الاتحاد الإفريقي ومأزق السلطة في السودان: رفض الحكومات الموازية ومسارات استعادة الشرعية

محمد عمر شمينا
يواصل الاتحاد الإفريقي موقفه الحاسم تجاه الأزمة السودانية، مؤكداً رفضه القاطع لأي محاولات لتأسيس حكومة موازية داخل البلاد، ومشدداً على ضرورة وقف الحرب والعودة إلى مسار الحكم المدني. هذا الموقف جاء متسقًا مع مواقف مجلس الأمن، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية، التي رفضت جميعها الاعتراف بأي كيان سياسي جديد قد يعمّق الأزمة ويهدد وحدة السودان.
البيان الأخير للاتحاد الإفريقي كشف بوضوح أن خيار الحكومة الموازية لم يكن يحظى بأي غطاء دولي أو إقليمي منذ البداية، إذ لم تكتفِ الأطراف الفاعلة بالتحذير من مخاطرها، بل أبدت رفضًا قاطعًا للاعتراف بها، ما جعلها مشروعًا غير قابل للتنفيذ سياسيًا ودبلوماسيًا. إضافة إلى ذلك، فإن استمرار هذا الاتجاه قد يعرض السودان لعزلة دولية متزايدة، وربما لإجراءات أكثر صرامة من قبل المجتمع الدولي.
الاتحاد الإفريقي، الذي ظل متمسكًا بمبدأ رفض الحكومات غير الشرعية، أكد دعمه لخارطة الطريق التي طرحها لمعالجة الأزمة السودانية، والتي تقوم على ستة محاور رئيسة: وقف إطلاق النار، وإيصال المساعدات الإنسانية، والدفع نحو تسوية سياسية تضمن العودة إلى الحكم المدني. هذا الموقف يضع الحكومة القائمة في بورتسودان أمام تحدٍّ واضح، فهي لا تحظى باعتراف الاتحاد الإفريقي، لكنه في الوقت ذاته يرفض أي محاولة لإنشاء كيان موازٍ لها.
وفي هذا السياق، يمكن تلخيص مخرج السودان من أزمة الشرعية في عدة خطوات أساسية:
1. وقف الحرب فورًا كشرط أساسي لأي عملية سياسية قابلة للحياة.
2. إطلاق عملية سياسية شاملة تستوعب جميع الأطراف، مع ضمان عدم استبعاد أي فاعل رئيسي في المشهد.
3. الالتزام بخارطة الطريق الإفريقية والتنسيق مع الاتحاد الإفريقي لاستعادة العضوية وتعزيز الشرعية الإقليمية.
4. إعادة التواصل مع المجتمع الدولي لضمان الدعم الدبلوماسي والسياسي لأي تسوية جديدة.
5. تقديم ضمانات دولية وإقليمية لأي ترتيبات انتقالية جديدة، على غرار ما حدث في أزمات أفريقية سابقة، مثل التسويات التي تمت في كل من مالي وجنوب السودان.
كم ان رئيس الاتحاد الإفريقي الحالي، محمد ولد الغزواني، رئيس موريتانيا، المعروف بسياساته المتوازنة، يسعى لتفعيل الحلول الدبلوماسية دون الانحياز لطرف دون آخر. زيارة رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، لنواكشوط في يناير 2024 تعكس محاولات السودان لكسب دعم موريتانيا، خاصة مع اقترابها من رئاسة الاتحاد آنذاك.
كذلك، يلعب محمود علي يوسف، وزير خارجية جيبوتي ورئيس مجلس السلم والأمن الإفريقي، دورًا بارزًا في إدارة الموقف الإفريقي تجاه السودان، حيث تسعى جيبوتي، بحكم موقعها في الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، للحفاظ على الاستقرار في المنطقة، وهو ما يجعل موقفها متماهيًا مع توجه الاتحاد الإفريقي الرافض لأي خطوات تصعيدية تعقّد المشهد.
بالتزامن مع هذه التطورات، يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة غدًا الخميس بطلب من بريطانيا والدنمارك لمناقشة الوضع في السودان. ومع أن هذه الجلسة تعكس اهتمامًا دوليًا مستمرًا بالأزمة، إلا أن فرص تحقيق اختراق حقيقي تبدو محدودة، خاصة في ظل الانقسام الدولي حول كيفية التعامل مع الوضع.
إذا لم تسفر الجلسة عن قرارات عملية أو ضغوط ملموسة، فالأرجح أن تكون كسابقاتها، تقتصر على بيانات إدانة ودعوات للحوار دون إجراءات تنفيذية تغير الواقع على الأرض. ومع ذلك، فإن استمرار السودان في حالة الجمود السياسي قد يزيد من الضغوط الدولية ويفرض خيارات صعبة على جميع الأطراف.
يبقى موقف الاتحاد الإفريقي والمجتمع الدولي ثابتًا في رفض الحكومات الموازية، مع استمرار الضغط لاستعادة الحكم المدني. وفي ظل هذه التعقيدات، فإن مخرج السودان الوحيد هو تبني نهج مرن يقوم على وقف الحرب، وإطلاق عملية سياسية شاملة، والتعاون مع الاتحاد الإفريقي والمجتمع الدولي لضمان إعادة الشرعية واستعادة دوره الإقليمي والدولي.