رأي

الشمول المالي: لماذا؟ وكيف؟ وبأي اتجاه؟ (4)

فيما أرى

عادل الباز 

1

مقدمة

في الحلقات السابقة، ناقشت مفهوم الشمول المالي ثم استعرضت ورقتين قدمهما كل من د. خالد التيجاني ود. عسجد الكاظم حول موضوع الشمول المالي والدفع الإلكتروني. الآن ننظر في الأهداف التي نحققها عبر الشمول المالي والتحول الرقمي.

٢

ما الهدف من تطبيق الشمول المالي؟.

تمكين جميع فئات المجتمع من الوصول إلى الخدمات المالية الرسمية (مثل الحسابات البنكية، التمويل، التأمين، الادخار، والدفع الإلكتروني)، وخاصة الفئات الضعيفة والمهمشة.

٣

ما الحاجة والضرورة لذلك؟

ستعرف أهمية الشمول المالي لحركة الاقتصاد عمومًا إذا علمت أن 6% فقط من السودانيين يملكون حسابات بنكية، بينما 94% منهم خارج نطاق البنوك

وخارج نطاق الاقتصاد الرسمي. وحسب تقرير البنك الدولي لعام 2021، لا تتجاوز نسبة الشمول المالي في السودان 10%، مقارنة ب70% كينيا و67% في مصر، بـ 40% في إثيوبيا، في قطر 70% وهكذا، السودان في ذيل ترتيب المنطقة.

ترتب على هذا الوضع وجود كتلة نقدية ضخمة خارج النظام المصرفي مما يقود لنتائج كارثية تتمثل في الآتي:

عدم التحكم في التضخم (زيادة الأسعار باستمرار)، وفتح الباب لدوران الأموال في أنشطة اقتصادية ضارة (تجارة مخدرات، سلاح، تهريب، غسيل أموال)، إضافة إلى إعاقة تحصيل الضرائب بسبب غياب التتبع الرقمي للمعاملات المالية.

عدم التحكم في الكتلة النقدية والتضخم يعني استحالة تحقيق سعر صرف مستقر للعملة.

هروب الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي وتضخم غير مستقر يعيق البنوك، ويحد من قدرتها على توفير التمويل اللازم للتنمية.

وهذا ما يحدث الآن تحديدًا؛ إذ أصبحت البنوك مفلسة، ورساميلها مخجلة، وتحولت إلى “كناتين صغيرة”، ولذلك إسهامها في النمو الاقتصادي يكاد يكون صفرًا.

٤

تطبيق الشمول المالي يعني عودة الأموال إلى البنوك، مما يعيد للدورة الاقتصادية توازنها، ويُعالج تشوه الاقتصاد.

توفر الموارد المالية، يٌمكن البنوك من تمويل المشاريع التنموية الصغيرة والمتوسطة، مما يؤدي إلى:

إدخال المزيد من الأشخاص في النظام المصرفي، وتقليل الاعتماد على وسائل الدفع غير الرسمية.

تعزيز الرقابة المالية ومكافحة غسيل الأموال.

ولهذا، تسعى الدول إلى تطبيق مفهوم الشمول المالي لأنه يُعد أداة لتحقيق التنمية ومحاربة الفقر.

5

الشمول المالي كأداة استراتيجية

الشمول المالي في حقيقته هو أداة استراتيجية تهدف إلى:

تعزيز النمو الاقتصادي بتوسيع قاعدة المشاركة.

إدخال شرائح واسعة من المجتمع ضمن النظام المالي الرسمي.

توسيع فرص الاستثمار والاستهلاك.

زيادة الإنتاجية من خلال تسهيل الوصول إلى التمويل.

الحد من الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية.

وذلك بتمكين الفئات المهمشة (النساء، الشباب، سكان الأرياف) عبر خدمات مالية سهلة، غير معقدة، آمنة، وسريعة تسهم في تحسين سبل عيشهم وإدماج الأفراد والأنشطة الاقتصادية الصغيرة في النظام المصرفي.

6

تجربة كينيا – نموذج M-Pesa

 

خدمة “إم بيسا” (M-Pesa) في كينيا تُعد واحدة من أنجح التجارب العالمية في التحول الرقمي وتعزيز الشمول المالي ومكافحة الفقر. وقد لعبت دورًا محوريًا في تحسين الظروف المعيشية للفئات الفقيرة والمهمشة.

 

أبرز ملامح نجاح (M-Pesa)

 

1/ قبل “إم بيسا”، كانت الخدمات المصرفية في كينيا محدودة جدًا، خصوصًا في المناطق الريفية.

2/ مكنت الخدمة المستخدمين من إرسال واستلام الأموال، دفع الفواتير، وشراء السلع باستخدام هواتفهم فقط، دون الحاجة لحساب بنكي.

3/ وفرت محافظ رقمية آمنة على الهواتف بدلاً من استخدام الكاش، مما عزز الأمان وسهولة إدارة المال.

4/ ساهمت في تطوير النظام المصرفي عبر تقديم قروض صغيرة وخدمات ادخار.

5/ دمجت الاقتصاد غير الرسمي ضمن الاقتصاد الرسمي، مما عزز الرقابة المالية.

6/ خفّضت مستويات الفقر بنسبة تصل إلى 2% في بعض القرى، وزادت من استهلاك الأسر.

7/ رفعت نسبة الشمول المالي من أقل من 30% إلى أكثر من 80%.

7/ حفّزت الابتكار في القطاع المالي، وشجعت البنوك على تطوير خدمات رقمية جديدة.

8/ سهلت على العاملين والمهاجرين إرسال الأموال إلى أسرهم.

9/ منحت النساء وسيلة مستقلة وآمنة لإدارة أموالهن، ما عزز استقلاليتهن الاقتصادية.

10/ دعمت المشاريع الصغيرة وساعدتها على إدارة معاملاتها المالية بسهولة. أدخلت أكثر من 50 مليون مستخدم نشط في إفريقيا.

هنالك خدمات مشابهة في دول اخرى مثل MOMO في أوغندا ورواندا، و PAGA PAY في نيجيريا، و”انيستا” في مصر، كلها حققت أهدافًا مشابهة ل ام بيسا .

6

خاتمة

الآن، السؤال ليس: كيف نُطبّق الشمول المالي والتحول الرقمي فهذا معطى من التجارب في دول قريبة مشابهة لأوضاعنا وفرت لنا نماذج ناجحة.

السؤال الذي سنجيب عليه في الحلقة الأخيرة من هذا المقال هو: ما المطلوب من الدولة لتحقيق الشمول والتحول الرقمي؟ وما هي النتائج التي يمكن أن تحققها خدمة مثل خدمة M-Pesa في السودان؟ وبأي اتجاه يمكن أن نقود التحول الرقمي والشمول المالي ونستخدمها كأداة استراتيجية لتعزيز النمو الاقتصادي بكل أبعاده.؟

نواصل…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى