في تفسير ما انتهينا إليه من فشل وخراب للوطن

أبوبكر محمد أحمد إبراهيم
بعد 15 أبريل 2023 بأيام، تحديدًا في اليوم التاسع أو العاشر من بداية الحرب، طالبت -من على شاشة التلفزيون العربي- القوى السياسية جميعها بالوقوف مع الجيش وإدانة تمرد حميدتي وقواته. كنت أعلم يقينًا أن كلمتي لا وزن لها في خضم صراع سياسي محتدم، وأنا النكرة بين أطرافه. ولولا الإلحاح من بعض الأصدقاء حولي لما شاركت في تلك الحلقات التي بادرت بالاعتذار عن الاستضافة في برامج شبيهة بها بعد مشاركات معدودة.
منطلقي في الدعوة لنصرة الجيش وفي الرهان عليه، كان وما زال، يتمثل في أنه الخيار الأوفق والأولى. ويترتب على هذا الرهان تأجيل الاختلاف السياسي إلى ما بعد الحرب. كما ذهبت، يومها، إلى أن خسارة الأطراف المدنية ستكون كبيرة إذا انتصر الجيش في معزل عن دعمها له، كما أن التقليل من تداعيات الحرب وكلفتها يبدأ بدعم المدنيين لموقف الجيش سياسيًا ودبلوماسيًا.
تلك المناشدة للمدنيين لم تجد استحسانًا يُذكر في معسكر القوى التي اتخذت من لا للحرب شعارًا لها، وهي وإن كانت لا تمثل كل القوى المدنية إلا أنها تمثل التيار الليبرالي المدعوم غربيًا، عبر مؤسسات راهنت عليه. والشواهد على ذلك كثيرة وبشهادة قيادات منهم. وهذا ما يجب الحذر منه مجددًا، حتى لا تستبدل تلك القوى الخارجية روافعها الداخلية بأخرى بديلة.
في مقاله المنشور في العربي الجديد قبل يومين، بعنوان: مساءلة مسلمات فض النزاع بين الخرطوم ودمشق وغزة، نبه د. عبد الوهاب الأفندي إلى عبارة الوسيط الأوروبي الذي صرح إليه أنهم لن يطلبوا من دولة عربية ناشطة في تزكية الحرب بكف عدوانها عن السودان لأنهم يحتاجون إليها في دعم إسرائيل في عدوانها على غزة.
وتلك العبارة لعمري تفسر الفشل الذي انتهينا إليه، وتلخصه، وتحمل قياداتنا السياسية والسيادية قبل غيرها مسؤولية خراب الوطن، بعجزها عن جمع القوى السياسية على قاعدة وطنية عريضة تحاصر الاختراق الخارجي وتحد من خطابات الكراهية المتبادلة وتحصن الوجدان القومي من التشظي الذي يتقوى به أعداء الوطن. والتحصين يا قوم يكون بالثقافة كما يكون بالقانون، لو كنتم تعلّمون؛ لا بالترضيات والمساومات وتقريب هذا الفصيل وابعاد ذاك.
ندعوا مجددًا لاصطفاف الجميع ضد الفساد والمفسدين، لاستكمال الانتصار على أعداء الوطن في كل ربوعه. انتصار يتلوه البناء من بعد والإعمار على قواعد سليمة، وبإجماع وطني لا يستثني إلا من أبى نصرة الحق والحقيقة؛ فالحقيقة أن هذه الحرب ما كان لها أن تستمر بهذا الوقع المؤلم لولا هذا الخلاف السوداني غير الرشيد.
واهم من يراهن على تنميط الناس أو حملهم على رأي واحد، فالاختلاف -والسياسي ليس استثناء- أمر طبيعي لا يمكن منعه، والمأمول فقط ترشيده وحسن إدارته، وأن لا يتحول لرافعة لخراب الوطن.
اللهم إنا نعوذ بك من الفشل وقلة التوفيق، ومن التعلق بذنوب تجلب الفقر وتسبب الضيق، اللهم وحد كلمتنا وأنصرنا على أعدائك وأعداء وطننا وأمتنا.