الضمير السوداني في المهجر: مبادرات العودة الطوعية تنبض بالحياة

عمرو خان
*في ظل استمرار الحرب الطاحنة التي شهدها السودان منذ أبريل 2023، ومازالت أثارها باقية في بعض المدن، والتي دفعت بملايين السودانيين إلى النزوح واللجوء في الداخل والخارج، يسطع نور جديد ينبعث من قلب الشتات، من تجمعات السودانيين في المهجر، وخاصة في القاهرة.
*هناك، حيث تتقاطع المعاناة مع الأمل، تبرز جهود منظمات مدنية سودانية يقودها مغتربون وأبناء المهجر، وقد حملوا على عاتقهم مسؤولية وطنية وإنسانية لا يمكن تجاهلها: دعم سبل العودة الطوعية لأبناء وطنهم الذين تقطعت بهم السبل في مصر، إلى السودان، رغم التحديات والمخاطر.
الضمير المدني يتقدم حين تتأخر الدولة:
*ما يلفت الانتباه في هذه المبادرات، ليس فقط بعدها الإنساني، بل استباقها لأي جهد رسمي ملموس، فبينما تُعيق الحرب الدولة السودانية بمؤسساتها المنهكة عن دعم مواطنيها، تظهر هذه المبادرات المدنية كمصدر إلهام حقيقي، تمثل نُبل الفعل الشعبي في زمن تعاني فيه الأنظمة من محاولات الفُرقة والإنقسام.
*فقد نظّمت هذه الكيانات قوافل دعم لوجستي، وجمعت التبرعات، ورتبت عمليات نقل جماعي من القاهرة إلى مدن سودانية أكثر أمانًا نسبيًا، مثل بورتسودان وود مدني.
الجالية ليست عبئًا بل موردًا للإنقاذ:
*الجاليات السودانية طالما وُصفت بأنها مصدر تحويلات مالية، لكن هذه المبادرات تثبت أن أبناء الشتات أكثر من ذلك بكثير، هم موارد بشرية وخبرات إدارية وتنظيمية يمكن أن تملأ فراغات الدولة، أو حتى تُعيد بناء ما تهدم.
*لقد استطاع هؤلاء الشباب والشابات والرجال والسيدات، بدافع من الحس الوطني والإنساني، أن يبنوا جسور ثقة مع مؤسسات إغاثية مصرية ودولية، وأن يوظفوا علاقاتهم لتوفير دعم مباشر للعائدين، وتأمين بعض احتياجاتهم في الطريق، من طعام ودواء ومأوى مؤقت.
*تحديات مؤلمة لا تُبطل عدالة القضية
بالتأكيد، لا تخلو هذه الجهود من التحديات: ضعف التمويل، غياب الغطاء القانوني، المخاطر الأمنية في طريق العودة، والانقسام السياسي الذي يهدد أي مبادرة جماعية، ولكن، ما يجعل هذه المبادرات تستحق التحية هو أنها تُخاض رغم كل ذلك.
*فهؤلاء لا يرفعون شعارات سياسية، بل يستجيبون لنداء الناس الذين يرغبون في العودة إلى قراهم وبيوتهم مهما كانت الظروف، بعد أن ضاقت بهم الحياة في الملاجئ أو الشقق الضيقة أو الشوارع المكتظة.
*إن هذه المبادرات ليست فقط مشاريع إنسانية، بل هي تمارين حية على شكل الدولة التي نحلم بها: دولة يقودها أبناؤها بروح التعاون والمسؤولية، لا بالخطابات أو التصريحات، ومن هنا، يجب على المنظمات الدولية، ومفوضية شؤون اللاجئين، وحتى المؤسسات المصرية، أن تعترف بهذه الجهود وتدعمها، بمزيد من الحماية والرعاية والغطاء القانوني.
*هؤلاء السودانيون من أبناء المهجر والمغتربين، يثبتون لنا كل يوم أن الوطن لا يُختزل في جغرافيا، بل يُولد من فعلٍ نقيّ ينبع من وجدانٍ حيّ.
نقلا عن “أصداء سودانية”