رأي

السودان أمام لحظة الحقيقة 

 

د. عبدالله المحجوب أحمد

يمر السودان اليوم بمرحلة فارقة في تاريخه تختبر فيها إرادة الشعب وحكمة القيادة وصدق النوايا فالميليشيا التي عبثت بأمن الوطن وأشعلت الفوضى وقتلت الأبرياء وشردت الملايين باتت في حالة ضعف وتراجع واضح تفقد مواقعها يوماً بعد يوم وتنهار معنوياتها وتتكشف حقيقتها أمام الشعب والعالم لكنها رغم ذلك لاتزال تمثل خطرا خاصة من خلال هجماتها الانتحارية باستخدام الطائرات المسيرة التي تسببت في أضرار بالغة بالبنية التحتية وأرعبت المواطنين وأدخلت البلاد في حالة طوارئ مستمرة

القوات المسلحة تحقق تقدماً كبيراً وتخوض معركة وطنية بكل بسالة لكن النصر العسكري وحده لا يكفي النصر الكامل يتطلب حسن إدارة المرحلة وقرارات سياسية جريئة وخيارات تقوم على الكفاءة لا الولاء مايحتاجه السودان الآن هو قيادة تنفيذية قوية تشكل من أهل التخصص والخبرة ممن لهم تاريخ في الإنجاز لا في التبرير وفي البناء لا في الشعارات

للأسف مازلنا نرى من يتعامل مع هذه المرحلة بذهنية قديمة تفتقر للجدية بعض النخب السياسية تتصارع على الحصص وتنسى أن البلاد تنهار البعض الآخر يروج للانتقال السياسي وكأن الواقع يحتمل ترف الحوار دون أرضية واضحة أو أمن مستتب هذه الحسابات الضيقة لاتليق بحجم الأزمة بل تعمق الجراح وتطيل أمد المعاناة

لقد عبرت عن قلقي من استمرار الهجمات بالطائرات المسيرة رغم تأكيد الخبير الاستراتيجي الدكتور أسامه عيدروس بأن الجيش قادر على التعامل معها وبأن الخطط متوفرة ومع ذلك فإن هذه الهجمات مازالت تحدث اضرارا وترهق المواطنين وتستخدم كأداة نفسية لترويع الداخل مما يستوجب الإسراع في إيجاد حلول جذرية لها وعدم التقليل من خطورتها

وهنا لا بد من التذكير بأن الشعب السوداني ذاق ويلات الحرب وفقد الأحباب والمأوى والأمان كثيرون ذاقوا الذل في معسكرات النزوح وتجرعوا مرارة اللجوء ولا أحد يريد تكرار هذا السيناريو إما أن نحمي الوطن الآن أو نعيش لاجئين في أرض غربية بلا كرامة ولا قرار

على من في موقع السلطة أن يتذكر أن الله سبحانه وتعالى وضعهم في هذا الموقع لحكمة لا للتفاخر ولا للركون للمحيطين بهم الحكام العسكريون عادة مايحبون من يردد نعم ويوهمهم بأن كل شيء على مايرام بينما الواقع مؤلم الذين يختارون الأشخاص الخطأ ويقصون الكفاءات يسجل لهم التاريخ سمعة سيئة ويسهمون في تدهور البلاد دون أن يشعروا

نقولها بوضوح إذا لم تشكل حكومة من الكفاءات الوطنية المخلصة فهذه الحرب لن تنتهي فعلياً بل ستتحول إلى فوضى مستمرة تحت غطاء سياسي هش وإذا لم تتخذ قرارات شجاعة تضع مصلحة السودان اولاً فسيدفع الجميع الثمن وعلى رأسهم من في السلطة

كما تقع المسؤولية أيضاً على القوى السياسية والإدارات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني التي يجب أن تلعب دوراً كبيراً في جمع الصف ونبذ الفرقة وتحفيز الناس على الوحدة والعمل مرحلة الفرجة انتهت والحياد الآن خيانة السودان لن يبنى بالحياد أو المجاملات بل بالفعل والإرادة والصدق

وللخارج رسلتنا أيضاً : كفى تدخلاً فى شؤوننا كفى استغلالاً لأزماتنا من يريد الخير للسودان فليدعم استقراره وسيادته لا أن يتلاعب بمصيره عبر أجندات دولية مريبة

ختاماً نقول للسودانيين : هذا وطنكم لا بديل له حافظوا عليه بكل ما تملكون وأنتم أمام خيارين إما أن تعيدوا بناءه بوحدتكم وصبركم أو تفقدوه إلى الأبد وتعيشوا غرباء

وللقيادة : هذه لحظة مصيرية إما أن تكتب أسماؤكم في سجل الأبطال أو في صفحات الفشل والخذلان والتاريخ لا يرحم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى