عبد الله علي إبراهيم
(مطلوب منا من القوى الحداثية بقبائلها جميعاً ما حيينا التعبئة ضد الفلول الكيزان كالشيطان الأكبر نزبد في وجههم بالغضب على سوءتهم فينا. وهي دعوة قصرت الشر على الكيزان مضربة عما عداه من شر كالدعم السريع مضرب مثل في العالمين. وفي المقام واتتني كلمة كتبتها عام 1999 في بابي “ومع ذلك” بجريدة “الصحافي الدولي” عن سرمدية التظاهر فينا حتى بعد أن يتضعضع الهدف من التظاهرة، أو يتوارى. وقلت مرة إن ذلك فينا مثل أسطورة سيزيف الذي عاقبته الآلهة الإغريقية بحمل صخرة إلى قمة جبل، فما تدحرجت من القمة حتى عاد يحملها إليها من جديد. وهكذا دواليك إلى الأبد. فتريد لنا قحت حمل صخرة الكيزان حتى قيام الساعة نرتفع بها صعوداً إلى الججل ثم تتدحرج عنا، فنعيد حملها إلى القمة. وهذه لعنة لا سياسة. فاللعنة سياسة من إله غضوب حرون تجمدت في الزمن.
إلى الكلمة:
كان المرحوم الشيخ (أو حسب الرسول) رحمة الله، المحامي المرموق بالأبيض، ذا دعابة ومرح ذكي. حكى لي يوماً قصة مظاهرة طريفة في ود مدني اشترك فيها على أيامه بالمدرسة الأهلية الوسطى بالمدينة في النصف الأول من الخمسينات. كانت إدارة المدرسة اتفقت مع دار للسينما لعرض فيلم تعليمي ترفيهي أرادت به توسيع مدارك الطلاب. ولما بلغوا دار السينما اكتشف الطلاب أنها قد ألغت العرض بغير سابق إنذار. وغضب الصبية، واحتجوا، وثاروا، وهتفوا بسقوط الفيلم والسينما وأصحابها. ولم يغير احتجاجهم من الأمر شيئاً. فاندفعوا مغيظين إلى شوارع المدينة نحو المدرسة في مظاهرة خيبة ونكسة يهتفون في وجه كل متجر وكشك ويافطة وعربة تاكسي وهلمجرا. ومروا في مظاهرتهم المحموقة الخلو من الهدف بنادي النور الثقافي في المدينة. فتوقفوا عنده، وتوجهوا ناحية يافطته، وهتفوا بعبث وغصب:
– نادي النور الثقافي، نادي النور الثقافي، نادي النور الثقافي.
ثم انصرفوا لهدف آخر.
وٌلدت السياسة الوطنية السودانية في أشواق المعارضة ضد الاستعمار الإنجليزي وحرارتها. جاءت هذه السياسة إلى سينما الاستعمار ووعده الكتشنري بالمدنيةوالعمران والحرية والإسلام. ولم نصب من ذلك شيئاً. فثرنا عليه حباً في “عزة” التي هي الوطن و”معهد وطني العزيز” وأنا آه أنا آه أنا آه. وهتفنا: يسقط الاستعمار، ألا يسقط الاستعمار. وكان ذلك هتافاً حقاً وغضباً محقا. وسقط الاستعمار، وأٌسقط في يدنا. تفرقنا أحزاباً وشيعاً وطوائف وطغما بلا هدف جميل ولا غاية مثلى في شوارع البلد وغاباتها وجبالها وشوارع البلاد المجاورة وغاباتها نهتف في وجه من نلقاه ومن لا نلقاه بكل شعار وبغير شعار، بهدف وغير هدف. ومتى بلغنا نادي النور الثقافي سنهتف هتاف صبية مدرسة مدني الأهلية:
نادي النور الثقافي، نادي النور الثقافي، نادي النور الثقافي
(من أرشيف ومع ذلك 1999)