رأي

معسكري زمزم وأبوشوك… رمز لكراهية الذات

 

عبدالعزيز يعقوب 

(1)

هولاكو لم يكن مجرد قائد عسكري ينفّذ سياسات توسعية، بل كان مشبعاً بكراهية عميقة تجاه رموز الحضارة الإسلامية، كراهيةٌ غرستها أمه في قلبه، ثم غذّتها زوجته من بعد. وقد خصّ الخلافة العباسية والمسلمين بهذه الكراهية، لما مثّلوه من قوة رمزية وثقافية كانت تُناوئ النفوذ المغولي.

ورغم أن الخلافة العباسية كانت في أسوأ حالاتها، فقد رأى هولاكو في الخليفة المستعصم تهديداً مباشراً لهيبة الإمبراطورية التي أراد بناءها على أنقاض الممالك الشرقية. بعد اجتياحه لبغداد عام 1258م، خلّف وراءه صوراً فاقعة في وحشيتها قتلٌ جماعي، دمارٌ شامل، وإحراقٌ للعلم والحضارة. فدُمّرت الحصون، وسُوّيت القصور بالأرض، وأُحرقت المكتبات، وهُدمت المساجد. كل ما كان قائماً في بغداد تحوّل إلى خراب ورماد.

(2)

العواطف في جوهرها غير عقلانية، وفيها ما يشبه المسّ أو الخلل. خذ مثلاً الفيل الضخم يخشى فأراً صغيراً، والمصارع القوي قد يرتعد من عنكبوت. الكراهية، بهذا المنطق، عاطفة غير عاقلة أيضاً، وإذا ما تم تغذيتها، تتحول إلى طاقة متوحشة ومدمّرة، كما حدث مع هولاكو.

 

نفس الكراهية تتكرر اليوم، لا في صور الماضي، بل بأقدام الحاضر. ما فعله هولاكو في بغداد، تفعله ميليشيا الدعم السريع في السودان. الخرطوم أولاً، ثم ولاية الجزيرة، ثم أي بقعة تطأه أقدامهم. مارسوا القتل، والترهيب، والإذلال، والقهر، وسرقوا المدن وسكانها، وسرقوا أحلام الأطفال أيضاً، وكأنها غنيمة حرب.

 

واليوم… معسكري زمزم وأبوشوك للنازحين، وهما من رموز الهشاشة الإنسانية، يقعان تحت ذات السطوة القاتلة. نحو 500 من المستضعفين، من نساء وأطفال وشيوخ، قُتلوا بدمٍ بارد. كانوا فقط يبحثون عن ملاذ آمن، عن خيمة تقيهم هجير الشمس وسموم الصحراء اللافح أو قُرّ الشتاء، وعن لقمة يسدّون بها رمق الجوع، وشربة ماء تخفف عطشهم وترطب اجسادهم . الكراهية هي نفسها التي دمّر بها هولاكو بغداد، دمّرت أرواح هؤلاء، دون رحمة أو وازع.

 

(3)

لم تكن وحشية هولاكو ولا فظائع الميليشيا عملاً عشوائياً. بل كانت استراتيجية محسوبة لبثّ الرعب، وقتل المقاومة في مهدها، وتثبيت الهيبة الكاذبة والجهل الفاضح على حساب الإنسان. في علم النفس، تُفهم كراهية هولاكو للحضارات المستقرة كخوف دفين من حضارات لا يستطيع السيطرة عليها أو التعامل معها بنديّة، فسعى إلى تدميرها.

 

أما الميليشيا فقصتها أدهى، فكراهيتها متحوّرة، تعبير عن مرض أعمق هو كراهية الذات. إذ كيف لإنسان يزعم أنه “يخدم المهمشين”، أن يقتل 500 من أفقر الناس وأضعفهم؟ أناس لا يملكون شيئاً سوى خيام مهترئة على هامش الحياة؟! هذا النوع من العنف لا يصدر إلا عن شخص كاره لنفسه، محتقر لمجتمعه، ناقم على عاداته وقيمه، ولا يرى في الآخرين إلا مرآة تفضح عقده الداخلية.

ختاماً:

رحم الله ضحايا معسكري زمزم وأبوشوك، وتقبّلهم شهداء في ملكوته الأعلى. ونسأله أن يرينا بطشه وعدله فيمن روّع الأبرياء وامتدت يداه إلى دماء المستضعفين. والعزاء لأسرهم، ولأهل الفاشر، ولكل السودانيين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى