عوض أبكر إسماعيل
مما لاشك فيه أن استسلام كيكل للجيش السوداني لم يكن حرصاً منه و لا استشعاراً للمسؤولية تجاه الوطن والمواطن الذي أذاقه المتمردون الأمرين، وإنما أقدم على تلك الخطوة – أي كيكل – مرغماً، وذلك كنتاج طبيعي للحصار الذي فرض عليه جواً من قبل الطيران الحربي السوداني وبراً من قبل قوات العمل الخاص في سهول البطانة، والتي باتت تتعقبه قرية إثر قرية وسهلاً إثر سهل .. فأضحى هائماً على وجهه في مضاربها وأدغالها بحثاً عن الأمان إنقاذاً لحياته حتى لا يلحق برفيق دربه البيشي..
لذا ينبغي ألا يكافأ فينظر إليه بنظرة البطل القومي الحريص على شرف أمته وكرامة مواطنه مهما كان حجم وثقل العائد الأمني والسياسي والإعلامي لهذه العودة .. وذلك لجهة أنه قد خان وطنه، ووضع يده على يد قوات الدعم السريع المتمردة ومرتزقتها في وقت كان الوطن في أمس الحاجة إليه، والي بندقيته.. فولغ هو وقواته ومرتزقة الدعم السريع جميعاً في دماء أبناء وبنات جلدته في قرى الجزيرة وحواليها، وما حادثة ود النورة إلا غيض من فيض ..
أجل! عاد إلى أرض الوطن كابن عاق ثاب إلى رشده وهو مهيض الجناح مستفيداً من قرار العفو العام الذي أصدره الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة في بداية حرب أبريل 2023م، حيث قضى القرار بالعفو عن كل المقاتلين الناشطين في صفوف مليشيا الدعم السريع من أي تبعات عقابية في حال استسلامهم للقوات المسلحة و تسليمهم أسلحتهم .. ومن ثم تجميعهم في مواقع معينة.. لأجل النظر في أمر تسريحهم أواستيعابهم في القوات المسلحة..
ومما يجب التأكيد عليه هو أن هذا العفو لن يلغي البتة الحق الخاص والذي بموجبه يكون لأي مواطن الحق في رفع دعوى ضد أي قائد مليشي أو فرد من أفراد مليشيا الدعم السريع بعد الحرب أمام المحاكم السودانية .. إذا ما تأكد بالأدلة والبراهين من أن هذا القائد أو ذاك الفرد هو الذي ألحق به الأذى أو نهبه أو أذله أو انتهك عرضه في يوم ما.. فلا مجال للإفلات من العقاب بعد الآن ..لأن هذه الحرب القذرة تختلف شكلاً ومضموناً من نظيراتها من الحروب التي شهدتها الأرض السودانية منذ بزوغ شمس الاستقلال إلى يومنا هذا.. بل ينبغي ألا تعالج على نسق سابقاتها.. وذلك لأن الحروب التي دارت من قبلها كانت تدور بين جيش الدولة من جهة والمتمردين من جهة أخرى في ساحات الوغى.. اما هذه الحرب القذرة فدارت وما تزال تدور في سوح منازل المواطنين وعلى أرضية القيم والأخلاق السودانية السمحة..
ولكن ما أود الإشارة إليه هو أن إطالة أمد الحرب قد أفرزت معادلة و واقعاً جديداً تجاوز ذلك الشرط الخاص باستيعابهم – أي المتمردين – في القوات المسلحة والأجهزة النظامية الأخرى في حال وضعهم للسلاح واستسلامهم للقوات المسلحة .. لأنه عندما تم وضع هذا الشرط كانت قوات الدعم السريع المتمردة أكثر انضباطاً وأشد التزاماً بقوانين وقواعد القوات المسلحة.. إذ لم ينغمسوا بعد في عمليات القتل والنهب والاغتصاب والتنكيل بالمواطن ، أما الآن فقد اختلط الحابل بالنابل وأصبح البون شاسعاً بينهم وبين تلك القوانين والأعراف العسكرية .. لاسيما بعد استنفار قادتهم للمغرر بهم والمخدوعين من بني جلدتهم من بعض قبائل البقارة العربية بدارفور وكردفان من قبل إداراتهم الأهلية تحت لافتة إقامة دولة العطاوة.. علاوة على بعض الجماعات ذات الأصول الأفريقية بدارفور.. فضلاً عن جماعات وبطون قبائل أخرى في بقاع السودان المختلفة التي تم إغراؤها بالمال وبالشعارات الفضفاضة على شاكلة استرداد الحكم المدني ومحاربة الفلول و الكيزان وخلافها.. وفوق كل هذا وذاك استقدام قادة التمرد للمرتزقة من عرب الشتات بدول غرب أفريقيا ومرتزقة الجوار الأفريقي.. الشيء الذي أدى في نهاية المطاف إلى انفراط عقد النظام و الضبط في صفوفهم فتحولوا بين يوم وليلة إلى قوات أشبه بقوات البوكو حرام بنيجيريا، ما أن دخلت قرية إلا خربتها وعاثت فيها فساداً وجعلت أعزة أهلها أذلة .. لذا أنه من الصعوبة بمكان استيعاب قوات بتلك الوصمة في صفوف القوات المسلحة التي عرفت بالضبط والربط والشرف والمهنية العالية .. فأني لهؤلاء القوم وقد مزقوا ثوب الشرف شر ممزق واهرقوا دماء طهارته على الأرض السودانية.