رأي

*ثناء في زمن العدوان!*

إبراهيم عثمان

*سيسجل التاريخ أنه، في وقت العدوان الإماراتي على السودان، كان تبادل الثناء والإشادات والدفاع بين الإمارات و”تقدم” قد بلغ ذروته .. الدفاع المتبادل كثير، وهذا جزء منه*:
١. على قناة الجزيرة وصف المستشار الإماراتي عبد الخالق عبد الله “تقدم” بأنها: (القوى السياسية المدنية التي يُعتد بها) وأضاف: (ترفض التعامل مع الجيش، وتقف مع الدعم السريع)!
٢. وفي أثناء العدوان الإماراتي غرد ذات المستشار على منصة (X) واصفاً حمدوك بأنه: (رجل دولة صريح وشجاع ويعمل بإخلاص لأجل سودان مدني ديمقراطي مستقر ويستحق الدعم من شرفاء السودان والأمة)!
٣. وفي أثناء تدفق سلاح القتل والتخريب اتخذ حمدوك من المدنية ذريعة للتهرب من الإدانة: (نحن لم نناقش، نحن فصيل مدني، ما عندنا علاقة بالسلاح يجي من وين أو يقدمو مين)!
٤. وعندما لجأ السودان إلى القانون نشر حمدوك مقالاً بالفاينانشال تايمز يصف فيه الدعوى ضد الإمارات في محكمة العدل الدولية بأنها (أحد المؤشرات الخطيرة لزعزعة الاستقرار والعداء للمجتمع الدولي)!
٥. حمدوك، وليس أي سياسي أو إعلامي إماراتي، هو من اجترح السبع حجج دفاعية عن الإمارات، التي أحصيناها في مقال سابق، وخالد عمر، علاء نقد، بكري الجاك، وجعفر حسن، وآخرين من ذات المعسكر، هم من أضافوا حججاً دفاعية أخرى!

*كان أسوأ ظن بحمدوك، ومن معه، أن يساووا بين إخلاصهم للسودان وإخلاصهم للإمارات, فيكتفون بالصمت، لكن مع تصاعد العدوان وكثرة الإدانات، انتقلوا إلى الحديث. هذا الحديث كشف الاعتماد المتبادل بين تقدم والإمارات، وأنهما كانتا تنسقان الهجمات على المقاومة بمختلف أنواعها: الميدانية، والسياسية، والقانونية، والأخلاقية. وكشف عن اختلاف أساليبها الدفاعية، ونتج عن هذا الاختلاف مفارقات كثيرة، من بينها*:
١. الإمارات ليس لديها أي تظلم من السودان يمكن أن يشكل غطاءً سياسياً وأخلاقياً لتدخلها: لا شكوى من عدوان سوداني، ولا دعوى تظلم قانونية أو سياسية، ولا أي شيء يمنحها فرصة ادعاء أنها تمارس حق الرد، بل هو عدوان خام مكشوف بلا أي غطاء!
٢. العدوان الخارجي، مهما بلغت بشاعته، يظل فعل خصمٍ واضح المطامع. لكن الكارثة الأخلاقية الأكبر أن يكون من أبناء الوطن من “يخلصون” للمعتدي على حساب وطنهم، ويمنحونه ما لا يجرؤ على منحه لنفسه: الغطاء الأخلاقي والسياسي!
٣. الإمارات تفترض أنه لا يمكن للسودانيين، ولا غيرهم، أن يقتنعوا بأي تبرير للعدوان, ولهذا لا تبرر .. أما “تقدم” فتتصرف عكس الافتراض الإماراتي، ولا تنتظر تبريرات إماراتية، بل تنتجها، ونمثل الاقتناع بها، ونسوِّقها لدى الآخرين!
٤. الإمارات “تنفي” دورها في الحرب، لأنها تعلم أن التبرير المقنع لأي عدوان مستحيل .. أما “تقدم” فتبرر لأنها تعلم أن النفي المقنع لأي تدخل ثابت مستحيل!
٥. الإمارات تعلم أن التبرير اعتراف بحدوث العدوان، ولا يؤدي غرضه الأصلي، فتتجنبه .. و”تقدم” تعلم أن النفي اعتراف بالكذب، ولا يحقق المراد منه، فلا تتبناه!
٦. الإمارات تسلم ضمناً بأن ثبوت العدوان يوجب الإدانة ولهذا تصر على النفي .. و”تقدم” تسلم بثبوته، ولا تؤمن بوجوب الإدانة، ولهذا تتمسك بالتبرير!
٧. الإمارات لم تلجأ ـ مثل حمدوك ومن معه ــ إلى حيلة (لست وحدي، هناك غيري)، فهي تعلم أن التكملة ــ الصادقة التي لا تلاعب فيها ــ لهذه الجملة هي (لست وحدي، هناك تشاد وكينيا وكل الدول التي تساعدني في العدوان)!
٨. الإمارات لم تضع، مثل حمدوك وجعفر حسن، استقبال اللاجئين في مقابل العدوان، لتخرج من حصيلة الإثنين بإشادة كإشادتهما. فحتى الطفل لن تنطلي عليه هذه المقابلة وما نتج عنها من إشادة!
٩. الإمارات تتصرف بما هو متوقع منها: السعي للسيطرة، وعدم احترام سيادة السودان، وتعظيم مصالحها، ولو بطرق غير مشروعة. أما تقدم فتتصرف بما تحتاجه الإمارات منها: خيانة أول وأهم التزام لأي قوة سياسية: حماية شعبها وسيادة بلدها!
١٠. إذا اكتملت هزيمة الإمارات، أو أوقفت عدوانها بفعل الضغط المعنوي (الذي لا تساهم فيه تقدم، ولا تكف عن الطعن فيه)، فإن ما حدث في قضية المنازل بالعاصمة سيتكرر: سيذهب العدوان، ويبقى تبريره معلقاً برقبة “تقدم”، محفوظاً في ذاكرة الأجيال، ومسطراً في أسوأ صفحات التاريخ!
١١. إذا سعت الإمارات لفرض دور لها، ينتهك السيادة، في وقت السلم بعد انتهاء الحرب ــ والمؤكد أنها ستسعى ــ فسيكون سلوك “تقدم” هو أكبر مشجع لها، فكيف لمن دافعوا عن الانتهاك العنيف، أن يقاوموا الانتهاك الناعم!
١٢. الملاحظ أن دفاع “تقدم” عن الإمارات شديد الضعف، إلى حد أن أنصارها أنفسهم يستحون من ترديده، ويُحرَجون بسببه. فهو يبدو كأنه لا يستهدف إقناع السودانيين، بل إقناع الإمارات بأن “تقدم” هي الوكيل السوداني المدني المخلص، الذي يقدم ولاءه لها على ولائه لوطنه، ويستحق الاحتضان والدعم!
١٣. الخلاصة: ما لإمارات إلا لص ينكر سرقته رغم الأدلة. وما “تقدم” إلا حارس يفتح الباب للص، ويحاول إقناع أهل البيت أن اللص يستحق الإشادة لا الإدانة، لأنه يتصدق ببعض المسروقات على أقاربهم، ولأن السرقة كانت رد فعل على حراستهم للمنزل بأسلحة مستوردة!

*الخيانة لا تُقاس فقط بكمية الدم وحجم الخراب، بل أيضاً بعدد الكلمات التي اُستخدِمت لغسلهما، وبما تركته من جروح في ذاكرة الأمة، حين تحولت من حماية للوطن إلى غطاء لذبحه!*

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى