دمج وزارتي الصناعة و التجارة.. دعوات للتراجع عن القرار

تقرير – رحاب عبدالله
استهجن صناعيون وخبراء اقتصاد وأصحاب منشآت صناعية قرار رئيس الوزراء بدمج وزارتي التجارة والصناعة ، الذي أعلنه خلال طرحه لملامح حكومته التي سيتم الإعلان عنها في غضون الأيام القادمة.
رفض واسع:
استنكر الامين العام السابق لاتحاد الغرف الصناعية عبدالرحمن عباس ما اعلنه رئيس مجلس الوزراء د.كامل ادريس عن دمج وزارتي الصناعة والتجارة في وزارة واحدة ضمن حزمة إصلاحات هيكلية حكومية تهدف إلى تقليص الإنفاق وتبسيط الجهاز التنفيذي، وأعلن رفضهم القاطع لدمج وزارة الصناعة مع التجارة.
وطالب بفصل وزارة الصناعة عن التجارة، وشدد على أهمية ان تكون الصناعة وزارة لوحدها لأنها تحقق ايجابيات كثيرة للدولة وترفع من شأن الدولة صناعيا خاصة فيما يتعلق بالتصدير، ودعا لعدم تكبيلها من خلال دمجها مع وزارة التجارة، واعتبرها بذلك تكون غير فعالة، لافتا الى أن المرحلة الراهنة مرحلة إعادة إعمار بعد الدمار الذي احدثته الحرب خاصة القطاع الصناعي الأمر الذي يتطلب رؤية تنموية لأن الصناعة تعتبر رأس الرمح في اعادة اعمار البلاد.
الضحية الصامتة:
وانتقد بروفيسر احمد عبيد حسن قرار دمج وزارتي الصناعة والتجارة في وزارة واحدة ضمن حزمة إصلاحات هيكلية حكومية تهدف إلى تقليص الإنفاق وتبسيط الجهاز التنفيذي في ظل ظروف اقتصادية وأمنية معقدة تمر بها البلاد. ورأى انه بقدر ما يمكن تفهُّم الدوافع السياسية والإدارية لهذا القرار، إلا أن النظر إلى موقع “الصناعة” في المشهد السوداني اليوم يدعو إلى وقفة تأمل جادة، وإلى مراجعة هادئة لهذه الخطوة، خصوصاً في هذه المرحلة التي تقتضي رؤية تنموية بعيدة المدى، لا تكتفي برد الفعل أو منطق تقليص الهياكل.
مضيفا أن الصناعة في السودان اليوم ليست مجرد “قطاع اقتصادي”، بل هي عمود فقري لإعادة الإعمار، وصمام أمان لتعافي الاقتصاد الوطني، ومفتاح رئيس لمعالجة البطالة، وتثبيت الاستقرار الاجتماعي، وخلق القيمة المضافة محلياً بدل تصدير المواد الخام، ومن هذا المنظور، رأى إن دمج الصناعة ضمن وزارة ذات طبيعة تجارية قد يحمل في طياته مخاطر تمييع أولويات التنمية الصناعية أو تهميش ملفاتها المعقدة والمركبة، لصالح أجندة التجارة الآنية، التي غالباً ما تكون أقرب إلى متطلبات السوق اليومية منها إلى تخطيط استراتيجي بعيد المدى.
واوضح انه في بلد مثل السودان، ما زال يعتمد بدرجة كبيرة على تصدير المواد الخام واستيراد معظم احتياجاته الصناعية والاستهلاكية، تبدو النهضة الصناعية ضرورة لا رفاهية ولا يمكن لهذه النهضة أن تتبلور من دون مؤسسة وزارية ذات هوية صناعية واضحة، لديها القدرة والموارد البشرية والهيكل الإداري لصياغة سياسات تصنيعية وطنية، وتوفير البيئة القانونية والتمويلية، والتنسيق مع الجهات الأخرى، داخلياً وخارجياً، لإنشاء وتطوير مناطق صناعية، وجذب المستثمرين، وفتح الأسواق أمام المنتجات السودانية.
واشار الى ان تجربة دمج الصناعة مع التجارة شهد فشلا ذريعا في حكومة الثورة في 2019 وقبلها في كل الحكومات التي كانت تنظر لوزارة الصناعة كوزارة محاصصة. كما انه في عدد من الدول النامية أظهرت، في أغلب الحالات، أن الصناعة تصبح “الضحية الصامتة” داخل الوزارة الجديدة، بسبب غلبة الملفات التجارية اليومية، التي تفرض نفسها من خلال الأزمات المتكررة (مثل التضخم، أسعار السلع، شح العملات، تنظيم الواردات…). في هذه الحالة، تصبح ملفات مثل تطوير البنية التحتية الصناعية، دعم التصنيع المحلي، التدريب الفني، وتمويل المصانع، ملفات مؤجلة أو مهمشة، لأنها لا تنتج نتائج فورية، بل تتطلب نفساً طويلاً واستقراراً في الرؤية.
وقطع انه من الخطأ الاستراتيجي النظر إلى وزارة الصناعة كمجرد هيكل إداري قابل للإلغاء أو الدمج دون تداعيات. فهي اليوم تمثل بوابة التعافي الاقتصادي، وركيزة بناء المستقبل، وصوت الصناعيين الذين يحتاجون لوزارة تُعبّر عنهم وتخاطب قضاياهم باحترافية وتخصص.
واكد أن الإبقاء على وزارة مستقلة للصناعة ليس ترفًا سياسيا، بل ضرورة وطنية في مرحلة نهوض اقتصادي تتطلب وضوح الرؤية، وتركيز الجهود، ومرونة السياسات.
مبينا ان السودان بعد الحرب، وفي مرحلة إعادة الإعمار، يحتاج إلى “وزارة استثنائية للصناعة” بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وزارة تقود مسار التحول الهيكلي للاقتصاد، وتضع خططاً متكاملة لإعادة تشغيل المصانع المتوقفة، وتشجيع الاستثمار في القطاعات الصناعية ذات الأولوية (كالدوائية، الغذائية، مواد البناء، والصناعات التحويلية)، وتطوير المهارات البشرية، وبناء سلاسل قيمة محلية متكاملة.
وقال إذا كان لا بد من الدمج في هذه المرحلة، فإن من الأجدر – من ناحية منطقية واستراتيجية – أن يكون دمج وزارة الصناعة مع وزارة المعادن، لا التجارة، لكون التعدين صناعة في جوهره، ويواجه تحديات مشابهة تتعلق بالبنية التحتية، البيئة، التمويل، والتقانات. ويمكن أن يتيح هذا الدمج التناغم في التخطيط المشترك، خاصة أن السودان يمتلك ثروات معدنية ضخمة يمكن أن تكون أساساً لصناعات تحويلية معدنية محلية (مثل الإسمنت، الأسمدة، المواد الكيميائية، الصناعات المعدنية الخفيفة).
واضاف إن الاقتصاد السوداني في أمسّ الحاجة إلى قفزة نوعية في مجال الإنتاج، لا في تنظيم السوق فقط. والتاريخ الاقتصادي يعلمنا أن الأمم التي خرجت من الحرب إلى الاستقرار، لم تبنِ اقتصاداتها من خلال التجارة فحسب، بل من خلال إنتاج محلي قوي، مدعوم بصناعة وطنية متطورة. ومن هذا الباب، فإن إضعاف الحضور المؤسسي للصناعة، سواء عبر الدمج أو تقليص الميزانية أو تقليص صلاحياتها، سيكون خطأ استراتيجياً قد يدفع الاقتصاد ثمنه على المدى الطويل.
وابان أن الدعوة إلى إعادة النظر في قرار دمج الصناعة والتجارة ليست اعتراضاً على مبدأ الإصلاح الإداري، بل هي تأكيد على أن الإصلاح الحقيقي لا يتحقق بتقليص عدد الوزارات، وإنما بإعطائها المهام الواضحة، والتمويل المناسب، والصلاحيات الكافية لتحقيق الأثر التنموي المطلوب.
ولذلك، فإن من الضروري أن يُعاد تقييم القرار على ضوء الظروف الاستثنائية التي يعيشها السودان، وأن تُمنح الصناعة وزنها الكامل ضمن الهيكل التنفيذي، سواء عبر وزارة مستقلة أو عبر كيان إداري بصلاحيات تنفيذية كاملة داخل الوزارة المدمجة – على أن يظل اسمها وموقعها محفوظًا في هوية الدولة التنموية.
إن التنمية لا تصنعها التجارة وحدها، بل تبنيها الصناعة أولا.
قرار مخل ومعيق
وأبدى الخبير في مجال الصناعة أحمد علي عباس دهشته كغيره من المنشغلين بالشأن الصناعي وآلاف المستثمرين فيه من أصحاب المنشآت الصناعية واتحاداتهم بل والعاملين في وزارة الصناعة حاليين وسابقين بقرار رئيس الوزراء المعين بالعودة مرة اخرى إلى دمج وزارة الصناعة مع وزارة التجارة برغم العيوب والثقوب التي افرزتها كل التجارب السابقة(في إشارة إلى دمج الوزارة في حقبة الثورة وجعل مدني عباس مدني على رأسها)،وانتقد ان تصبح وزارة الصناعة جزءا من وزارة بدلا من وزارة كاملة بصلاحيات اكبر بعد الدمار الكبير الذي لحق بقطاع الصناعة جراء الخراب الهائل والنهب والسرقة الذي تعرضت له كافة المنشآت الصناعية وبنياتها الأساسية ابان الحرب الشيء الذي الذي عدّه يحتم اعادة البناء والتعمير من جديد وبأسس وبأساليب جديدة في البناء وفي تغيير معدات وادوات الإنتاج ونقل تكنولجيات تواكب ما جد في عمليات التصنيع.
ورأى انه فات على رئيس الوزراء المعين وهو يشرع في تشكيله الوزاري ان الصناعة هي قاطرة التنمية الإقتصادية والإجتماعية وانها عصب الإقتصاد وعموده الفقري ومحرك كل قطاعاته وان الدول المتقدمة نهضت بفضل التصنيع وليس سواه ولنا في جمهورية الصين اسوة حسنة ومثال حي يحتذى عندما ادركت اهمية الصناعة والتصنيع فاصبحت من اكبر الدول الصناعية وبلغ بها شانا ان اصبحت كثيرا من قطاعات بل افرع صناعاتها وزارات لحالها.
وقال اذا كانت المسؤوليات والمهام في المرحلة القادمة مرحلة ما بعد الحرب واعادة البناء والتعمير هي المقياس لإنشاء الوزارات وتحديدها فإن مسؤليات وزارة الصناعة في المرحلة القادمة وبحجم الدمار الكبير الذي لحق بقطاع الصناعة العام والخاص يحتم ان تكون وزارة الصناعة وزارة دون دمج وبصلاحيات اكبر ومسنودة بقانون جديد يمكنها من الإضطلاع بكفاءة ومقدرة تواكب ما هو مطلوب ناهيك عن اهمية ودور القطاع الصناعي في احداث التنمية الإقتصادية والإجتماعية.
ووصف علي عباس الدمج الذي تم للوزارة مع وزارة التجارة كما اعلن عنه،بالدمج المخل والمعيق لحركتها.
وقطع بأن قرار الدمج مع التجارة لم يكن موفقا للأسباب آنفة الذكر وأن مراجعة القرار ليس فيه ما يعيب بل ان التصحيح هو الذي سيجد الإشادة والتقدير.
محركات التعافي الوطني:
وأوضح الباحث في مجال الصناعة بمركز البحوث و الاستشارات الصناعية د.محمد الجاك سليمان في حديثه ل(الأحداث) أن جميع الوزارات في القطاع الاقتصادي تعد من اهم محركات التعافي الوطني للاقتصاد وجلب الاستقرار وتعظيم الموارد الاقتصادية والمداخيل الوطنية لما تمثله من روافد مهمة من روافد التشغيل والانتاج وبالتالي تقليل البطالة ودمج المواطن في دائرة الانتاج المطلوبة لمحاربة الفقر واسباب الجريمة والاستقرار الاسري وتمثل كل وزارة من وزارات القطاع الاقتصادي اهمية قصوى لبرامج التعافي الاقتصادي للدولة ،لذلك رأى الجاك انه لا يمكن اختزال دور اي وزارة ودمجها بهدف تقليل المصروفات، ورأى ان دمج وزارة التجارة مع وزارة الصناعة واختزال دور وزارة التجارة في تسويق السلع الصناعية فقط فيه ظلم لوزارة التجارة اذ تعد وزارة التجارة بمثابة بوابة السودان نحو العالم حيث يمثل دورها المحرك و المنظم الاساسي لحركة الصادرات و الواردات والشراكات التجارية التي تراعي مصلحة الاقتصاد الوطني لذلك يعد دمجها مع وزارة الصناعة انتقاص لدورها في هذا الوقت الذي يحتاج فيه البلد لكل جهد ممكن لتحريك و ترشيد حركة التجارة تصديرا واستيرادا، مقرا بان بعض المختصين في المجالات الاخرى مثل الصناعة يرون ضرورة فصلها كوزارة خاصة لرعاية و تطوير المؤسسات الصناعية لتأهيل و دعم القطاع الصناعي لفترة ما بعد الحرب و ان الضرورة تستدعي ذلك فمن الضرورة بمكان المحافظة على وزارة التجارة و الوزارات الانتاجية و الخدمية الاخرى الاتحادية لتنفيذ الادوار المنوط بها لفترة التعافي الاقتصادي لما بعد الحرب بكفاءة واقتدار.