الجيش لم يستجب ولم يذهب للتفاوض في كل المرات التي جربوا فيها قتل المدنيين بالدانات فلماذا سيفعلها الآن ويوقف القتال ويذهب إلى التفاوض”.
قتل وسحل
ويقول أستاذ العلوم السياسية ياسر غريب الله إن حسابات المليشيا لا تخضع في تقديري لعقل مركزي على الأقل الآن وهي في معظمها اجتهادات من يقاتلون على الأرض وإلا لما استهدف المدنيين بهذه الكثافة من النيران في ام درمان وفي الفاشر وغيرها وحتى بافتراض أن هذا القصف سيجبر الجيش على التفاوض لكنه بالمقابل سيزيد الكلفة الأخلاقية على المليشيا وهي كلفة أصبحت باهظة جداً بعد كل هذا القتل والسحل والنهب والسرقة والتهجير لا أعلم ماهي الأهداف التي يسعى لها قادة هذه المليشيا من استهداف بيوت المواطنين وبيوت الله بالدانات، هذا امر جنوني وعبثي”، وزاد قائلاً “صحيح انه يشبه سلوكها الهمجي لكنه في المحصلة لن يعود لها بنتائج غير المزيد من الثأرات والمزيد من الغبائن والمزيد من الفواتير”، وتابع “لا اعتقد أن مساعدة المليشيا لرفقائها في تقدم عبر قصف بيوت الناس وبيوت الله سيكون في مصلحتهم ولا أعتقد أن الجيش سيجلس معهم لمجرد أنهم أرسلوا الدانات إلى كرري والثورات وأم درمان القديمة”.
عودة مواطنين
وكانت المليشيا قد استهدفت مسجد ودنوباوي ومحطات تقوية الكهرباء وكيبلاتها ومراكز خدماتها في محاولة على مايبدو لمنع تدفق السكان إلى مناطقهم، ولحمل الموجودين في العباسية وغيرها من الأحياء على المغادرة، في وقت تحاول فيه السلطات المحلية مد خدمات الكهرباء والمياه إلى هذه الأحياء لتضمن عودة المواطنين الذين انتظموا في لجان ظلت تزور المناطق يومياً لضمان عودة الخدمات تمهيداً لعودة السكان.