التعافي الوطني يبدأ من نبذ العنصرية وإحياء كرامة الإنسان

عبدالعزيز يعقوب
كتبت هذا المكتوب في ٢٠٢٠ ، وقمت ببعض التعديل اليه ليعالج بعض القضايا التي أصبحت خطرا علي النسيج الاجتماعي
(١)
العنصرية ليست مجرد سلوك اجتماعي معيب نشأ حديثًا، بل ظاهرة قديمة قدم الخلق نفسه. بدأت منذ أن استكبر الشيطان وعصى أمر الله بالسجود لآدم، رافضًا المساواة بينه والإنسان بناءً على اختلاف مادة الخلق. ومنذ ذلك الحين، طور الإنسان هذه النزعة الاستعلائية إلى أنظمة معقدة من الاستغلال والاستعلاء والعبودية. واليوم، ما زالت آثار هذا التمييز العرقي والاجتماعي ترمي بشرورها على الكثير من المجتمعات، مما يحتم علينا إعادة قراءة تاريخ الاستغلال الإنساني بنظرة علمية ناقدة، والعمل على بناء منظومة اجتماعية قائمة على الكرامة والمساواة واحترام التنوع.
هذا الشكل من أشكال الصراع الإثني والاستعلاء ليس محصورًا ضمن حدود السودان الجغرافية، بل بدا منذ بداية الخلق ذاته كما ذكرت، فقد أنكر الشيطان أمر رب العزة بالسجود لآدم، محتجًا بفارق مادة الخلق: فالملائكة خُلِقوا من نور، والجن من نار، والإنسان من طين. وهكذا أسّس الشيطان أول حادثة للتعالي الخَلقي وجسد أول صورة للتمييز العنصري. لكن الله سبحانه وتعالى بيّن أن الفضل لا يكون بمادة الخلق، بل بالعلم والطاعة والإيمان، فاختار آدم للخلافة في الأرض وعلّمه الأسماء كلها.
مع تطور حياة الإنسان، طوّر هذا التمييز إلى أنظمة استغلال بعد ان انتقل من الصيد الفردي إلى الزراعة والصناعة والاستقرار ، و ظهرت ظاهرة التملك، عندها بداءت معالم استغلال الإنسان لأخيه الإنسان تتجلى، ليس بناءً على اللون أو العرق، بل على أساس استعباد الأسرى والمغلوبين في الحروب واستغلالهم في الأعمال الشاقة.
ومع زيادة الحاجات الي الغذاء والعمران، تفاقمت الأطماع في نفس الإنسان فاصبحت مدخلا للشيطان ، فاشتعلت الحروب، ليزداد الاستعلاء والاستغلال واتسعت رقعة الاسترقاق لتشمل قبائل وشعوبًا كاملة.
(٢)
ابتكر الإنسان وسائل عديدة للاستعباد، مدفوعًا بطموحه نحو السلطة والثروة والسيطرة، ويمكن تلخيص الدوافع الأساسية في الآتي:
1. الاستحواذ على السلطة والثروة.
2. استغلال السخرة في الأعمال الشاقة دون تكلفة.
3. إشباع نزعة السيطرة والتحكم بالآخرين.
4. تغذية الغرور الشخصي بالاستعلاء العرقي.
5. تسخير المستعبَدين للقتال والحروب دون دافع أو ولاء.
وقد عرفت المجتمعات السودانية، مثل غيرها، بعض صور الاستعلاء والصراعات العرقية، سواء بين العرب والأفارقة أو داخل المكونات العرقية نفسها العرب والافارقة. وكانت هذه الصراعات في الغالب مرتبطة بالتنافس على السلطة والثروة والمراعي والأراضي الزراعية.
ومع أن هذا التاريخ مؤلم، إلا أن التعدد الإثني السوداني يمثل نعمة كبيرة. فالدراسات الجينية الحديثة تؤكد أن التعدد الوراثي يقوي السلالات البشرية ويحسن المناعة العقلية والجسدية ويقلل فرص انتشار الأمراض الوراثية وهو فرصة للإبداع والتمييز.
(٣)
مع التطور المعاصر للمجتمعات، تطورت وسائل الاستعباد واصبحت العبودية بلا قيود او حدود ، لم تعد العبودية قائمة على الحرب والخطف فقط، بل أصبحت تمارس عبر أنظمة اقتصادية وإعلامية وسياسية معقدة، تتسلل لتسلب الإنسان إرادته عبر “خداع طوعي”، حيث يشارك المستغَل في استعباده الذاتي تحت شعارات الحرية والديمقراطية والحقوق. وهكذا أصبح رأس المال الجشع والمؤسسات العابرة للحدود تتحكم في مصائر الأفراد والشعوب دون احتلال عسكري، بل عبر السيطرة على الاقتصاد والإعلام والتعليم.
(٤) نحو مشروع وطني للتعافي
إن استمرار الصراع الإثني والتمييز العنصري يمثل خطرًا وجوديًا يهدد السودان ومستقبله. ولذلك، نحتاج إلى نهضة فكرية وأخلاقية جادة تقوم على:
1. قراءة تاريخ الرق والاستعباد قراءة علمية ناقدة.
2. دراسة النفس البشرية ودوافعها نحو الاستعلاء والسيطرة.
3. تهذيب السلوك الاجتماعي عبر التعليم ونشر الوعي الجمعي.
4. إعادة تأسيس مفهوم الكرامة الإنسانية كمبدأ مقدس لا يُساوم عليه.
لا سبيل أمامنا إلا إشاعة ثقافة المساواة، واحترام الإنسان كإنسان، وتجريم التمييز العنصري بقوانين رادعة، وتبني برامج للتأهيل النفسي والاجتماعي لترسيخ قيم التسامح وقبول الآخر.
إن وحدة أهل السودان حول عقد مواطنة جديد يقوم على العدل والمساواة والاعتراف بالتنوع، هي الخطوة الأولى نحو تأسيس مشروع سوداني وطني ديمقراطي للتعافي.
خلاصات
اولاً : إشاعة الوعي ضرورة أخلاقية ودينية ووطنية ونهضوية.
ثانيا : وحدة أهل السودان على أساس عقد مواطنة جامع، هي اللبنة الأولى لبناء مشروع وطني ديمقراطي للتعافي.
ثالثا: الحلول التي تنطلق من رؤية سودانية والتي تستصحب الموروث والقيم السودانية هي الأقرب لوجدان الشعب السوداني.