الميليشيا لا تحارب!

إبراهيم عثمان
*”الميليشيا لا تحارب”: ليست هذه عبارة ساخرة، بل ترجمة حرفية بجملة واحدة تجمع ما تقوله “تقدم” وتوزعه في جمل كثيرة*:
* *الميليشيا لا تحارب: هي خلاصة ما تقوله “تقدم” التي أصبحت “مؤلفاً بديلاً” يؤلف للمليشيا قاموسها، ويملأ فراغها الخطابي، ويجتهد في سد ما يكشف حقيقتها من ثغرات الوعي والمنطق والتصورات!*
* *الميليشيا ــ عند تقدم ــ لا تحارب: لأنها بزعمها لم تشعل الحرب، ولم تحشد لها، ولم تخطط، ولم تفكر أصلاً. وبالتالي لم تدخل في “معسكر الحرب”، وبقيت، مع تقدم، في “معسكر السلام”!*
* *الميليشيا لا تحارب: وهذا يتسق مع تعطيل شعار “لا للحرب” عند حدود الميليشيا، فلا يطال دعمها الخارجي بالسلاح والمرتزقة، ولا يُشهَر في وجه تمددها عبر الفزع والاستنفار. فالحرب تُحدَّد لا بما تفعله الميليشيا، بل بما تقوله “تقدم”، وبما تنتجه من تصنيفات!*
* *الميليشيا لا تحارب: وإن كانت تبدو لخصومها وكأنها تخوض عدة حروب ضد الجيش، وضد المجتمع، وضد الدولة، وضد البنى التحتية. فتلك آثار جانبية للحرب التي “تُشَن عليها”. ولهذا تبدو “تقدم” وكأنها تقول لها ولداعمها الأجنبي: بالتوفيق في نضالكم من أجل الحقوق والعدالة، فقط احرصوا على تنظيم جدول الجرائم حتى لا يحرجنا أكثر!*
* *الميليشيا لا تحارب: بل تقدم الفائدة الرئيسية للحرب: تدمِّر ــ بتعبير ياسر عرمان ــ القوى الخشنة للخصوم. وهي ــ بمنطق تقدم ــ تتصدى لمعسكر الحرب، للحرب ذاتها، ولهذا فإن تمددها في القرى والمدن ومنازل المواطنين، هو فعل حمائي/ دفاعي تخرج به من معسكر الحرب، ولا تتموضع في قلبه!*
* *الميليشيا لا تحارب: وإنما تحافظ على التوازن العسكري، والتوازن السياسي، وتحارب القوى السياسية المارقة، وجمهورها المخرب، وتضمن استمرار الخارج كهيئة ناخبة تختار للسودانيين حكامهم المدنيين الديمقراطيين!*
* *الميليشيا لا تحارب: فالحرب لا تتحدد بوصفها عنفاً مادياً مسلحاً، بل كموقف سياسي مجرد، لا يُقاس بالسلاح ولا بفعله، بل بالموقف من الميليشيا. وحين يصبح الموقف السياسي بديلاً عن معيار الفعل، تُحذَف الميليشيا من مشهد الحرب!*
* *وحين تُحذَف الميليشيا من مشهد الحرب، فإن تبعات ذلك تتجاوز التضليل اللغوي إلى الواقع نفسه: تُلغى مشروعية الدفاع الذي يباشره الجيش، فالجيش هو الحرب؛ كل الحرب، ويُدان المواطن الذي يرفض الاحتلال والعدوان، فهو في “معسكر الحرب”، حتى إن كان رفضه مجرد موقف مبدئي بلا سلاح!*
* *هذا التلاعب بالتصورات يهمش مسؤولية الميليشيا عن الخراب والضحايا، ويحذف الحرب على المدنيين من مشهد الحرب، ويحصر الحديث عن “الحل” في تفاوض يكافيء الميليشيا وراعيها الأجنبي بقدر ما أمعنوا في الإيذاء، ويمنحهم الشرعية بقدر ما يملكون من قدرة على المزيد!*
* *الفجوة بين الواقع الوهمي الذي تصوغه “تقدم” بالمفاهيم المضللة, والواقع الفعلي لحروب الميليشيا، فجوة كبرى، لا يسدها الخطاب الاحتيالي بل يكشف عمقها، ويفضح من يحاولون ردمها بالكلمات المضللة!*
*اليقين الذي لا يحتاج إلى برهان ــ ويعرفه الجميع، بما فيهم “تقدم” نفسها ــ هو أن الميليشيا تحارب: تحارب الدولة والجيش والمجتمع والتاريخ والجغرافيا والمنطق. وإن كانت الحرب، في تصور “تقدم”، يمكن أن تكون بطرف واحد، فلا شك أن الميليشيا هي ذلك الطرف. ولا شك أن كل من يدعمها أو يتواطأ معها أو يتصدى للدفاع عنها شريك في حروبها المتعددة. وإن بدا لبعض الناس مجرد متلاعب مضلِّل كلاسيكي لا تخلو أي حرب من أمثاله!*