مصابنا في مكتبة شمو

د.حسن محمد صالح
*ما لحق بمنزل البروفيسر علي محمد شمو من تخريب ونهب إمتد لمكتبته الصوتية وخزانة كتبه خلال هذه الحرب يعد من أكبر البلايا والمحن التي يعيشها السودانيون في هذه الفترة بسبب الحرب المفروضة عليهم من أعداء هذا الوطن العظيم.
*علي شمو كل شئ بالنسبة للسودانيين يحبونه ويحترمونه ويتنافسون على الظفر به في ندواتهم ولقاءاتهم تشرفت به المواقع والمعاهد والجامعات وحفلت به الفنون والثقافة والعلوم داخل السودان وخارجه.
*أقام شمو للإعلام والاتصال هيبة ومكانة علمية وأكاديمية وبحثية من هندسة الاتصال والشبكات إلى تعليم طلاب المستوى الاول بالجامعات أسس الإعلام ومبادئه وقيمه. ومرتكزاته إلى الاشراف على مئات الرسائل العلمية ماجستير ودكتوراه.
*كون البروفيسر علي شمو خلال تاريخه الطويل في العمل الإذاعي والتلفزيوني والإداري ( ارشيفا) ومكتبة صوتية واقتطع لها من داره ومنزله العامر مكانا يليق بها واراد أن تكون ذاكرة للوطن والاجيال القادمة فهي توثيق لكل الحقب السياسية والثقافية والرياضية السودانية منذ استقلال السودان إلى يوم الناس هذا.
*احتوت مكتبة البروفيسر علي محمد شمو على أحداث كبيرة على رأسها استقلال السودان الذي كان مشاركا فيه بصفته مذيعا في إذاعة ام درمان لحظة رفع علم السودان وانزال علمي دولتي الحكم الثنائي بريطانيا ومصر.
*في مكتبة البروفيسر شمو توثيق للفن السوداني فهو الذي قدم سيدة الغناء العربي ام كلثوم عندما زارت السودان وقدم فنان السودان وافريقيا الأول محمد وردي لإذاعة ام درمان وعرف إبراهيم الكاشف وعثمان حسين وسيد خليفة وكابلي وغيرهم عن قرب.
*وهو أول من قدم برنامج حقيبة الفن عبر الإذاعة السودانية وله توثيق لهذا البرنامج داخل مكتبته المغدورة, وعندما كان مشرفا على رسالتي العلمية كنت أثناء وجودي معه بمكتبه بواحدة من الجامعات العديدة التي يقوم بالتدريس فيها يأتي إليه عدد من ممثلي محطات الإذاعة والتلفزيون يطلبون منه الحديث عن أحد المبدعين أو قضية من القضايا الوطنية أو الإعلامية كنت أحرص على حضور تسجيل البرامج معه من خلف الكاميرا كان يتدفق علما من ذاكرة متقدة و معرفة بتفاصيل الاحداث والاشخاص.
*مكتبة البروفيسر علي محمد شمو وثقت للقوات المسلحة السودانية لأن بروفيسر شمو شارك في الاحتفال الذي اقيم بمناسبة سودنة القوات المسلحة السودانية في 4 يناير 1954م حيث تسلم الفريق أحمد محمد الجعلي رحمه قيادة الجيش من القائد الإنجليزي الجنرال سكونز وهو أول قائد عام سوداني وكان الاحتفال بجامع الخليفة عبد الله التعايشي بام درمان في هذا اليوم تم تغيير اسم القوات المسلحة السودانية من قوة دفاع السودان الي الجيش السوداني.
*وقدم الاحتفال بيوم سودنة القوات المسلحة بروفيسر علي محمد شمو، ( المذيع الشاب) بإذاعة ام درمان التي تاسست في العام 1942م بروفسير شمو يحتفظ بتسجيلات للفريق إبراهيم عبود رحمه الله الذي خلف الفريق أحمد محمد حمد الجعلي في قيادة القوات المسلحة وهو أي الفريق إبراهيم عبود تولى حكم السودان فيما بعد.
*وكذلك الحال بالنسبة الرئيس جعفر محمد نميري الذي عمل معه البروفيسر وزيرا للاعلام وصور البروفيسر مع نميري في صالون بيته من أميز الصور واجملها.
*وقدم بروفيسر علي محمد شمو برنامج الجيش من الإذاعة السودانية منذ وقت مبكر وظل يحتفظ بهذا المحتوي العظيم في مكتبته الصوتية.
*تحدثت معه في لقاء صحفي عن تاريخ القوات المسلحة السودانية فقال لي ان قادة القوات المسلحة كانوا عظماء ومؤهلين تاهيلا عاليا حيث تخرج كل من الفريق احمد محمد والفريق عبود من كلية غردون التذكارية السلك الهندسي وكانوا يجيدون اللغة الإنجليزية والعلوم العسكرية وخضعوا للعديد من الدورات ونالوا ارفع الرتب والنياشين بالإضافة لتميزهم في الإدارة والعلوم الإدارية وقال لي ان الفريق احمد محمد حمد الملقب بالجعلي ليس جعلي وهو من مواليد محمد قول بالبحر الاحمر في العام 1896م وينتمي لقبيلة الشايقية
ذكرت هذا الكلام لكي اوضح للقارئ حجم الماساة والمصاب الجلل الذي اصابنا في هذا الصرح مكتبة البروفيسر شمو وهي مكتبة للسودان وللعالم العربي ولطلاب الإعلام والتاريخ والفن, وذكرت كل هذا لاعبر عن اسفي لما تعرضت له المكتبة الصوتية للبروفيسر شمو من نهب وتدمير ممنهج ونهب سيارته وسيارة ابنه وسرقة محتويات منزله وهو منزل جميل ومرتب وعبارة عن تحفه معمارية.
*لا يمكن ان تكون اليد التي امتدت لمنزل البروفيسر استاذ الاجيال إلا أن تكون هي يد المغول والتتر التي دمرت مكتبة بغداد بقيادة هولاكو التتري في غزوها لعاصمة العباسيين حيث القت قوات التتر بكتب العلماء ومخطوطاتهم في نهر دجله وكذلك مكتبة بغداد ومحتوياتها من الكتب التي عبرو ا عليها النهر بخيولهم الغازية كما تعبر السيارات الجسور في عالم اليوم.
*ذات التدمير الذي احدثه الغزاة التتر في مكتبة البروفيسر شمو امتد إلى مكتبة بروفيسر محمد عمر بشير بجامعة ام درمان الاهلية التي تم حرقها بالكامل وتحولت إلى رماد وشمل الحرق دار الوثائق المركزية وجامعة النيلين قد تم نهبها مما يعني ان هده الحرب حرب استئصال وتدمير ممنهج من جانب الاعداء الذين خططوا ودبروا لمثل هذه الممارسات التي لم يشهدها السودان طوال تاريخه المعاصر . يعتبر البروفيسر علي محمد شمو شاهدا علي كثير من الحقب السياسية التي مرت علي هذه البلاد وهو رجل اعلامي واستاذ جامعي فاعل في الحياة العامة وجاء تعليقه إنه لم يري مثل هذا الحدث في السودان من قبل.
*اللهم احفظ البروفيسر علي شمو وأخلف عليه وعلى أسرته ما فقد وأخلف على شعب السودان ما فقده وعوضه خيرا.
نقلا عن موقع “أصداء سودانية”