رأي

عطبرة.. إطلاق النهضة الاقتصادية

 

علي عسكوري 

*تشهد مدينة عطبرة حاليا نهضة اقتصادية وعمرانية ملحوظة تسير بإيقاع متسارع لا تخطئه العين.

*غبت عنها لأقل من عام ورجعت فاختلط على الأمر حتى شككت اننى أزور مدينة أخرى.

*تتميز مدينة عطبرة بموقعها الاستراتيجي كونها تقع في تقاطع طرق قومية.. طريق بورتسودان الخرطوم، ابوحمد عطبرة، مروى الدامر، وغيرها من طرق ترابية قادمة من كسلا والقضارف.

 

*وهكذا توفر للمدينة موقعا تتمناه كل المدن لأجل ازدهارها ونهضتها.

 

*وقبل أن نمضى لمناقشة أسباب النهضة الحالية، يتوجب علينا انعاش الذاكرة بأحداث الماضي القريب.

 

*كانت عطبرة أول المدن التي استهدفتها الانقاذ بالتدمير وتشريد العاملين من السكة حديد التى كان يعمل بها غالب سكان المدينة. فتم فصل عشرات الآلاف من العمال والموظفين دون سبب واخرجوا من المنازل ليهيموا في الطرقات فضربهم الفقر والمسغبة لسنوات. المؤسف أن من قام بذلك الفعل محسوب على الولاية، ورغم سقوط الانقاذ وذهابها، لم يفتح الله على الرجل بكلمة اعتذار لاؤلئك المواطنين الذين شردهم ظلما. كان الرجل – كعادة غلاة الانقاذيين- يعتقد أنه يقيم أمر الله بذلك الفعل، إذ ترسخ عند الانقاذ والاسلاميين بصورة عامة ان المدينة هي موطن اليسار وان في تحطيمها تحطيم لليسار وقواعده. تصرفت الانقاذ وكأن اليسار او الشيوعيين ليس لهم الحق للعمل في وطنهم! وهكذا أطلقت الانقاذ موتوريها لتدمير حياة سكان المدينة وقطع ارزاقهم، ثم انقضت على السكة حديد نفسها واكملت دمارها كما نشاهد اليوم. ولم تتوقف الانقاذ عند ذلك، بل طال الاعتقال والتعذيب الكثيرين من ابناء المدينة امعانا في اذلالهم واجبارهم على مغادرتها.

 

*مررت بالمدينة منتصف العام 1991م وصدمت من حجم الخراب الذى طالها، وقلت في نفسي لابد أن زلزالا قويا قد ضرب المدينة وتسترت الحكومة عليه لقد اصابتني حالة اكتئاب شديد مما شاهدت من خراب ودمار. الخراب والفقر والبؤس واليأس في جميع الانحاء. دون شك، لقد اجهزت الانقاذ على المدينة وقتلتها.

 

*وتمر السنوات لتنطلق شرارة إسقاط الانقاذ من ذات المدينة التى عملت الانقاذ كل ما في وسعها لقتلها، تلك هى حكمة الله البالغة، فبينما عملت الانقاذ على دمار المدينة والقضاء عليها عادت المدينة لتطلق رصاصة الرحمة على نظام تآكل واهترى، وقد كان بعض سدنته يقولون انهم (سيسلمونها للنبي عيسى عليه السلام)، وها قد هبط عيسى عليه السلام عليهم مبكرا.

 

*بينما استنفذت الانقاذ كل طاقاتها لتدمير المدينة، كانت إرادة الله لبث الحياة فيها ورفع الظلم عن كاهل أهلها أقوى . فبعد تشريد العاملين وتدمير السكة حديد عوض الله المدينة باكتشاف الذهب حولها فدبت الحياة فيها من جديد وأصبحت المدينة قبلة لمئات الآلاف من المعدنين الذين يحملون الذهب الى سوقها فارتوت عروقها و برعمت افرعها واخضرت شجيرتها وازهرت واثمرت! تلك هى عدالة السماء، فقد أبدل الله اهل عطبرة السكة حديد بالذهب ولتشرب الانقاذ وموتوروها الظلمة من البحر.

 

*ضخ المعدنون وشركات التعدين اموالا طائلة في اسواق المدينة فازدهرت الحياة من جديد ونهضت البنايات الشاهقة والمنازل الفارهة واينما ذهبت في أحياء المدينة تستوقفك النهضة العمرانية المتصاعدة. أنها ظاهرة تثير الإعجاب وتؤكد قدرة اهلنا على البناء والتعمير. أينما ذهبت تنهض العمارات و تتوفر المولات التجارية الراقية ولا تزال المحلات تفتح بتسارع ملحوظ.

 

*اما العامل الآخر الذى ساهم في تسارع نهضة المدينة أو الولاية بصورة عامة فهو انتقال شركات واعمال لاحصر لها اليها. على طول الطريق بين الدامر وعطبرة تنهض مئات المصانع وتتسارع خطى التشييد والانتاج. هذا الطريق الذى لم يكن فيه في السابق الا مصنعي الاسمنت على غربه تحول الان الى منطقة صناعية كاملة ولا تزال جملونات المصانع تنهض كل يوم ولله الحمد.

 

*ايضا ازداد سكان المدينة من حوالى خمسة وسبعين الفا الى حوالى مليوني نسمة (التقدير من عندي) والراجح ان الرقم يتجاوز ذلك اذا اضفنا سكان القرى حول المدينة التى ازدحمت هى الأخرى بالنازحين من الحرب.

 

*الزيادة الهائلة في سكان المدينة قادت الى توسع السوق نتيجة لازدياد اعداد المستهلكين ونتج عن هذا ازدهار اضافي في السوق لتوسع حجمه.

 

*لاشك ان التحولات التى حدثت في العقد الاخير سواء في مجال التعدين او النتائج المصاحبة للنزوح من العاصمة وضعا عطبرة والدامر على طريق نهضة وتحول كبير يمكن ان يكون في مقبل السنوات سببا لنهضة البلاد بأسرها.

 

*ورغم كل ما ذكرنا للاسف يلاحظ ان هنالك قصور فاضح في صحة البيئة والنفايات و اكوام القمامة التى تغطى الطرقات والميادين والفسحات، وهو أمر يجب على محليتي عطبرة والدامر القيام بمعالجته على وجه السرعة، اذ لا يعقل ان تكون شوارع وطرقات المدينتين بهذه الصورة الصادمة.

 

*يلاحظ ايضا غياب حكومة الولاية عن قيادة هذه النهضة وانعدام الخطط المرشدة فالنهضة الاقتصادية والعمرانية لا تحدث خبط عشواء. كل من يعبر الكوبري وينظر الى ضفتي نهر عطبرة يشعر بالخجل من الاهمال ونبات العشر والطرفة والمسكيت يغطيها، رغم ان هذه المناطق يمكن ان تكون جنة ان توفرت الخطط الهندسية والإرادة الماضية.

 

*تحتاج الولاية الى كبري آخر على نهر عطبرة شرق الكبري الحالى يكون مخصصا لعبور الشاحنات الى الخرطوم لان عبور الكوبري الحالى اصبح يستغرق وقتا طويلا ويسبب إزدحاما صعبا طوال اليوم. وأعتقد ان الأفضل تشييد كبري عند منطقة الشاحنات ليعبر المناطق الزراعية في الجنوب الشرقي لمدينة الدامر ويلتقي بشارع التحدي عند قهاوى العالياب (مثلا)! وايا كان موقع الكبري الا ان امر تشييده اصبح امرا ملحا حتى لا تتأثر حركة التجارة ويتعطل انسيابها.

 

*ختاما التهنئة لسكان عطبرة والدامر بعملهم الدؤوب لإحداث هذه النهضة الاقتصادية التى تشهدها مدنهم فهم يستحقونها بعد استهداف الانقاذ لهم، وكما علمت مدينة شندى ايضا تسير على ذات الطريق ويجب عليهم وعلى حكومة الولاية اهتبال السانحة والبناء عليها ليكونوا رأس الرمح في نهضة بلادنا المرجوة.

 

*آمل ان يكون ما يحدث في عطبرة والدامر وشندى حافزا لمدن أخرى لتنتبه لحالها، فمقومات النهضة متوفرة في كل مدننا.

 

هذه الأرض لنا

 

نقلا عن “أصداء سودانية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى