الإمبريالية الجديدة و “تسليح” الاستثمار في إفريقيا (1-3)

التيجاني عبد القادر حامد

(1) مقدمة:

شهدت السنوات التالية لمؤتمر برلين (1848) ما عرف تاريخياً بظاهرة الهرولة إلى إفريقيا (the scramble for Africa)؛ حيث قُطّعت تلك القارة إلى محميات ومستعمرات، وألحقت كل واحدة منها بدولة أوروبية كبيرة. أمّا وقد مضت الآن قرابة المائتي عام على تلك الهرولة الإمبريالية الكبرى، وحدث فيهن ما حدث من خطوب وحروب، فقد يكون من المناسب أن نتساءل: كيف حدث ذلك؟ وماذا يمكن أن نفعل حتى لا يحدث مرة أخرى؟

(2) الهرولة الإمبريالية الأولى نحو إفريقيا:

يجب أن نتذكر أنّ المهرولين الأوائل كانوا يركضون خلف “الاستثمارات الخارجية” وكانت مزاعمهم الاقتصادية أنّ مدخراتهم الضخمة المركزة محلياً لن تجد استثمارات مريحة في نطاقها المحلى، ولا مناص لهم – مِن ثمّ- سوى البحث عن فرص في الأماكن النائية. ولتحقيق ذلك الهدف فقد صاروا يطابقون بين أهدافهم الخاصة والأهداف الوطنية العامة، ويزعمون أنّه لمن مصلحة الوطن أن تُفتح له أسواق جديدة وأن تُضم إليه بلدان شاسعة. وأنه مهما كانت عملية “الضم” هذه مكلفة وخطرة إلا أنها ضرورية لبقاء الأمم وتقدمها. وأنّ الأمة التي لا تقدم على ضم الأراضي ستفسح المجال لأمم أخرى أكثر جرأة فستستولى على الموانئ والأسواق، وستضيق سبل التجارة؛ وربما تسد المنافذ التي يحصل الآخرون من خلالها على ما هو ضروري من الطعام والمواد الخام.

وكان المهرولون لا يبالون بالطبع إن أُطلقت صفة “الإمبريالية” على هذه العملية؛ إذ يرونها إمبريالية ضرورية، وأنّ على دولهم أن تستخدم دبلوماسيتها (وسلاحها) لتأمين هذه الأسواق وتطويرها.

وقد دلت التجربة بالطبع على أن الحرب هي واحدة من أقرب الطرق لتأمين هذه الأسواق وتطويرها، حتى ولو ترتب على ذلك تحويل البلدان الإفريقية إلى مقاطعات تحت الحماية، أو تحويلها إلى مستعمرات كاملة الخضوع.

وبهذه الطريقة نشأت الإمبريالية الكلاسيكية التي تحولت إلى استعمار كامل السيطرة.

(3) المهرولون الجدد:

 

فإذا تبيّن من هذا (كيف ولماذا) حدثت تلك الهرولة الأوروبية الأولى إلى إفريقيا، واستبانت نتائجها الكئيبة، فإنّ الأسئلة المؤرقة ستكون: هل سيعود المهرولون القدامى أم سيظهر على المسرح الإفريقي “مهرولون جدد”؟ وسواء عاد هؤلاء أو أولئك أو عادوا معا؛ فهل سيعودون في هيئة العسكري المستعمر أم في صورة الرأسمالي المستثمر؟ وهل ستشهد القارة السمراء نهضة اقتصادية على أيديهم أم سيزداد سكانها فقراً (علماً بأنّ ثلث سكانها الآن يعيشون تحت خط الفقر المدقع- بحسب تقارير البنك الدولي)؟

لا نود في هذا المقال- ولا نستطيع – الإحاطة بظاهرة الهجمة الرأسمالية الحديثة نحو إفريقيا، ولا بأعداد وأغراض الدول والشركات التي تبحث عن استثمارات سهلة ومعادن نفيسة وعمالة رخيصة، فهي كثيرة العدد ومتنوعة الجنسيات ومتباينة الأهداف والوسائل. سنكتفى بالحديث عن دولة الإمارات كمثال لدولة صغيرة ناشئة وهي تسابق الآخرين في الهرولة نحو إفريقيا، حتى صار لها موقع مرموق في مجال التوازنات التجارية العالمية.

وحديثنا عن توجه الإمارات نحو القارة الإفريقية لا يتضمن إنكاراً لحقها في أن تخطط وتعمل بجد لتعظيم مصالحها الاقتصادية في إفريقيا وغيرها من الدول؛ وإنّما يتضمّن محاولة لفهم طبيعة الدور الجديد الذي تضطلع به من خلال سياساتها الاستثمارية في إفريقيا، ومدى تأثير تلك السياسات على الأوضاع في تلك القارة.

Exit mobile version