الشمول المالي: لماذا؟ وكيف؟ وبأي اتجاه؟ (5)

فيما أرى
عادل الباز
1
فى الحلقة السابقة من هذا المقال تساءلت ما هى النتائج التي يمكن أن تحققها خدمة مثل M-Pesa في كينيا أو خدمة “بيدي” (Bede) التي اطلقتها خلال هذا الشهر شركة زين في السودان او momo لتابعة لشركة MTN سودان التي هى متوقفه الآن؟. وكلها خدمات تعمل من خلال بروتوكول يُستخدم لإرسال المعلومات بين الهاتف وشبكة مزود الخدمة عبر رموز قصيرة، مثل:
*123#( USSD : Unstructured Supplementary Service Data) و هذا نوع من الخدمة لايتطلب وجود انترنت ولاهاتف ذكى مثل الذى تتطلبه خدمة بنكك. ثم طرحت سؤالاً آخر ..بأي اتجاه يمكن أن يقود التحول الرقمي والشمول المالي ويستخدمها كأداة استراتيجية لتعزيز النمو الاقتصادى بكل أبعاده.؟
3
بوجود خدمات تعتمد على ussd يمكننا دمج الكتلة النقدية في الاقتصاد الرسمي وخاصة أن أكثر من 90% من الكتلة النقدية في السودان الآن خارج النظام المصرفي كما أن 6% فقط من السودانيين يتعاملون من النظام البنكي، بخدمة مثل Bede يمكن أن تساعد في جذب الأموال إلى النظام المالي عبر المحافظ الإلكترونية. مما يُساعد الدولة على التحكم في التضخم، وإدارة السيولة، وتحقيق الاستقرار المالي. M-Pesa او بيدى تمكّن أي شخص يملك هاتفًا من فتح محفظة رقمية، دون الحاجة لحساب بنكي. هذا يتيح للمواطنين إرسال واستلام الأموال، والادخار، ودفع الفواتير بسهولة.
4
لقد أثبتت التجارب الإفريقية، من كينيا إلى أوغندا ونيجيريا، أن تمكين المواطنين من إجراء معاملاتهم المالية عبر الهاتف، دون الحاجة لبنك أو أوراق لا يشترط هاتفاً ذكياً أو إنترنت وهذه أهمية مميزة وخاصة أن الذين يملكون هواتف ذكية لا يتعدون 6 مليون مواطن. حتى بداية عام 2024، بلغ عدد مستخدمي الإنترنت في السودان حوالي 13.99 مليون شخص، ما يمثل نسبة 28.7% من إجمالي السكان. لا تتوفر بيانات دقيقة حول نسبة امتلاك الهواتف الذكية في السودان ولكن إحصائيات بعض شركات الاتصال السودانية تقول ان 8 مليون شخص فقط يمتلكون هواتف ذكية. كل ما تحتاجه الخدمة التي تكون على غرار إم بيسا أو بيدى أن يكون لها وكلاء في كل المدن والقرى مما يسهل الوصول للخدمة.
كيف تعمل؟
أي شخص لديه بطاقة هوية وهاتف محمول يمكنه فتح حساب، لا يحتاج لحساب بنكي وهذه أهم ميزة، توفر الزمن وتبعدك عن تعقيدات فتح الحساب في البنوك والإجراءات الطويلة. هنا في هذه الخدمة يتم التسجيل عبر وكيل معتمد أو من خلال الهاتف.
إذا لديك رقم هاتف تذهب مباشرة إلى أقرب وكيل للخدمة وتدفع له نقدًا ويقوم الوكيل بتحميل نفس القيمة على حسابك كمبلغ إلكتروني في المحفظة. هذا إذا رغبت في إيداع مبلغ في حسابك في محفظة هاتفك.
اما اذا كنت ترغب في ارسال المبلغ لأي شخص داخل السودان يمكن تفعل ذلك عبر هاتفه فيُستلم المبلغ فوراً على شكل رصيد إلكتروني في محفظة المستلم. وفي هذه الحالة يمكن للمستلم صرف المبلغ نقدًا من من أقرب وكيل للخدمة، أو يمكنك أن تستخدم أموالك التي بمحفظة هاتفك لدفع فواتير الكهرباء والمياه والرسوم الدراسية وحتى شراء السلع من المتاجر.
خدمة مثل M-Pesa أو بيدى (bede) أو خدمة (سدد) التي تقدم الآن للدولة، مشروعاً متكاملاً في مجال التحول الرقمي، هذه الخدمات ليست مجرد وسيلة تحويل أموال، بل هي أداة لتحقيق النمو والاستقرار الاقتصادي.
5
بأي اتجاه يمكننا أن نقود الشمول المالى والتحول الرقمي؟.
اقتصادياً: يمكننا قيادة الشمول المالي والتحول الرقمي في اتجاه النمو وذلك بإدماج الاقتصاد غير الرسمي في الدورة الاقتصادية الرسمية وتسهيل تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة عبر محافظ رقمية وخدمات إقراض مرنة لزيادة الإنتاجية وتوسيع قاعدة المشاركين في الاقتصاد.
اجتماعياً: تمكين الفئات المهمشة (النساء، الشباب، سكان الأرياف) من الخدمات المالية. تحسين سبل العيش من خلال أدوات الادخار، التحويلات، والتأمين الرقمي. الوصول إلى الدعم الحكومي مثل التحويلات النقدية الاجتماعية بطريقة مباشرة وآمنة. تقليل الفجوة بين الحضر والريف من خلال خدمات رقمية تصل للمناطق النائية.
العدالة: يمكننا قيادة التحول الرقمي والشمول المالي باتجاه تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص في الوصول للخدمات المالية للجميع. الشفافية في المعاملات المالية مما يُقلل من الفساد والمحسوبية. وتوسيع قاعدة التمكين المالي بدلاً من اقتصارها على من لديهم حسابات بنكية. حماية الحقوق المالية عبر أنظمة رقمية قابلة للتتبع والمحاسبة.
6
وباختصار وبحسب التجارب الماثلة فى الدول الافريقية خاصة يجب أن نتخذ من التحول الرقمى والشمول المالى أداة لتحقيق النمو الاقتصادي ومحاربة الفقر. إذن ما هو مطلوب من الدولة لقيادة هذه الاتجاهات الثلاثة؟ نواصل