رأي

سودان ما بعد الحرب: بين إعادة الإعمار وإعادة الأخطاء 

 

راشد شاويش

أزمة القيادة في السودان

1. لماذا نفشل دائمًا في اختيار القادة؟

2. كيف أصبح نشطاء مثل خالد سلك والفكي في مواقع صنع القرار؟

3.لماذا نبحث عن رموز بدلاً من قادة حقيقيين؟

5. هل تُبنى الدول بالشعارات أم بالكفاءة؟

لطالما كان السودان غارقًا في دوامة إعادة إنتاج الفشل، ليس لأن موارده شحيحة أو لأن شعبه يفتقر إلى الذكاء، بل لأننا لم نتعلم كيف نختار القادة.

ظللنا نبحث عن شخصيات بطولية بدلًا من قادة حقيقيين، عن أصحاب الشعارات الرنانة بدلًا من أصحاب الرؤية، عن رموز الثورة بدلًا من مهندسي الدولة. والنتيجة؟ دورة لا نهائية من الأزمات والانهيارات.

من أين تبدأ أزمة القيادة؟

تكمن الأزمة في الطريقة التي نصنع بها القادة، فالسودان لا ينتج قياداته بناءً على الكفاءة أو القدرة على الإدارة، بل على القدرة على إثارة العواطف وتحريك الجماهير. فالثورات، بطبيعتها، تخلق رموزًا بسرعة، لكن الدولة لا تُبنى بالشعارات، بل بالإدارة الرشيدة.

عندما اندلعت ثورة ديسمبر 2018، كان الشارع يبحث عن وجوه جديدة تمثل “التغيير”، فتم اختيار قادة بناءً على قدرتهم على الخطابة والتعبئة، وليس بناءً على قدرتهم على إدارة دولة بحجم وتعقيد السودان. لكن التحدي لم يكن في هؤلاء الأشخاص فحسب، بل في آلية تفكيرنا الجماعية، التي تخلط بين الثائر والإداري، وبين المتحدث الجيد وصانع القرار الفعّال.

الثورات لا تصنع قادة الدولة

الثورة تُسقط الأنظمة، لكنها لا تخلق قادة أكفاء. في السودان، كل مرة تسقط فيها حكومة، يُفتح الباب على مصراعيه لشخصيات جديدة تدخل المشهد، بعضها يتمدد من ساحات النضال إلى مواقع السلطة دون أي تأهيل حقيقي. النتيجة؟ إدارات هشة، قرارات مرتجلة، وصراعات داخلية لا تنتهي.

الحكومة الانتقالية بعد 2018 كانت خير مثال على ذلك. شخصيات مثل خالد سلك، محمد الفكي، نصر الدين ، مدني ، مفرح، والقراي، وغيرهم، لم يكونوا رجال دولة، بل ناشطين سياسيين وجدوا أنفسهم فجأة في مواقع صنع القرار. لكن الدولة ليست ساحة احتجاج، والسياسة ليست مجرد بيانات عاطفية، بل منظومة معقدة تحتاج إلى خبرة، معرفة، وحنكة في إدارة الأزمات.

كيف يتم تضليل الجماهير؟

أحد أكبر أسباب فشل القيادة في السودان هو التلاعب بعواطف الجماهير. لدينا ميل دائم لتمجيد الشخصيات دون مساءلتها، نرفع الأشخاص بسرعة إلى مصاف الأبطال، ثم نصدم عندما يثبتون فشلهم في إدارة الدولة.

هذا التلاعب ليس عفويًا، بل تغذيه وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، التي تحول الشخصيات العامة إلى “رموز”، وتخلق حولهم هالة تمنع أي نقد حقيقي لهم. وهنا تكمن الخطورة: حين تصبح القيادة مسألة عاطفية بدلًا من أن تكون مسألة كفاءة، فإن الفشل يصبح محتومًا.

الحل: كيف نصنع قادة حقيقيين؟

إذا أراد السودان أن يكسر هذه الحلقة المفرغة، فإنه بحاجة إلى إعادة تعريف مفهوم القيادة. لا نحتاج إلى “قادة شعبيين”، بل إلى رجال دولة حقيقيين لديهم القدرة على اتخاذ قرارات صعبة وإدارة الأزمات بحكمة.

1. الكفاءة قبل الولاء: يجب أن يكون معيار القيادة هو القدرة على الإدارة وليس الانتماء السياسي أو الأيديولوجي.

2. التدريب والتأهيل: لا يمكن أن تستمر الدولة في تجربة الهواة في مواقع السلطة، بل يجب أن يكون هناك مسار واضح لتأهيل القيادات الجديدة.

3. مساءلة القادة: لا يجب أن نرفع الأشخاص فوق النقد، بل يجب أن تكون هناك محاسبة واضحة لأي مسؤول يفشل في أداء مهامه.

4. وعي مجتمعي جديد: لا بد أن يدرك السودانيون أن الشعارات لا تبني دولة، وأن البطولة الحقيقية ليست في إسقاط الحكومات، بل في بناء نظام مستدام.

ختاما

السودان ما بعد الحرب يواجه مفترق طرق: إما أن نستمر في إنتاج نفس الأخطاء عبر اختيار قادة غير مؤهلين، أو أن نتوقف لحظة لنفكر في كيفية بناء قيادة حقيقية قادرة على إخراج البلاد من دوامة الفشل. التغيير لا يبدأ من القادة وحدهم، بل من المجتمع الذي يقرر أي نوع من القادة يستحق أن يقوده.

فهل حان الوقت لكسر الحلقة المفرغة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى