رجال حول القوات المسلحة (29).. العقيد بشير قمر الدولة.. إبن سالم الأرباب قيدومة العيال… ركازة للمرهاب

العميد م. د. محمد الزين محمد
من الحصاحيصا ومن عيال أب جويلي جاءت ارومة العقيد بشير قمر الدوله… الذين كمبلوا وعرضوا، وسمعت عنهم بنات البلد، سمح الخبر جابوا، كما صدح وتغنى بها ود الأمين أجمل ما غنى. تشرب وتربى وترعرع بشير مثل وقيم الجزيرة بكل تفاصيلها الحضرية والريفية، ثم منابيع أهله وعشيرته الكرماء.
بيته بيت دين، وورع ، وتقوى، يُتلى فيه القرٱن وتُنشد فيه المدائح وتُرفع فيه الدعوات كما تُرفع الرايات، خصيبا بكل ما هو خير.
جده سالم الأرباب من أعمدة الصلاح والكرم، وجدته الحاجة سرّارة بت الدالي من النساء الفضليات، اللائي نظمن شعر التراث، والحض على المُكرمات، وبث الفضائل في نسيج الأغاني، وهي صاحبة الأنشودة الرائعه
عيال أب جويلي الكمبلوا وعرضوا
لبنات البلد سمح الخبر جابوا
غني وشكري يا خدرة الورتاب
فوق ود الفحل الليلة جبتا الجواب
حقيت الاسم يا سالم الأرباب
قيدومة العيال… ركازة للمرهاب
أما والده، فكان من كبار مدّاحي المصطفى صلى الله عليه وسلم، صوته يملأ مجالس السمانية من طابت الشيخ عبد المحمود ، إلى جبل أم مرحي بالشيخ الطيب، حيث منبع الطريقة السمانية ينشد
أم مرحى فوق جبلنا اصلو الاكسير معدنا
السر بالكوب والشنة كل الغشاهو تهنى
في هذا الجوّ، المفعم بالدين والصدق ، وجلال السماع تشرّب بشير قمر الدولة الصلاح ، والفلاح، والشهامة، والفروسية ليس فقط بوصفها الحسي، بل كان يراها مسؤولية. تجاه دينه ووطنه، فما عند الله خير وأبقى.
نشأ قوي البنية، وحازم النظرة ، فيه من سمت الصوفي العارف وجسارة الفارس، وهل التصوف إلا فتوة ؟ .لم يتردّد حين خُيّر بين مسار العلم المدني أو طريق الجندية ، فاختار الكلية الحربية – الدفعة 49 .ولم يكن الجد طبعه الوحيد، بل كان في قلبه مساحة للتواضع السمح، والرفق واللين وهي صفة المؤمن الحق، ما طعم طعاما دون جنوده، ولا أغلق بابه في وجه محتاج.
ومنذ دخوله المؤسسة العسكرية، لم يكن رقمًا في صف، بل صوتًا يُسمع وقت الصمت، وظلًا يسبق الجميع وقت المواجهة. قاتل في أكثر من جبهة، وكان دومًا حيث يكون الخطر الأكبر. ضابطٌ يُتقن التخطيط ، ويقدّم نفسه قبل غيره
انتُدب لفترة إلى قوات الدعم السريع قبل تمردها، في محاولة لترقية أدائهم المهني والأخلاقي، ثم عاد بعد أن رأى فيهم ما رأى!!!.
عمل معي في بداية العشرينية الثانية من هذا القرن، ومنذ ذلك الوقت عرفتُ خصاله الحميدة وخلاله النبيلة، كما هي دون تصنّع أو رياء، او تملق بل صحبة صادقة وخوة صالحة وعقل نيّر وعمل مشترك لرفعة القوات المسلحة (تيم ويرك نت ويرك) . وكان محل تقديري وثنائي. بل والجميع فالرجل من معادن الرجال الأفذاذ في خلقه وعمله
أصيب في معركة الكرامة ، وأجريت له عملية، سُئل عن الألم، فأجاب: ” الألم تذكير بأن هناك ما يستحق التضحية.”عبارة واحدة، تلخص فلسفته في الحياة والتي تقوم على الإيثار وهو مقام رفيع عند السادة المتصوفة لو تعلمون (الإيثار لا يعول عليه الكبار فهو أداء أمانة).
في 15 أبريل 2023، عندما اندلعت الحرب في غابة الخرطوم، لم يختبئ وراء الرتب، بل تقدّم وقال: “ابدأوا بي، فأنا أعرف هذا العدو.” أُصيب في يده اليمنى أصابة كبيرة، ولكن زادته قوة الى قوته . نُقل إلى القاهرة للعلاج، وما خبت عزيمته. بشير قمر الدولة ليس مجرد اسم في قوائم الضباط، بل صوت وصولة، وجولة، وعرضة. الم تقل جدته :
حقيت الاسم يا سالم الأرباب
قيدومة العيال… ركازة للمرهاب
بارك الله في صحته وعافيته وحفظه من كل شر.