الهند وباكستان …جمرُ الكراهية تحت رماد النووي

عبدالعزيز يعقوب
(١)
في جنوب آسيا، حيث تسكن الجغرافيا على حافة التاريخ، ويخفي الصمت أصوات البنادق، يتجدد التوتر بين الهند وباكستان كأن الزمن لم يتعلم شيئًا منذ عام 1947. لا تعود شرارة الصراع بوصفها حادثًا طارئًا، بل كأحد ملامح البنية العميقة التي تخلط السياسة بوجع العقيدة، حيث تُستَخدم الأديان وقودًا في يد الساسة، وأداةً في قبضة أصحاب المال والنفوذ، يحركونها ضمن خطط السيطرة على الشعوب، لتحقيق مصالحهم العابرة للحدود.
الهند، الدولة التي تأسست على وعد التعددية، تميل رويدًا نحو قومية هندوسية شرسة، تكاد تعيد تعريف “الهندي” ليقصي كل ما هو مسلم. ومنذ صعود حزب بهاراتيا جاناتا، لم يكن تحويل مسجد بابري إلى معبد هندوسي إلا رمزًا لرغبة دفينة في إعادة كتابة التاريخ بمداد طائفي. وفي قلب هذا التحول، يصبح العداء لباكستان أكثر من خلاف حدودي؛ إنه امتداد خارجي لصراع داخلي مع الإسلام ذاته.
أما باكستان، المثقلة بأزماتها الاقتصادية والسياسية، فتلوذ بدورها التاريخي كحامية للمسلمين وخصم للهند، في إرثٍ خلفته خطوط سايكس بيكو وأصابع بريطانيا. تتغذى الرواية الباكستانية على مأساة كشمير واضطهاد المسلمين في الهند، وتجد في خطاب الدفاع عنهم مبررًا أخلاقيًا واستراتيجيًا لتثبيت شرعيتها وحقها في الجهاد ، “القتال المقدس”.
(٢)
هل الصراع الديني في الهند وقودٌ للحرب؟الإجابة نعم. وإن لم يكن كافيًا لاشتعالها وحده، إلا أنه يدفئ نارها، ويمنحها غطاءً أيديولوجيًا ومشروعية سياسية. في الهند، تترسخ الفكرة في عمق الحملات الانتخابية: عدو خارجي يبرر عسكرة الداخل، ويُعيد تشكيل الهوية القومية على أنقاض المساجد والتاريخ الإسلامي. أما في باكستان، فكلما ارتفع صوت القذائف في كشمير، استعادت الخطابات الدينية بريقها.
إنها حرب لا تبدأ من الحدود فحسب، بل من العقول، من المناهج الدراسية، من نشرات الأخبار، من صمت المجتمع الدولي وخيوط المؤامرة الدولية علي الشعوب ، ومن غرف المخابرات المغلقة.
مقارنة القوة العسكرية: من يملك ماذا؟
رغم توازن الردع، فإن الفوارق قائمة:
1. الترسانة النووية: تمتلك الهند نحو 160 رأسًا نوويًا، مقابل ما يقدّر بـ170 إلى 180 رأسًا لباكستان. التفوق العددي الباكستاني طفيف ولا يمنحها أفضلية استراتيجية حاسمة.
2. القوة التقليدية: تتفوق الهند عددًا (1.45 مليون جندي نظامي، و1.15 مليون في الاحتياط) مقابل 654 ألفًا و550 ألفًا على التوالي لباكستان. إلا أن التطورات في “خط السيطرة” (LoC) في كشمير قلّصت فعالية هذا التفوق العددي بفعل التحصينات الدفاعية.
3. الإنفاق العسكري (2024):
تنفق الهند: 81 مليار دولار (رابع أكبر ميزانية عسكرية عالميًا)
تنفق باكستان: نحو 11 مليار دولار فقط
(٣)
رغم أن العالم ينظر إلى الهند وباكستان كشعب واحد انقسم، إلا أن كلا الطرفين يصر على أنهما قوميتان متمايزتان دينيًا وثقافيًا وفكريًا، بل حتى في الطموحات. ويظل مستقبل التصعيد رهنًا بصراع بين “عقل الدولة” و”جنون القومية”. فعندما تتحدث البنادق، تصمت العواصم، وعندما تصعد الطائرات في سماء كشمير، تختفي كل دعوات العقل.
ومع ذلك، فإن الحرب الشاملة بين البلدين تظل كابوسًا يخشاه الجميع. لأن شرارةً واحدة في جنوب آسيا قد تجر العالم إلى جحيم نووي لا يُبقي ولا يذر.
نظرية التآمر ترى في هذا الصراع بوابة لتوسعه الصراع نحو الصين، وتحويله إلى انفجار نووي هائل يُعيد تشكيل ارقام سكان العالم، في ظل هواجس متزايدة بأن الأرض قد ضاقت بسكانها، وأنها لم تعد تتسع لزفير جديد، كانما هم يعطون انفسهم الحق بان يقمون بأعباء الله جل علاه.
ختاما المأمول، لا الواقعي، هو أن يعود الطرفان من حافة الهاوية، وأن يُستبدل سباق التسلح المجنون بحوار صادق يخدم مصلحة الشعبين والمنطقة. حوار لا تصنعه اتفاقات سلام شكلية وابتسامات بروتوكولية صفراء باهتة، ولا تُحركه انتهازية سياسية، بل ينبع من ضمير يحترم الإنسان وكرامته، أيًّا كان دينه أو لغته أو هويته.