رأي

رجال حول القوات المسلحة (39).. العقيد الركن عثمان أبكر محمد …… سلطان الفاشر والمدرعات

العميد م. د.محمد الزين محمد

العقيد الركن عثمان أبكر محمد إسماعيل، إبن مدينة الفاشر، أرض السلطان وحملة القرٱن برواياته المختلفة، وكسوة الكعبة المشرفة ومأمن اللائذ والعائذ، والقرٱن فجريا يتلى على مسامع الناس، وبه تربى الناشئة تحفيظا وتجويدا وعملا . يقول الشيخ قريب الله رضي الله عنه
لله درُّ السادة العُبّاد أهل الهداية والسّنا الوقّاد في هذه الرياض المونقة ، والمضمخة بمسك القرٱن، ومجالس العرفان، وموائد الٱحسان وأوراد الطريقة التجانية، وصلاة الفاتح لما سبق. في هذه المجالس الإيمانية ، ولد وترعرع فارس المدرعات العقيد الركن/ عثمان أبكر محمد إسماعيل على تقوى من الله ، وعلى فروسية أهلها الشجعان، أهل الحوبه والنجدة تربى عثمان على قيم أهله الشرفاء والعظماء، أصحاب المجد التليد.
التحق عثمان بالكلية الحربية السودانية ضمن الدفعة الثامنة والأربعين، وهناك بدأت تترسم فيه ملامح القائد، والمجاهد، كما ارتسمت على قسماته سمات الرجال الأقوياء الأوفياء . ابتُعث إلى سوريا لدورة في المدرعات، وعاد بعدها إلى الوطن ليبدأ رحلة عمل عظيم في سلاح المدرعات بالشجرة.
يعد عثمان أبكر أحد معالم معركة الكرامة فقد قاتل فيها بشرف، ومروءة عالية، شعاره الله والوطن، لذا لم يثاقل أو يتراجع بالرغم من أصابته، فقد ظل يقاتل في الميدان و ينازع الموت ويصرعه بفضل إيمانه الراسخ ، وعقيدته الثابتة .
في كل محطة من محطات خدمته ترى أثره واضحا وجليا، عمل في الورش الفنية، وكان متقنا لعمله و مجودا له، كما تعلم لغات مختلفة فأتقن الإنجليزية والصينية، و خبر مصانع الدبابات في الصين، قاد الكتائب، و خدم في نياﻻ، كما قاتل في كادقلي، و تنقل بين ألوية الشجرة ، ونيالا والجنينة، وكلما حلّ مكانا كان نافعا ويخلّف فيه أثرا واضحا و بصمات لا تمحى.
كما عرف بجمال إنسانيته ، ومروءته، فتراه ينظم معيشة جنوده، يبني لهم مقرات تليق بهم، ، ويفتح دورات تدريبية تمتد لعدة أشهر.
حين تسللت مليشيات الجنجويد إلى الجنينة غدراً وخيانة، لم يتردد عثمان، فكان في قلب المعركة، بل تقدّم الصفوف وقاد معركته بنفسه، حسمها في يوم واحد بالسلاح الحي، طرد المتمردين، استعاد المسروقات، وخلف وراءه سيرة و درساً بليغاً لكل من يحاول أن يعبث بأمن البلاد. كانت تلك المعركة واحدة من شواهد كثيرة على شجاعته وبسالته التي لم تكن يوماً شعاراً، بل كانت عقيدة يسير بها.
عاد العقيد عثمان بعدها إلى الشؤون الفنية بسلاح المدرعات، وكانت همته كأنها لا تعرف الكلل، أصرّ على إصلاح كل دبابة وكل مدرعة رغم قلة الإمكانيات وشح الموارد، أصلح واحدة وستين مدرعة قبل الحرب، وما إن اندلعت نيران القتال حتى واصل عمله وأشرف على إصلاح ثمانين مدرعة أخرى، وهو بين دخان الحرب وشدة المعارك لا يضعف ولا يلين
في فجر العشرين من أغسطس لعام 2023، هاجمت قوات العدو سلاح المدرعات من ثلاثة محاور في هجوم ضارٍ، لم يتوقف عثمان ينتظر التعليمات، بل اندفع وسط القصف ليوصل البلاغ بنفسه إلى القادة، وقاد كتيبته التي تجاوزت مئتي جندي نحو الجبهة الشرقية. كان يقاتل بروحه، يوجه دباباته بيديه، يمسك سلاحه الشخصي ولا يبارح الخطوط الأمامية، يتحدث بجهاز الإشارة وسط المعركة وهو يوزع المهام ويوجه الرجال. استشهد أمامه رفيق السلاح المقدم المهندس عبد الله الطاهر وهو يطلق قذيفة (آر بي جي)، ثم باغتته رصاصة قناص اخترقت رأسه وأسقطته مغشياً عليه، ظن الجميع أنه قد مضى شهيداً ، ويأبى قدر الله إلا أن يحفظه
وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمان
لاحظ أحد جنوده حركته الخفيفة، فخاطروا بأرواحهم، سحبوه وسط الرصاص، والقناص لا يزال يصوّب حتى صوب على العربة التي أقلته.
دخل عثمان في غيبوبة ودخل العناية المركزة، ثم أُجريت له عملية إخلاء معقدة بمستشفى كرري . في تلك اللحظات، حينما كان فاقداً لوعيه، ظل يردد في غيبوبته: “اللهم أنت مولانا فلا مولى لنا سواك… اللهم أنت ناصرنا فلا ناصر لنا إلا أنت.” هكذا كان عثمان حتى في وهنه ينادي ربه بثقة الجندي الذي يعرف أن المولى لا يُخذل جنوده وان الله ناصرهم ولو بعد حين .
العقيد الركن عثمان أبكر اسمٌ شريف وعظيم في تاريخ الجندية ، ومعركة الكرامة وجدير يحفظ في الذاكرة الوطنية. الله أسال له الشفاء وتمام العافية وأن يتقبل أعماله وتضحياته إنه ولي ذلك والقادر عليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى