نذر الحرب بين الهند وباكستان ميزان القوى وخطر التصعيد

عبدالعزيز يعقوب
(1)
تتجدد التوترات بين الجارتين النوويتين، الهند وباكستان، في ظل صراع تاريخي طويل لم تهدأ نيرانه منذ تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947. ويبرز مع كل تصعيد سؤال ملحّ، ماذا لو اندلعت حرب شاملة؟ من يملك اليد الطولى عسكريًا؟ وما مدى الدمار الذي يمكن أن تخلفه مواجهة تقليدية، فضلا عن السيناريو الكارثي في حال اللجوء إلى السلاح النووي؟
الإجابة تبدأ من ميزان القوى. نعم، تتقدم الهند على باكستان في معظم مؤشرات القوة التقليدية. فهي تمتلك أكثر من 1.4 مليون جندي نشط، مقابل نحو 650 ألفًا لدى باكستان، وتتفوق في عدد قوات الاحتياط، حجم الأسطول البحري، وسلاح الجو. وتستثمر نيودلهي مليارات الدولارات سنويا في تحديث ترسانتها، معتمدة على طائرات مقاتلة متطورة مثل “رافال” الفرنسية و”سو-30” الروسية، إضافة إلى غواصات نووية وصواريخ باليستية بعيدة المدى من طراز “أغني-5” التي يتجاوز مداها 5 آلاف كيلومتر.
في المقابل، تراهن باكستان على مزيج من القدرات النووية والتكتيكات غير المتناظرة. فهي تمتلك نحو 165 رأسًا نوويًا، وتتبنى عقيدة “الاستخدام الأول” في حال شعرت بتهديد وجودي، على عكس الهند التي تلتزم بمبدأ “عدم الاستخدام الأول”. وتمتلك إسلام آباد صواريخ كروز مثل “بابور” بمدى يصل إلى ألف كيلومتر، وصواريخ باليستية مثل “شاهين-3” القادرة على إصابة عمق الأراضي الهندية.
(2)
رغم الحرص المتبادل على تجنب “خيار يوم القيامة”، إلا أن الحرب التقليدية وحدها كفيلة بإحداث دمار واسع. فالقصف المدفعي المكثف في مناطق التماس مثل كشمير، واستخدام الطائرات المسيّرة وصواريخ كروز الدقيقة، يمكن أن يؤدي إلى انهيار البنية التحتية في المدن الحدودية، ويشعل موجات نزوح جماعي قد تتجاوز مئات الآلاف.
القوة الجوية الهندية، بتفوقها النوعي، قادرة على توجيه ضربات دقيقة إلى أهداف عسكرية واقتصادية باكستانية في مدن كبرى مثل لاهور وكراتشي وإسلام آباد. وفي المقابل، تستطيع باكستان استهداف مدن هندية مثل نيودلهي ومومباي وجايبور عبر صواريخ أرض-أرض أو ضربات جوية باستخدام مقاتلات F-16 وJF-17، فضلًا عن هجمات بحرية من غواصات على الساحل الغربي للهند.
وفي حال اندلاع المواجهة، ستكون عدة مدن في مرمى النيران من الجانبين. على الجانب الباكستاني، تشمل الأهداف المحتملة لاهور، كراتشي، إسلام آباد، وراولبندي. أما على الجانب الهندي، فتُعد نيودلهي، مومباي، أمريتسار، وأحمد أباد أهدافًا رئيسية لأي هجوم صاروخي باكستاني. كما أن مدن كشمير مثل سريناغار ومظفر آباد ستكون في قلب المواجهات البرية والمدفعية.
(3)
ورغم الكلفة الإنسانية الهائلة، إلا أن هناك من قد يستفيد من اندلاع الحرب. شركات السلاح العالمية – من الولايات المتحدة وروسيا إلى الصين – ستكون أول الرابحين من خلال صفقات تسليح ضخمة. كما قد ترى الصين في انشغال الهند فرصة سانحة لتعزيز نفوذها الإقليمي وصرف انتباه نيودلهي عن التوترات الحدودية بين البلدين. في المقابل، قد تستغل الجماعات المتشددة في كلا البلدين أجواء الحرب لتعزيز خطابها وتجند المزيد من المقاتلين، في حين قد تجد بعض الأنظمة الإقليمية في الفوضى فرصة للتغطية على أزماتها الداخلية.
(4)
التصعيد الآني ينذر بالخطر الشديد و لا تقف نذر الحرب بين الهند وباكستان عند حدود التقديرات العسكرية أو التحليلات الاستراتيجية، بل باتت تتجلى في خطوات تصعيدية واقعية على الأرض منذ أواخر أبريل 2025. فقد شهدت منطقة كشمير هجومًا دامياً أودى بحياة عشرات المدنيين، ما فجّر موجة اتهامات متبادلة بين البلدين، تبعتها إجراءات عملية تشي باقتراب خطر المواجهة المباشرة.
أغلقت الهند مجالها الجوي أمام الطيران الباكستاني، وردت إسلام آباد بإجراء مماثل، في حين علّقت نيودلهي العمل باتفاقية مياه نهر السند، وهي من أخطر الرسائل السياسية في تاريخ العلاقة بين البلدين. وعلى الأرض، تزايدت الاشتباكات على خط التماس في كشمير، وأعلنت باكستان إسقاط طائرات مسيرة هندية، بينما تحدثت تقارير عن تعزيزات عسكرية وتحركات لقطع الإمدادات في المناطق الحدودية.
داخلياً، أعلنت باكستان إغلاق أكثر من ألف مدرسة دينية كإجراء أمني، وبدأت تعبئة محلية في المناطق المتاخمة للهند، مع تجهيز ملاجئ وتخزين مواد غذائية تحسبًا للطوارئ. وقد صرّح وزير الدفاع الباكستاني بوجود معلومات استخباراتية تشير إلى هجوم هندي وشيك، مؤكدًا أن الرد سيكون قاسيًا. في المقابل، منح رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الجيش تفويضًا كاملًا للرد على “داعمي الإرهاب”، مما يرفع وتيرة التصعيد إلى مستويات خطيرة.
ختاماً، تظل الحرب بين الهند وباكستان نارًا قابلة للاشتعال، تتغذى على إرث دموي وصراع طويل على الأرض والهوية والسيادة. ورغم أن ميزان القوى يميل ظاهريًا لصالح الهند، فإن باكستان تحتفظ بأدوات ردع حقيقية، لا سيما ترسانتها النووية وعقيدتها العسكرية الهجومية. ومع تصاعد الإجراءات التصعيدية الراهنة، فإن خطر المواجهة لم يعد سيناريوً افتراضيًا، بل احتمالٌ واقعيٌ يتطلب تحركًا عاقلًا من الشعبين وقياداتهما السياسية والاجتماعية، إلى جانب تدخل دبلوماسي دولي عاجل، لاحتواء الأزمة قبل الانفجار.